التهديدات الإيرانية..

لماذا رفضت العراق الانضمام لتحالف حماية الملاحة في الخليج؟

فكرة تشكيل قوة بحرية دولية اقترحتها واشنطن لردع طهران ووكلائها في المنطقة

بغداد

أعلن العراق الخميس، عدم مشاركته في التحالف الدولي لحماية الملاحة في الخليج، في قرار يعكس تخوف بغداد من تحول البلاد إلى ساحة حرب بالوكالة بعد التهديدات الخطيرة التي أصبحت تمثلها إيران على أمن المنطقة.

وقالت وزارة الخارجية العراقية الخميس إن بغداد لن تنضم إلى مهمة بحرية دولية لحماية الشحن التجاري في مضيق هرمز ومناطق أخرى.

ونقلت وكالة الأنباء الرسمية بيان للوزارة قالت فيه إن "العراق لن ينضم إلى أي قوة تحمي الممرات المائية في الخليج".

وأضافت الوزارة أن القرار يعود إلى رفض مشاركة إسرائيل في تلك المهمة، مشيرة إلى أن أمن الخليج مسؤولية الدول المطلة عليه.

وأطلقت الولايات المتحدة فكرة تشكيل قوة بحرية دولية في يونيو/حزيران إثر هجمات استهدفت ناقلات نفط في منطقة الخليج وحمّلت واشنطن مسؤوليتها إلى طهران، وانضمت عدة بلدان عربية وغربية إلى هذا التحالف الدولي.

ويأتي الرفض العراقي تزامنا ترحيب وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الخميس، بإعلان المملكة العربية السعودية والإمارات مشاركتهما في هذا التحالف الدولي للذي يهدف إلى حماية أمن الملاحة البحرية، مشددا على أن الأحداث الأخيرة تؤكد أهمية حماية التجارة الدولية وحرية الملاحة.

وتغطي منطقة عمليات التحالف الدولي لأمن الملاحة في الخليج مضيق هرمز وباب المندب وبحر عمان والخليج العربي.

وأصبحت الملاحة في المنطقة محور مواجهة بين إيران والولايات المتحدة بعدما انسحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب في العام الماضي من معاهدة نووية موقعة عام 2015 وأعاد فرض عقوبات على طهران.

وكلفت إيران وكلائها في المنطقة لتكثيف الهجوم على السفن التجارية التي تمر عبر مضيق هرمز الاستراتيجي ومنشآت النفط السعودية التي تعد أكبر مصدر للنفط في العالم بعد تضييق واشنطن الخناق على اقتصادها واتجاهها نحو تصفيره.

وفي الآونة الأخيرة كثفت جماعة الحوثي الموالين لطهران هجماتها بطائرات مسيرة وبصواريخ متوسطة المدى على أهداف سعودية ومواقع للجيش اليمني، في تصعيد لعملياتها الإرهابية بإيعاز من إيران التي تسعى بجهود حثيثة لمنع تشكيل التحالف الدولي في المنطقة بهدف عرقلة إمدادات الطاقة العالمية لانقاذ اقتصادها من الانهيار تماما.

وتأثر أداء سوق النفط العالمية جراء التوترات الجيوسياسية في  منطقة الشرق الأوسط، بعد تعرض ناقلات نفط قبالة سواحل الإمارات وفي بحر عمان وفي مضيق هرمز، لعمليات تخريب واعتداءات إرهابية اتهمت واشنطن والرياض طهران بتدبيرها.


والسبت، وجهت أصابع الاتهام مجددا إلى إيران للاشتباه في تنفيذها هجمات جديدة على منشآت نفطية تابعة لشركة أرامكو السعودية قال مسؤولون أميركيون إنها نفذت من مكان قريب على الحدود الإيرانية العراقية.

ويعتبر العراق حلقة استراتيجية مهمة بالنسبة للسياسة الإقليمية الإيرانية في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها، وهو ما جعل طهران تتغلغل شيئا فشيئا في العمق العراقي منذ سقوط نظام الراحل صدام حسين ودخول القوات الأميركية إليه.

وزاد النفوذ الإيراني في العراق في السنوات الأخيرة منذ مشاركة ميليشيات موالية لطهران الحكومة العراقية والولايات المتحدة في محاربة تنظيم داعش الذي كان قد تمكن من السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي العراقية منذ حوالي خمس سنوات.

وأصبحت اليوم تلك الميليشيات تمثل تهديدا مباشرا حتى للحكومة العراقية نفسها التي لم تعد تستطيع ضبط نفوذها بقوة السلاح.

وفي يوليو الماضي، وفيما بدا إيماءة لواشنطن، قررت السلطات العراقية إخضاع قوات ما يسمى بالحشد الشعبي إلى القيادة الرسمية للجيش العراقي وهو القرار الذي رحب به المسؤولون الأميركيون بحذر.

وبعد أن تلاشى نفوذ داعش الذي شاركت ميليشيات الحشد في محاربته، ترغب الإدارة الأميركية في خروج إيران من العراق، حيث تعتبر الدور الإيراني فيه نموذجا إضافيا لتدخلاتها الإقليمية.

لكن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب كانت تتوخى الحذر خاصة في ما يتعلق بالتعامل مع المسؤولين العراقيين؛ فهي تريد إبقاء العراق في مدار الولايات المتحدة، لكن مسؤولون أميركيون يقرون بأن العراق يحتاج وقتا أطول لتقليص روابطه مع إيران.

وهو ما يؤكده استثناء العراق منذ أشهر من العقوبات التي فرضتها واشنطن على طهران.

وأظهرت تصريحات بعض القادة العراقيين مؤخرا أنهم يرغبون في إظهار سياسة خارجية مستقلة لبلادهم تشمل من جهة عودة علاقاتها مع الدول العربية خاصة الخليجية منها، والحفاظ على علاقات ودية مع إيران، على الرغم من العلاقات الإستراتيجية لبلدهم مع الولايات المتحدة من جهة أخرى.

ويحاول رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي تلطيف الأجواء مع الإدارة الأميركية في وقت أصبحت فيه حكومته مهددة بالسقوط بسبب عدم رضاء الأحزاب الموالية لإيران عنها.

من جانبه يحاول الرئيس العراقي برهم صالح الحصول على ضمانات من الساسة المقربين من طهران بالعمل على ضبط معسكرهم وامتصاص حماس أنصارهم بهدف النأي بالعراق عن مواجهة وشيكة بين واشنطن وطهران.

ويرى الرئيس العراقي ورئيس الوزراء أن مصلحة البلاد أن تقوم سياسيتها الخارجية على عدم التخندق ضمن أي من المحاور المتصارعة على النفوذ فيه، يهتزّ بقوّة تحت وقع تهديد الميليشيات الشيعية الموالية لإيران.

ويعتقد صالح وعبد المهدي بأنه في إمكان العراق إرساء علاقات خارجية مختلفة عن تلك التي حاد فيها في السنوات الأخيرة عن محيطه العربي بسبب الهيمنة الإيرانية.

في المقابل يقول مراقبون إن هذا التوجه عن التوازن والنأي بالنفس مجرّد تنظير غير قابل للتحقّق على أرض الواقع خصوصا مع تمادي طهران في تهديد أمن المنطقة وحتى أمن العالم.

وأعادت الضربات على مخازن أسلحة الحشد الشعبي الأخيرة والتي يرجح أن إسرائيل هي من نفذتها، بغداد إلى حلقة المواجهة بين واشنطن وطهران، حيث أطلقت فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران تهديدات ضد الولايات المتحدة.

واتهمت هذه الفصائل واشنطن بتسهيل عمليات إسرائيلية لقصف أسلحة وأعتدة الحشد الشعبي، مؤكدة أنها ستهاجم أهدافا أميركية في العراق إذا تعرضت مقراتها لاستهداف جديد.

ويجد المسؤولون العراقيون فانفسهم ي موقف صعب، في الوقت الذي يدرسون فيه العلاقات الدبلوماسية مع جيرانهم وعلاقاتهم الأمنية مع الولايات المتحدة وعلاقاتهم السياسية والدينية مع إيران.