الأزمة بين نقابة المعلمين والحكومة الأردنية..

تقرير: هل أشهر إخوان الأردن سلاح النقابات لإخضاع حكومة الرزاز

حراك ملغوم

عمان

الأزمة بين نقابة المعلمين والحكومة الأردنية تتصاعد وقد اختلط فيها الاجتماعي بالسياسي على ضوء قناعة حكومة عمر الرزاز بأن حراك النقابة في هذا التوقيت، لا يخلو من أبعاد سياسية مرتبطة بأجندة لجماعة الإخوان المسلمين التي تعد الطرف المؤثر داخل قيادة هذا الهيكل.

تتواصل عملية العض على الأصابع بين الحكومة الأردنية ونقابة المعلمين، الأمر الذي ينذر بالمزيد من التأزيم بين الطرفين، وإمكانية انضمام قطاعات نقابية أخرى، إلى موجة الاحتجاجات والإضرابات، حيث أعلنت نقابة الأطباء الثلاثاء توجهها هي الأخرى نحو التصعيد بعد رفض الحكومة مشروع نظام الحوافز الذي طرحته.

وتقول دوائر سياسية إن الأردن يموج بحالة احتقان متصاعدة نتيجة الأزمة الاقتصادية التي خلفت بوضوح تصدعات اجتماعية، وسط خشية لدى صناع القرار من تكرار سيناريو حراك 2018 والذي كاد يغير المشهد كليا في هذا البلد لولا مسارعة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إلى احتوائه عبر إقالة حكومة هاني الملقي، والتعهد بإجراء حوار مجتمعي واسع حول المنظومة الضريبية (لم يتحقق).

وتلفت الدوائر السياسية إلى أن أكثر ما يقلق أصحاب القرار اليوم هو أنه ليست هناك بدائل يمكن الركون إليها لامتصاص الغضب المتنامي، الذي كسر حاجز الخوف لدى الكثيرين ومن بينهم النقابات التي برز دورها بشكل واضح في السنوات الأخيرة، مع تراجع أسهم معظم الأحزاب والقوى السياسية.

وتشير الدوائر إلى أن موقف الحكومة المتصلب حيال مطالب نقابة المعلمين يعود إلى خشيتها من فتح الباب أمام باقي النقابات للضغط بشأن حزمة مطالب الزيادات التي تطرحها، وهذا أمر لا يمكن السماح به في ظل العجز الذي تعاني منه الموازنة العامة، فضلا عن كون الحكومة تعتقد أن تحرك النقابة لا يخلو من أجندات سياسية في علاقة بجماعة الإخوان المسلمين.

وفشلت جلسة المفاوضات الأخيرة بين حكومة عمر الرزاز ونقابة المعلمين في ظل تمسك كل طرف بمطلبه حيث تصر الحكومة على نظام مزاولة المهن التعليمية في المقابل تتمسك النقابة بمطلبها وهو تفعيل الاتفاق الذي تم إبرامه في عهد حكومة عبدالله النسور في العام 2017 والذي ينص على حق المعلم في علاوة بقيمة 50 بالمئة، الأمر الذي يعني استمرار الإضراب المفتوح الذي دخله المعلمون منذ الأحد الماضي.

وأكد رئيس الوزراء عمر الرزاز في حوار للتلفزيون الأردني عصر الثلاثاء، أن حكومته لن تتراجع عن ربط العلاوات بمؤشر قياس لأداء المعلم. وقال الرزاز “لقد توصلنا مع النقابة السابقة إلى اتفاق شامل حول الوضع المعيشي للمعلم يرتبط بحوافز ليست فقط بـ50 بالمئة بل بـ250 بالمئة”.

وأضاف الرزاز “ولأننا ندرك أهمية المعلم وشعوره بالأمان، توافقنا أن نربط العلاوات بمؤشر قياس لأداء المعلم والأهم أداء الطالب ولن نتراجع عنه”.

وانتقد ما قامت به النقابة من إجراءات تصعيدية قائلا “في يوم وليلة اعتصام ثم إضراب، إلى أين سيقود مثل هذا التصرف البلدَ، إذا كان كل واحد يريد أن يأخذ حقه بهذه الطريقة إلى أين سنصل؟”.

وأكد على أن الحكومة لم تتأخر إطلاقا في الحوار مع نقابة المعلمين، مشيرا إلى أنه لو كان نقيب المعلمين الراحل أحمد الحجايا نقيبا لكانت الأمور أكثر عقلانية رغم ولائه وانتمائه الكبيرين إلى النقابة وقضية المعلمين.

وشدد على أنه إذا أصر المعلمون على الإضراب فحينها لكل حادث حديث. وأوحى كلام رئيس الوزراء بأن النقابة الحالية التي يقودها نائب نقيب المعلمين ناصر النواصرة -بعد وفاة النقيب أحمد الحجايا قبل أسابيع في حادث سير- هي التي انقلبت على التفاهمات التي جرت سابقا وليس الحكومة، وأن الضغوط التي تمارسها لن تقود إلى نتيجة، في تحد واضح للأخيرة.

ويعد ناصر النواصرة الذي يقود الحراك أحد كوادر جماعة الإخوان المسلمين ما يعطي التصعيد الجاري أبعادا سياسية، وقد يكون هذا أحد الأسباب التي تدفع حكومة الرزاز إلى تبني مقاربة صارمة في التعاطي مع طلبات المعلمين حيث إنها ترى في التصعيد الجاري محاولة من الإخوان لليّ ذراع الدولة.

وتبني الحكومة هذا التصور بشأن وقوف جماعة الإخوان المسلمين خلف الحراك الجاري، على جملة من المعطيات من بينها أن التصعيد يأتي في توقيت جدّ حساس لجهة عودة الاحتجاجات الفئوية والمناطقية وليس أدل على ذلك من تحركات تجار الرمثا والكرك في الشهر الماضي، والنقطة الثانية هي تزامن انطلاق الحراك الخميس الماضي بطرح كتلة الإصلاح النيابية التابعة لجماعة الإخوان سحب الثقة من الحكومة، كما حمل المحتجون شعارات تنادي بإقالة وزير الداخلية سلامة حماد.

وتقول الدوائر السياسية إنه لا يمكن تجاهل واقع بأن مجلس النقابة وهيئتها المركزية هما تحت سيطرة الإخوان، الذين رغم التحسن الطفيف الذي طرأ على علاقتهم بسلطة القرار في الأشهر الماضية، بيد أنهم لا يزالون يستشعرون أن عملية تحجيمهم مستمرة، ولا يزال “سيف الشرعية” مسلطا على رقابهم.

وتشير هذه الدوائر إلى أن الجماعة ترى أن النظام في وضع صعب نتيجة الأزمة الاقتصادية المتزايدة، والضغوط الأميركية التي يواجهها بشأن خطة السلام لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي المعروفة بصفقة القرن، وبالتالي فإن الفرصة سانحة للمزيد من خنقه وإجباره على تقديم تنازلات من أهمها إعادة منحها شرعيتها المنزوعة، ولِمَ لا فتح المجال لإشراكها في مراكز صنع القرار؟

وسبق أن قدمت كتلة الإصلاح النيابية التابعة لجماعة الإخوان مبادرة سياسية للملك عبدالله الثاني، قبل أشهر ومن أهم بنودها تشكيل حكومات برلمانية، وقد وعد الملك حينها بالاطلاع عليها.

ويرى مراقبون أن عملية شد الحبال بين الحكومة والنقابة على أشدها، في ظل غياب مؤشرات عن أن الأخيرة بصدد التراجع عن الإضراب المفتوح، ما يفتح الباب أمام سيناريوهات قاتمة.

وأكد المتحدث باسم نقابة المعلمين نورالدين نديم، في وقت سابق، الثلاثاء، على أنه لا نية لديهم لتعليق الإضراب ما لم تتحقق مطالب المعلمين بعلاوة الرواتب.

وقال نديم “ليس مطلوبا من المعلمين إيجاد حل، فهم يطالبون بحق مستحق منذ 5 سنوات”. وتساءل نديم “ألا يكفي حوارا طيلة هذه المدة؟”، مشيرا إلى أن “الحوار لم يُؤسس على مبدأ الاعتراف بالحقوق”.

واستدرك “الحكومة تتخاذل وتماطل، وهناك كذب وتدليس في الأرقام المطروحة”، مشددا على أن “الإضراب مفتوح إلى حين تحقيق المطالب ولا مناقشة في ذلك”. وأردف “نحن بحاجة للاعتراف للمعلم بحقه، وأن يخرج علينا رئيس الحكومة ليعتذر عما تعرض له المعلمون من إهانة الخميس الماضي، وتشكيل لجنة تحقيق حول الاعتداءات التي تعرضوا لها”.

ويرى الكثيرون أنه بالرغم من الأصوات العالية لمجلس النقابة، بيد أن موقفه يبدو أكثر سوءا من الحكومة خاصة لوجود شكوك متزايدة بوجود أجندات غير بريئة خلف هذا الحراك.

وحاول نائب نقيب المعلمين في وقت سابق نفي وجود أي طابع سياسي لتحرك المعلمين قائلا في مؤتمر صحافي عقد في مقر النقابة السبت ” تحل الحكومة جماعة الإخوان المسلمين، تنفيها من البلد أنا موشغلي (ليس عملي)، أنا شغلي (اهتمامي) المعلم”.

وأضاف “مرة ثانية تحل الجماعة، تربطها، مو شغلي (ليس عملي) تسجن أعضاءها كلهم، مو شغلي، أنا ومرجعي المعلم لما تشوفوني (تروني) حدت عن ذلك أخبروني”.