تجاهل متعمّد أم قصور في أداء الإعلام الجنوبي؟

قراءة: قضية الجنوب في الإعلام الخارجي

جانب من تظاهرة جنوبية في عدن

صلاح السقلدي (عدن)

القضية الجنوبية في الإعلام الخارجي.. تجاهل متعمد أم قصور في أداء الإعلام الجنوبي؟. الإجابة على مثل هذا السؤال لا يمكن أن يكون باختيار أحد هذين الخيارين باعتباره هو الجواب الممكن. فالإجابة الأقرب للقبول هي على النحو الأتي: أن هذا التجاهل الإعلامي العربي والدولي (المفترض) تجاه القضية الجنوبية مرده أن خلف وسائل الإعلام هذه تقف  سياسة وتوجهات دول هي من تحدد متى وكيف يتم تسليط الضوء على مثل هذه القضايا ومتى و ما الغرض المرجو من إغفالها ولو مؤقتا خدمة للمصالح التابعة لهذه الجهات,بالإضافة إلى تقصير جنوبي إعلامي وسياسي وسوء استغلال للتباينات الدولية بالمنطقة والتي  تكون فيها وسائل الإعلام الخارجية عادة متاحة للاستفادة منها لمصلحة القضية الجنوبية.

     فوسائل الإعلام الخارجية جميعها تقريباً هي لسان حال دول ومنظمات مختلفة, وما هذا الإعلام إلا تابعا لها والصوت المعبر عنها وبوصلة توجهاتها السياسية. وما نراه من تجاهل للقضية الجنوبية يندرج في هذا الإطار.هذا على افتراض ان ثمة تجاهل حقيقي حاصل حيال الجنوب و بالمعنى الأشمل لكلمة (تجاهل), مع أن مثل هكذا توصيف لا يتفق تماما مع الحقيقة التي شاهدناها طيلة سنوات مسيرة الثورة الجنوبية, فلم يعرِض الإعلام الخارجي كله أو يشيح وجهه تماما عن القضية الجنوبية إلى درجة يمكن القول عنها انه تجاهل متعمد, حتى و إن خف اهتمامه  وخبأ وهجه بين الحين والآخر.

    وفي الشق الأخر من التساؤل آنف الذكر الذي يتحدث عن قصور جنوبي إعلامي مفترض بهذا الشأن , فقد يكون هذا سبباً أيضا ,ولكنه بالتأكيد يظل سبباً هامشياً, في ظل ثورة اتصالات هائلة لم يعد البحث عن أي خبر صغير كان أم كبيرا شيئا عسيرا, خصوصياً حين يكون خبراً بحجم قضية سياسية كبيرة كالقضية الجنوبيـة, ولم يعد إخفاء الأحداث والأخبار العادية أمراً ممكن ناهيك عن القضايا الكبرى كالقضية الجنوب, وفي منطقة حيوية بالعالم كمنطقة الشرق الأوسط. فالخبر يفرضه نفسها اليوم فرضاً على الجميع, وبالتالي فطرح سؤالا مثل هذا الذي يقول هل التقصير الإعلامي الجنوبي مسئولاً عن هذا الإخفاق السياسي الذي يعتري قضية شعب الجنوب , هو سؤالاً مستفز بجزء كبير منه في ظل انتشار لوسائل الإعلام المحلي والعربي والدولي بمختلف هذه الوسائل الإعلامية المرئية والمقروءة المسموعة والالكترونية وفي ظل جهد جنوبي مضني نحت صميم الصخر منذ سنوات لإيصال صوت الثورة الجنوبية إلى كل الأصقاع.

     فمن الممكن ان يتم تحويل وتحوير السؤال إلى : هل قـدّم الإعلام الجنوبي قضيته بشكل صحيح واستطاع ان يكسر حاجز التعتيم  وهدَّ جدار تشويه وتشويش حقيقة القضية الجنوبية وهل استطاع حتى الييوم ان يتصدى يكشف الجهات المعادية لثورة الجنوب التي تسعى هذه الجهات للتشهير والتشنيع بمضمون الثورة الجنوبية وأخلاقياتها؟.وهل كان هذا الصوت الجنوبي الإعلامي على قلة إمكانياته وضيق دائرة حرية حركته موفقاً ومعبرا عن حجم هذه القضية وناقلا لصورتها وصوتها الحقيقييَن  أمام أعيين العالم دولا وجهات ومنظمات ؟.وهل استطاع  هذا الإعلام الجنوبي ان يتوئم نفسه مع العمل السياسي  في مضمار الساحة السياسية المحلية والدولية  خدمة لهذه القضية؟ .

الإجابة على مثل هكذا تساؤلات يمكن ان تكون : أن الإعلام الجنوبي قد قدم مظلمة القضية الجنوبية إلى آذن العالم ومسامع الدول في شرق الأرض ومغربها  برغم شح الإمكانيات وفي ظل ظروف استبداد قمعي وبطش استعماري داخلي لا مثيل له من العنجهية والتسلط طيلة عقدين من الزمن  رافق هذا البطش تخاذل قوى وأحزاب سياسية  داخلية محسوبة على الجنوب هوىٍ وهوية, وتواطىء وصمت دولي وإقليمي مؤسف مع جرائم وتعسف سلطة حكم 7يوليو 94م ,ولكن هذا الجهد الإعلامي الجنوبي بالمقابل قد شابه ولا يزال تشوهات وقصور كبير في طرق وأساليب شرح ماهية وجذور للقضية الجنوبية وأسباب تطورها والمعالجات الممكنة لها من وجهة نظر جنوبية لأسباب يطول شرحها, يطغى العمل الفردي الإعلامي  المشتت على العمل الجماعي  المحترف ,وغياب العمل المؤسسي الناتج عن غياب العمل المؤسسي لمكونات فصائل الثورة الجنوبية على رأس هذه التشوهات والسلبيات والمآخذ.

الأمر المهم الآخر الذي يجب ان نتذكره ونحن نخوض بمثل هذا الموضوع أن القضية السياسية- أي قضية سياسية كانت- لا يمكن لها ان تحلّق في سماء النجاح وعلياء النصر إلا بجناحَي  السياسي و الإعلامي .

فليس من المعقول ان يقوم الإعلامي  بدور السياسي ,والسياسي بدور الإعلامي, فلكل منهما اختصاصه, ومتلازمان بعضهما بعض وأي تخلف لأحدهما عن الآخر سيكون فشلاً لكليهما وفشلا بالمحصلة  النهائية للقضية التي يمثلانها.فهناك أمور غاية بالأهمية لا يمكن للإعلامي الاضطلاع بها كونها من صميم السياسي والعكس صحيح أيضا.

فلو نظرنا إلى المسارين الإعلامي والسياسي الجنوبيين لوجدنا ان المسار الإعلامي قد تخطى السياسي وتجاوزه إلى بعد الحدود في ظل  انكفاء القيادات السياسية الجنوبية على نفسها  وظلت حتى الساعة يتملّـكها الخوف تارة, والقنوط تارة أخرى, والسعي وراء المصالح المادية الشخصية ,خصوصاً تلك الموجودة بالخارج . و أن شاب هذا الجهد الجنوبي الإعلامي بعض السلبيات مثل الخذلان الذي ظهر عليه بعضهم  منذ بداية عاصفة الحزم العام الماضي, حين وظّف بعض هؤلاء القضية الجنوبية إعلاميا وسياسيا وحتى إنسانيا لمصلحة العاصفة ودول التحالف العربي ولمصلحة ما يسمى بالشرعية اليمنية التي اتخذت من قضية الجنوب وسيلة ضغط وابتزاز لخصمها السياسي والعسكري, وحصان طروادة تنـفِـذ من خلاله إلى القصر الجمهوري بشارع الستين. فبدلاً من  ينتهز هؤلاء الإعلاميين هذه الفرصة التاريخية النادرة خدمة ونصرة للقضية الجنوبية في هذا الوقت الذي شخَصتْ فيه جنوباً كل أبصار القنوات الفضائية , وعيون المحللين والمهتمين العرب بالشأن اليمني وبالحرب الدائرة حتى اليوم بهذا البلد , وبدلا من ان تستفد القضية الجنوبية إعلاميا وسياسيا من إعلام والمواقف السياسية لدول الحزم  بما تمتلكه هذه الدول من طاقات إعلامية  وثقل سياسي كبير ناهيك عن إمكانياتها المادية والعسكرية الضخمة , فأن شيئا من هذا  لم يحصل, أو على الأقل لم يحصل كما كان مرجواً له ولو بحدوده الدنيا. بل أن من المفارقة الصادمة أن الجنوب على قلة إمكانياته الصعبة وحالته المنهكة وبما يحيق به من مؤامرات ودسائس كان وما زال مسخّرا لخدمة شركاء هذه الحرب من عرب وعجم وشرعيي فنادق الرياض . فقد غاب تأثير هؤلاء الإعلاميين كما غاب دور ساسة الجنوب بالخارج على الوسائل الإعلامية العربية,ظهر ذلك جليا بتجاهل كل القنوات التي من المفترض أنها شريكة مع الجنوب بحرب مستمرة منذ أكثر من عام نقل فعالية واحدة من مليونيات الثورة الجنوبية التي أقيمت منذ دحر الاحتلال الشمالي من عدن قبل أشهر.كما تتحاشى هذه وسائل الاعلام الخليجية كلما يشير الى الهدف التحرري الجنوبي, بل تتجاهل كلما يتحدث عن جهود  تطبع الأوضاع بالجنوب وبالذات بالجانب الأمني بصورة يكاد هذا الموقف يتماهى تماما مع وسائل الإعلام اليمنية المسماة بالشرعية التي تناصب الجنوب الخصومة كإعلام حزب الإصلاح مثلا.

  و على ما تقدم وبرغم كل المعوقات والمطبات والتي نصبت وتنصب للجنوب في كل ركن وزاوية  بالداخل والخارج, نستطع القول بأن القضية الجنوبية قد بلغت مسامع العالم بكل وضوح وأضحت الصورة ناصعة بكل أبعادها للعالم, .ولكن في الأول والأخير يجب ان نتذكر ان العالم بكل دوله محكوماً بمصالح  ومنافع متبادلة بين الجميع شعوبا وأنظمة, ولن يتجاوب هذا العالم مع القضية الجنوبية إلا بجهد سياسي مضاعف يستفيد من الجهد الإعلامي الجنوبي المبذول بهذا الصدد حتى يكتمل وجهَيّ عملة  نجاح هذه القضية السياسي والإعلامي.

    فمن يعتقد إن هذا الإعراض والتجاهل الإعلامي للقضية الجنوبية كقضية سياسية نابعاً من عدم معرفة هذه الدول بعدالة هذه القضية أو بسبب قصور فهم هذه الدول ونخبها لطبيعة وجوهر وأسباب نشوء هذه القضية أو كُـرها بشعب الجنوب وتمسكا بوحدة يتفق الجميع على حقيقة موتها, أو ناتجا عن قصور بدور الجبهة الإعلامية الجنوبية, فهذا الاعتقاد لا أرضية ولا أساس له من المنطق والصحة, فالدول المجاورة الخليجية ونخبها تعرف عن قضية الجنوب أكثر مما تعرفه معظم النخب الجنوبية نفسها, بل إنها (أي النخب والأنظمة الخليجية) مواكبة لمسيرة هذه القضية منذ عام الغزو عام 1994م وما قبله وبعده, وبالتالي فالقول ان ثمة غموضا سياسيا وتقصيرا إعلاميا جنوبيا لهذه القضية  لدى الخارج هو قول غير دقيق بالمرة وتشخيص خاطئ لمكامن الإخفاق الجنوبي, فأن كان ثمة إخفاق وفشل جنوبي واضح فهو فشلا سياسيا بامتياز, ناتجا عن هذا الموات وهذا السكون المخزي الذي يتملّك هذه الرموز الجنوبية, التي تبدو (وكأن على رؤوسها الطير) جرّاء  الصمت الذي يرون عليها, فهذه القيادات أضحت للأسف هي (كعب أخيل) الجنوب, وأضعف حلقة من حلقاته المتصلة ومكمن  ضعفه الخطيرة , وحين نقول (الخطيرة ) فلأن السياسي حين يتخلف عن دوره بقضية جوهرها الأساسي سياسيا فهنا تكون الخطورة على مستقبل هكذا قضية بعد أن يخذلها من هو معقودة عليه الآمال بنصرتها وإيصالها إلى مرسى النجاة و جادة الآمان. فللجنوب قضية عادلة قدم أصحابها كل وثائق عدالتها وأدلة جرائم غرمائها إلى محكمة التاريخ ونيابة العالم, ولم يبق إلا دور المحامي الماهر الذي يكون بوسعه الترافع وانتزاع حقها, وهو في هذه الحالة ساسة الجنوب وقياداته المخلصة.

     فالنخب الخليجية والعربية والدولية هي محكومة بمصالح دولها كما أسلفنا وليست محكومة  بقناعة عدالة أو عدم عدالة هذه القضية أو تلك , فالعنوان الأبرز والعريض الذي تتحرك تحته هذه الدول  ومعها وسائل إعلامها المختلفة هي ((المصالح )), والمصالح فقط. وعلى ذالك فالأحرى بالساسة الجنوبيين ومعهم كل  القوى  الوطنية والثورية الجنوبية  البحث عن القواسم المشتركة التي تجمع مصالح الجنوب المستقبلية اقتصادية وسياسية وأمنية مع دول المحيط والعالم والتخاطب مع هذه الدول من هذه النافذة, وتبديد الهواجس الأمنية  لهذه الدول  فضلا عن طمس الرهاب والفزع الذي  كان وما زال يعتري  بعض هذه الدول من تجربة الجنوب السياسية التي أقيمت غداة استقلال عام 1967م , والتي ألقت تلك التجربة اليسارية وما تزال بظلالها على المحيط وعلى العلاقة بين الجنوب ومحيطه الإقليمي. وينبغي على القيادة الجنوبية  الاستفادة من متغيرات الأوضاع بالمنطقة وحالة التجاذبات بالمنطقة والاستفادة منها لصالح قضية الجنوب, والتخاطب مباشرة من شركات الاستثمار العالمية النفطية وغير النفطية وبث رسالة ايجابية بمستقبل الشراكة معها مستقبلا بأرض دولة الجنوب المنتظرة مستقبلا.

 

الخلاصة  والحلول الممكنة: ان القضية الجنوبية إعلامياً تتعرض لعملية تجاهل متعمد من قبل كثير من الإعلام العربي والعالمي ليس لأن هذا الإعلام يناصب قضية الجنوب العداء , بل لأنها محكومة " بالمصالح كما ذكرنا آنفاً  وعلى ذلك تقع مهمة مضاعفة على الإعلامي والسياسي الجنوبي لفتح ثغرة بهذا الجدار الدولي السميك والنفاذ منه الى مملكة هذا العالم المتشابك المنافع والمصالح. وذلك من خلال توحيد الجهد الإعلامي الجنوبي الذي  ما زال يتم  بشكل  جهد فردي وبطرق مشتتة, وذلك بتشكيل مركز إعلامي جنوبي شامل تنضوي تحته كل المراكز والبحوث والجهود الإعلامية المختلفة ليكون بمثابة وزارة إعلام جنوبية بالظل و أعادة تأهيل الكادر الإعلامي الجنوبي وبث الروح من جديد بتلفزيون وإذاعة عدن وكوادر المؤسسات الإعلامية الجنوبية الأخرى كوكالة أنباء عدن ومؤسسة صحيفة 14أكتوبر وغيرها , لتصب جميع هذه الجهود ببوتقة واحدة يكون له انعكاس وصدىٍ على  مستقبل القضية الجنوبية والاستفادة من العالم ومواقفه ودعمه المختلف وبالذات الدعم السياسي,. هذا إضافة إلى أهمية تفعيل دور نقابات الصحافة والإعلام الجنوبي وضرورة مد علاقات له إلى خارج أسوار الوطن في العالم الإعلامي الافتراضي . وهنا نطلق دعوة للرأسمال الجنوبي للقيام بواجبه الوطني والأخلاقي تجاه شعب الجنوب  وهو أي الشعب يخوض غمار حربه التحررية على الجبهة الإعلامية الدولية المستعرة بالعالم والمنطقة وهو مكشوف الظهور أمام الخصوم ومكائدهم.

    فلن يكن للجنوب  أي شأن  مستقبلا على الخارطة السياسية المحلية والعربية والدولية إن لم يستطع اختراق شبكة الإعلام العالمية  التي لها اليوم مفعول السحر بصناعة الأحداث, وتستطيع  بكل خفة إبدال الحق بالباطل ,والباطل بالحق  غاب صاحب الحق عن حقه وخفتَ صوته وخبأ وهجه.  فمن المعيب ان نرى قنوات فضائية متخصصة بعالم البحار وأدوات التجميل و قنوات السيارات وقنوات( للإبل والطبخ) ولا يمتلك شعب كشعب الجنوب الذي عرف وسائل الإعلام منذ مطلع القرن العشرين في وقت كانت إمبراطوريات الإعلام العربية وبعض العالمية ما تزال في عالم العدم لا يمتلك هذا الشعب قناة فضائية واحدة , ولا إذاعة راديو أو إذاعة إف إم ولا مطبعة لطباعة الصحف الورقية. فلو كان الجانب المالي هو العائق لهان الأمر لكن الأمر لا يتعلق بهذا الشأن بل هي حالة اللامبالاة واللاشعور بحاجة الشعب والوطن بوسيلة عصرية كالإعلام.نأمل ان يدرك الجميع ومن هذا المكان أهمية دور الإعلام والنهوض به كنهوض بالقضية الجنوبية برمتها.

     فمثلما كانت المصالح هي السبب في هذا التجاهل, فهذه المصالح هي ذاتها ممكن تكون سبباً في الاهتمام الإعلامي الخارجي بالقضية الجنوبية حين تلتقي المصالح ببعضها بعض, ويطمئن الكل من الكل. ولكن هذا الالتقاء لابد له من أسباب لنجاحه ووسائل ترجمته إلى واقع عملي, وهنا يكون دور السياسي الجنوبي ومن خلفه الإعلام أفراداً ومكونات.