حصاد عامين

الحرب اليمنية المنسية.. ملايين النارحين وآلاف القتلى

مبان مدمرة جراء الحرب العدوانية التي شنها الحوثيون والمخلوع صالح

إبراهيم أبو جازية (القاهرة)

حوالي 25 شهرًا مرت على الحرب في اليمن، والتي يطلق عليها البعض الحرب الأهلية اليمنية، والتي بدأت بالتحديد في الخامس والعشرين من شهر مارس (آذار) 2015، أي منذ حوالي عامين من الآن.

وبعد عامين من الصراع، لا تبدو أي علامات على هدوء الأوضاع في وقتٍ قريب؛ فبين الصراع الجاري بين الحكومة اليمنية تحت قيادة الرئيس عبدربه منصور هادي، والمدعومة مما يعرف إعلاميًا باسم التحالف العربي لدعم الشرعية، في مواجهة جماعات الحوثي المسلحة، والمدعومة من قبل الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح، وأيضًا المدعومة من إيران. ووسط كل هذا الصراع، تجد الجماعات الجهادية من اليمن ساحة لها تفعل فيها ما يحلو لها، ولا يعبأ أحد بها، وأيضًا توجد قوات دولية، وتحركاتها العسكرية، والتي تقول أنها لمكافحة الجماعات الجهادية، وخاصة تنظيم «الدولة الإسلامية (داعش)».

والآن، يبدو أن الوضع الإنساني في اليمن قد وصل إلى أسوأ أوضاعه، وكالعادة، فالمدنيين دائمًا هم الضحية الأولى، سواء بالقتل، أو بالنزوح، أو بالموت جوعًا، أو عطشًا، أو بسبب قلة المرافق العامة، والاحتياجات الأساسية للحياة.

وفي هذا التقرير نحاول رصد الوضع الحالي في اليمن؛ سواء الوضع العسكري، أو الإنساني، مع شرح كيفية وصول الوضع إلى الشكل الحالي منذ البداية.

كيف بدأ الصراع الأخير في اليمن؟

لطالما ظلت اليمن مليئة بالصراعات، على مدار التاريخ، ولكن هذا الصراع الجاري في الوقت الحالي تعود بداياته إلى عام 2015، وتحديدًا في السادس من شهر فبراير (شباط) من العام نفسه عندما أعلن الحوثيون، يقيادة عبد الملك الحوثي، إعلانًا دستوريًا يفي بانقلابهم على حكم الرئيس عبدربه منصور هادي، وإعلان استقالته، واستقالة الحكومة بأكملها، وحل مجلس النواب اليمني –برغم كونه مُعطلًا في هذه الفترة أصلًا-، بالإضافة إلى إعلانهم نقل مقاليد الحكم إلى اللجنة الثورية الحوثية العليا، خاصةً في ظل سيطرتهم على صنعاء منذ أواخر عام 2014.

غير أن الرئيس عبدربه منصور هادي، الذي فُرضت عليه إقامة جبرية من قِبل الحوثيين لمدة شهر، كان قد تمكن من الهروب إلى مدينة عدن، وإعلان تراجعه عن استقالته الذي لم يبت البرلمان فيها، مؤكدًا أن انقلاب الحوثيين باطل وغير شرعي.


وبعد ذلك بحوالي شهر، وتحديدًا في الواحد والعشرين من شهر مارس (آذار) عام 2015، بدأ الحوثيون وبعض القوات الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح، هجمات من أجل السيطرة على محافظات عدن، وتعز، ومأرب، من أجل السيطرة على جميع الوزارات والمؤسسات المختلفة للدولة، ومن أجل الإمساك بالرئيس هادي، الذي يتواجد هناك، برفقة عدد من المسئولين، وعلى رأسهم محمود الصبيحي، وزير الدفاع الشرعي.

ظلت الاشتباكات مستمرة هنا وهناك، بين جماعة الحوثيين والقوات الموالية لعلي عبدالله صالح من طرف، وبين الحكومة اليمنية من طرف ثان، إلى أن جاء يوم السادس والعشرين من مارس (آذار) 2015، والذي مثَّل نقلة كبيرة في خريطة الصراع اليمني، حيث أعلنت المملكة العربية السعودية بدء عملية «عاصفة الحزم» من أجل استعادة «الشرعية اليمنية»، وذلك بمشاركة العديد من الدول الخليجية، بالإضافة إلى إعلانها الحصول على المساعدات اللوجيستية المختلفة من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية.

من «عاصفة الحزم» لـ«إعادة الأمل» الذي لا يعود

بدأت عملية «عاصفة الحزم» بقصف جوي كثيف على المناطق المختلفة المعروفة بوجود تجمعات للحوثيين، والقوات التابعة لصالحهم في مختلف المحافظات والأنحاء في اليمن، وأيضًا بضربات جوية على مطار صنعاء وقاعدة الديلمي الجوية، والتي كانت مقرًا لإقامة القوات الجوية قبل أن يسيطر عليها الحوثيون.


وكانت الأهداف الرئيسية للعملية هي مهاجمة القواعد الجوية ومراكز العمليات وتدمير الطائرات ومراكز القيادة والسيطرة والاتصالات، وتدمير الصواريخ البالستية التابعة أو الخاصة بالحوثيين، والمواقع التي سيطروا عليها.

وفي تصريح لسفير السعودية في واشنطن، عادل الجبير قال إن العملية العسكرية تهدف لتدمير الأسلحة التي قد تشكل خطرًا على المملكة العربية السعودية، سواء أكانت أسلحة جوية أو صواريخ بالستية أو أسلحة ثقيلة.

استمرت «عاصفة الحزم» لأقل من شهر، وتحديدًا 27 يومًا فقط؛ حيث أعلنت قيادة التحالف العربي بقيادة السعودية نهاية العملية في 21 أبريل (نيسان) 2015، وبدء عملية «إعادة الأمل».

وكانت وزارة الدفاع السعودية قد أعلنت أن العملية نجحت في تحقيق أهدافها وأزالت التهديدات الموجهة إلى المملكة، بعد أن تمكنت من تدمير الأسلحة الثقيلة والصواريخ الباليستية في عملية نوعية استهدفت جبل عطان بصنعاء.

اقرأ أيضًا: إنفوجرافيك: حصاد عملية عاصفة الحزم

وانطلقت عملية «إعادة الأمل» في اليوم التالي لإعلان نهاية «عاصفة الحزم»، بأهدافٍ عديدة، تتمثل في استئناف العملية السياسية وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 عام 2015، والذي يفي بإنهاء العنف في اليمن، وفرض عقوبات على كلًا من عبدالملك الحوثي، قائد جماعة الحوثيين، وأحمد علي عبدالله صالح، نجل الرئيس اليمني السابق.

كما أعلن أحمد العسيري، المتحدث باسم قوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، أن من أهداف العملية أيضًا استمرار حماية المدنيين من الحوثيين، أو في حال قيامهم بأعمال مماثلة لما قاموا به قبل عملية عاصفة الحزم، ومكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى تيسير إجلاء الرعايا الأجانب من اليمن، وتكثيف المساعدة الإغاثية والطبية للشعب اليمني في المناطق المتضررة، وإفساح المجال للجهود الدولية لتقديم المساعدات الإنسانية، والتصدي للتحركات والعمليات العسكرية للميليشيات الحوثية ومن تحالف معها، ومنعها من التحرك داخل اليمن، أو محاولة التغيير على أرض الواقع، وعدم تمكينها من استخدام الأسلحة المنهوبة من المعسكرات أو المهربة من الخارج.

الكثير مرَّ من هنا

في نظر بعض المحللين، فإن المملكة العربية السعودية تدعم كل الأنظمة القمعية والشمولية في المنطقة العربية، وذلك لأنها تظن أن هذه الأنظمة هي الوحيدة القادرة على الحفاظ على حكمها، ولأنها تكبت وتقمع أي شكل من أشكال التغيير في المنطقة.

كانت المملكة العربية السعودية أحد أهم داعمي الثورات المضادة في شتى الدول العربية، التي حدثت في المنطقة العربية فيما عُرف إعلاميًا باسم ثورات الربيع العربي منذ عام 2011.

وبالرغم من دعم السعودية للرئيس اليمني السابق، علي عبدالله صالح، في قمعه للتظاهرات التي خرجت ضده في عام 2011، والتي نادت بالتغيير، إلا أنها الآن تقود الحرب ضد علي عبدالله صالح والقوات الموالية له، والحوثيين، وذلك لأن المملكة تظن أن خطر الحوثيين، المدعومين من إيران، أكبر بكثير من خطر مظاهرات التغيير في اليمن. حيث إن السعودية هي من دعت إلى التحرك العسكري بشكل رئيسي نحو اليمن، وهي من تقود التحالف العربي في اليمن، وكل ذلك بحسب المراقبين بسبب خوفها من أي تدخل شيعي من إيران وحزب الله في اليمن، ما قد يهدد حدودها مع اليمن بالطبع.

المؤكد هو أن هنك العديد والعديد من الدول المختلفة التي تقاتل في اليمن، فالكثير مرَّوا من هنا، بدايةً من التحالف العربي لدعم الشرعية، والذي يضم مصر، والسعودية، والمغرب، والأردن، والسودان، والإمارات العربية المتحدة، والكويت، وقطر، والبحرين، والصومال، والمغرب، وموريتانيا، مرورًا بالسنغال، والدعم اللوجيستي وفني المقدم من دول أخرى أجنبية وعربية مثل الصومال، وجيبوتي، وإريتريا، والولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وكندا، وفرنسا، بالإضافة إلى أعداد كبيرة من المرتزقة والقاتلين المأجورين الذين استعان بهم التحالف من جنسيات مختلفة مثل الأرجنتين، وأستراليا، والمكسيك، وكولومبيا، في مقابل الحوثيين، مدعومين من إيران، ومن قِبل حزب الله اللبناني.

السعودية تقتل ولا تُبالي

الارتعاد السعودي مما يُعرف باسم المد الإيراني في المنطقة جعلها تقتل كل من تشكك في كونه من الموالين لعلي عبدالله صالح، أو من الحوثيين، مما جعلها تقتل الكثير والكثير بالخطأ، مما علمته الصحافة ونُشر، ومما لم تعلمه الصحافة ولم يُنشر.

هناك العديد والعديد من الحوادث والانتهاكات التي ترتكبها جميع الأطراف المتقاتلة في اليمن، ولكن الحادثة الأفظع ربما هي التي ارتكبتها السعودية، والتي كانت في 16 مارس (آذار) 2017، عندما قتلت السعودية 42 لاجئًا صوماليًا كانوا على متن قارب قبالة سواحل اليمن، ظنًا منها أنهم يمنيين مواليين لعلي عبدالله صالح أو الحوثيين، وذلك بقصف القارب بطائرة هليكوبتر تابعة للتحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن.


أثار الحادث ردود الفعل، خاصةً أن هؤلاء المهاجرين الصوماليين كانوا مهاجرين شرعيين، حاملين الوثائق الرسمية التابعة لمفوضية اللاجئين للأمم المتحدة، وكانوا في طريقهم من اليمن إلى السودان عندما هاجمتهم الطائرة في منطقة الحديدة القريبة من مضيق باب المندب.

وأبدى محمد عبدالقادر، مسؤول الطوارئ بالمنظمة الدولية للهجرة في جنيف، التابعة للأمم المتحدة، استياءه من الحادث، مؤكدًا أنه غير مقبول على الإطلاق، وذلك في تصريحاته لجريدة الجارديان البريطانية، كما أدانت شابية مانتو، الناطقة باسم مفوضية الأمم المتحدة لللاجئين في اليمن، الحادث.

وبرغم نفي المتحدث الرسمي باسم التحالف، اللواء أحمد العسيري، إمكانية تورط السعودية في الحادث، إلا أن التحالف هو الجهة الوحيدة المقاتلة في اليمن التي تمتلك طائرات هليكوبتر أباتشي AH-64، وهو النوع الذي أطلق النار على المركب.

الحرب المنسية في اليمن

الأوضاع الإنسانية متدهورة في العديد من دول العالم، ولكن الأوضاع في اليمن من أكثرهم سوءًا، ورغم ذلك فإنها لا يتم تسليط الضوء عليها كثيًا، ربما يعود ذلك إلى مرجعية معظم وسائل الإعلام المسيطرة على الساحة الإعلامية العربية، مثل قناة العربية، أو قناة الجزيرة، أو غيرهم من القنوات المنتمية إلى دول مشاركة في التحالف، وذلك نظرًا لأن تقريبًا معظم الدول العربية مشاركة في التحالف العربي لدعم الشرعية، وبالتالي فمعظمهم يدعمون السعودية.


الإحصائيات والنتائج المعلنة بخصوص الصراع في اليمن بعد مرور عامين خطيرة للغاية، حيث وصل عدد المصابين في صفوف المدنيين خلال عامين فقط إلى حوالي 60 ألف مصاب، من ضمنهم ما يقارب ثمانية آلاف قتيل.

وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية قد أعلن أن هناك حوالي ثلاثة مليون مواطن يمني تم إجلائهم ونزوحهم في مناطق مختلفة داخل اليمن، بالإضافة إلى حاجة 18.8 مليون مواطن آخرين إلى مساعدة مباشرة، من بينهم عدد كبير من الأطفال.

70% من اليمنيين بحاجة إلى مساعدات إنسانية مباشرة.
وفيما يتعلق بتوفير الحاجات الأساسية من أجل العيش والحياة، فإن هناك 17 مليون مواطن يمني لا يستطيعون الحصول على طعام في الوقت الحالي، وذلك لعدة أسباب، إمَّا الدخل المتدني بسبب الصراع الدائم الجاري، أو بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية نظرًا لقلتها وصعوبة توافرها أو تواجدها بشكل مستمر، وبكميات كبيرة،ـ بينما يوجد 4.5 مليون يمني بلا مسكن أو ملجأ، بالإضافة إلى فقدانهم لوسائل الحصول على طعام أيضًا.


الحرب الجارية طالت الجميع، حتى أن هناك 70% من الشركات المختلفة في اليمن قد سرَّحت نصف موظفيها أو أكثر، حتى أنها أصابت الأطفال، حيث لا يستطيع 2 مليون طفل أن يذهبوا إلى مدارسهم أو الحصول على تعليم، وذلك بسبب تدمير مدارسهم، والأوضاع الأمنية السيئة التي تمنعهم من الخروج في الوقت الذي لقي فيه أكثر من 1500 طفل مصرعهم بسبب الحرب في اليمن.

63% من اليمنيين لا يستطيعون الحصول على الطعام في الوقت الحالي، بينما يعيش حوالي 17% منهم بلا مسكن ولا مأكل.
أدانت عدد من المنظمات الدولية الانتهاكات التي تحدث في اليمن، مطالبةً المجتمع الدولي للتدخل من أجل حل الأزمات الإنسانية هناك، وكانت منظمة العفو الدولية قد انتقدت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة متهمةً إياهما بتأجيج الصراع في اليمن، والمساهمة في انتهاكات حقوق الإنسان، وذلك بسبب بيعهم لأسلحة للمملكة العربية السعودية تقدر قيمتها بحوالي 5 مليارات دولار من أجل استخدامها في حرب السعودية في اليمن.