الخيارات الواقعية..

تحليل: كيف باتت واشنطن في موقف أفضل بمواجهة طالبان؟

طالبان

وكالات

طالب مدير برنامج شؤون الدفاع والأمن القومي في "المعهد الأوسترالي للسياسة الخارجية" مايكل شوبريدج دول التحالف بمواصلة دعم الشعب الأفغاني، بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السبت إلغاء محادثات مع حركة طالبان في كمب ديفيد، حيث كان من المتوقع وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق يقضي ببدء انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان.

ربما تكون أيضاً لحظة للاعتراف بأنّ حدس ترامب في المسائل الكبيرة يبدو صلباً مع انسحابه من توافق مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في الوقت المناسب

 يبدو أنّ الاتفاق ارتكز إلى أربعة أسس: ضمان طالبان عدم السماح للمقاتلين الأجانب بإطلاق الهجمات الدولية، انسحاب القوات الأمريكية والأطلسية، حوار داخلي أفغاني ووقف دائم لإطلاق النار.

حسن حظ
تثار علامات الاستفهام حول الخطة على صعيد صدقية أي التزامات طالبانية واستثناء الحكومة الأفغانية من المحادثات والخطوات اللاحقة. قد يكون كبير المفاوضين الأمريكيين قد توصل إلى أفضل ما بوسعه مع حركة طالبان لكن ذلك لا يعني أنّ الاتفاق يستأهل التوقيع عليه. ويضيف الكاتب أنه لحسن الحظ يبدو ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو يملكان مقاربة مختلفة عن تلك التي يملكها فريق التفاوض.

كانت طالبان متناسقة في أهدافها منذ إطاحتها من الحكم سنة 2001 وأكدتها في بيان الاثنين الماضي: "صراعنا في السنوات الثماني عشرة الماضية... سيستمر حتى ينتهي الاحتلال الأجنبي ويعطى الأفغان فرصة العيش وفقاً لخيارهم". إنّ أي اتفاق مع ممثلي طالبان لم يكن ليشمل الحكومة الأفغانية لأنّهم لا يعترفون بها. ونقطة البداية لأي اتفاق هو انسحاب القوات الأمريكية وهذا ما سيؤكد وجهة نظر طالبان التي ترى أفغانستان تحت "الاحتلال الأجنبي". وتنقل هذه الفكرة المتابعين إلى صلب الموضوع.

لم يعد هذا الأمر صحيحاً

في أواخر 2002، أي بعد إطاحة طالبان من الحكم، خضعت أفغانستان لحكم الولايات المتحدة وشركائها الدوليين. لم يكن هنالك مؤسسات أفغانية قادرة على الحكم وتوفير الأمن. لكن ذلك لم يعد صحيحاً. إنّ حكومة منتخبة تدير حالياً مؤسسات الحكم الاعتيادية كالتعليم والنقل والصحة والأمن والقانون والنظام. وتخضع قوى الأمن لرئيس البلاد. الخدمات الحكومية محدودة كما هي الحال دوماً في دولة عانت لعقود من النزاع الأهلي.
  
لا تزال حركة طالبان وتنظيمات أخرى كداعش أو تلك الخاضعة لأمراء الحرب المناوئين للحكومة تشن هجمات عنيفة. لهذا السبب، كان عدد القتلى المدنيين مرتفعاً جداً بين 2018 و 2019. كان العنف المتصاعد جزءاً من جهد لإبراز التصميم الطالباني على تقويض الحسم الأمريكي والدولي، لكن الحكومة صمدت أمام العنف.

جرت العادة أن تستغل طالبان سردية قوية لعودتها إلى الحكم: "نحن نعيش هنا. أنتم لا. أنتم غزاة أجانب. لذلك نملك الصبر كي ننتظر خروجكم". ربما بالصدفة والارتباك عوضاً عن التخطيط الجيد، غيرت السنوات الثماني عشرة الماضية هذا المسار. الحلف الأطلسي والولايات المتحدة وشركاء آخرون كأوستراليا هم أجانب بالفعل، لكنهم يعملون مع دولة أفغانية فاعلة يديرها شعب لا يريد العودة إلى حكم متطرف جداً تحت طالبان.

الخيارات الواقعية
أمكن أن يتم تحقيق أهداف أضيق على يد واشنطن وحلفائها في أفغانستان منذ سنوات. كانت إزالة طالبان من السلطة بسبب دعمها القاعدة والمغادرة مع الوعد بالعودة لضرب أي مجموعات إرهابية تستقر في أفغانستان مساراً مفتوحاً للمجتمع الدولي قبل اليوم. لا يزال الواقعيون المتشددون يرون هذا المسار حيوياً. ويقولون عن حق إنّه ليس من شأن الشركاء الدوليين السعي لبناء دولة.

لكن هنالك موقف واقعي بديل يقول إنّ البيئة الدولية الجديدة للمتسلطين تظهر أنه من الأهم الوقوف إلى جانب الحلفاء. يصبح الأمر أكثر إلحاحاً إذا كان الحلفاء يسعون لإدارة دولة وفقاً لمبادئ الديموقراطية وحكم القانون وبناء مجتمع دولي. ليست أفغانستان نسخة من أوروبا في آسيا الوسطى لكنها تملك هذه الميزات المتداخلة مع ممارسات قبلية قوية.
أظهر فلاديمير بوتين النفوذ الاستراتيجي الذي يتأتى عن الوقوف إلى جانب الحلفاء حين تدخل فجأة وبنجاح لإنقاذ نظام الأسد في سوريا. وتحتاج الديموقراطيات اليوم كي تظهر أنّه ليس المتسلطون وحدهم من يقفون إلى جانب أصدقائهم.

انقلبت الآية
اليوم، تخدم الشعبَ الأفغاني حكومة تحظى بدعم دولي مستمر. كذلك، إنّ الشعب الأفغاني والوزراء والمسؤولين العاملين في المؤسسات الأفغانية هم حلفاء الأمريكيين والأطلسيين. لقد اتخذ الشعب ومسؤولوه قرارات حياة أو موت بناء على التزام الولايات المتحدة بمواصلة الدعم.

يتابع شوبريدج أنّ طالبان تحتاج لإدراك أنّ الأوقات تغيرت منذ 2001 وحتى منذ 2010. بسبب المكاسب التي تحققت عبر الحكومة الأفغانية والإمكانات الأمنية وانتشار المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني، يمكن الحكومة الأفغانية وشركاءها الدوليين الانتظار حتى تخرج طالبان.

مع مواصلة الدعم الدولي، يقف الوقت إلى جانب الحكومة الأفغانية والرجال والنساء والأطفال الذين يعيشون في غالبية البلاد التي لا تسيطر عليها طالبان. إنّ أي مسار سلام لا يشمل الحكومة الأفغانية في جوهرها ومن دون حضور أمني دولي ومساعدة مالية للقوات الأفغانية سيسلّم الكثير لطالبان في مقابل القليل مما ستقدّمه الأخيرة.

لحظتا اعتراف.. وخطأ طالبان
يشير شوبريدج إلى أن لا أحد يعلم كم ستستغرق الحركة من وقت حتى تقتنع بهذه المحادثات غير أنه يستدرك بأن المنطق الاستراتيجي قد تغير اليوم. إنّ حضور حوالي 17 ألف عنصر أطلسي أمر مستدام لفترة طويلة بينما تكبر المؤسسات الأفغانية إضافة إلى المجتمع المدني. يمكن أن يكون إلغاء محادثات كمب دايفد لحظة اعتراف بذلك وإعادة إطلاق الخطاب والاستراتيجية الأمريكيين.

ربما تكون أيضاً لحظة للاعتراف بأنّ حدس ترامب في المسائل الكبيرة يبدو صلباً مع انسحابه من توافق مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في الوقت المناسب ومواصلة الضغط على الرئيس الصيني شي جينبينغ وخطوته الحالية مع طالبان. وطالب شوبريدج ترامب بالانتظار قبل إعادة قواته إلى الولايات المتحدة. لقد سعى إلى السلام، لكن مع عدو لا يسعى سوى إلى إظهار الضعف الأمريكي. هذا المسعى هو خطأ ستتمنى طالبان لو أنها لم ترتكبه لكنه سيكون خطأ يمتنّ له الشعب الأفغاني.