ملف اليوم الثامن

وثائق: كيف حول نظام صنعاء عدن إلى قرية؟

المخلوع صالح يتوسط محافظي عدن السابقين وحيد رشيد واحمد الكحلاني

فريق الابحاث والدراسات
فريق البحوث والدراسات في مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات

(اليوم الثامن) تنشر تحقيقا يكشف مخططات صنعاء لتدمير عدن وكيف أصر (صالح) على تحويل عاصمة الجنوب إلى قرية..وثائق تكشف حقد صنعاء على عدن !هل نجح نظام صنعاء في القضاء على العاصمة التاريخية والمدينة التجارية الأولى في الجزيرة العربية؟مهندسون: الطرقات نفذت بطريقة عشوائيةجميع الطرق في العاصمة عدن مدمرة وانتهت قبل عمرها الافتراضي

 عدن عاصمة الجنوب العربي, مارس بحقها اليمنيون الشماليون أبشع أنواع التدمير والطمس لهويتها, وفي حين أن عراقة عدن معروفة عبر التاريخ، لجأ يمنيون إلى التدوين على موقع الموسوعة الحرة بأن "عدن هي جزء من محافظة شمالية صغيرة", وهذا ليس تزويرا بقدر ما هي مساع للانتقاص من عدن وعراقتها التاريخية.

يحاول هذا التحقيق أن يستعرض، كيف دمر اليمنيون الشماليون وبشكل ممنهج الجنوب العربي، وعدن العاصمة تحديداً.  

لم تكن عملية تدمير عدن وليدة حرب العدوان اليمني الأولى في منتصف تسعينات القرن الماضي, بل هي ممارسات سبقت هذا التاريخ بسنوات, لكن السنوات التي تلت الاحتلال اليمني كان التدمير فيها بشكل ممنهج ومدروس, فعقب انقلاب نظام العربية اليمنية على مشروع الوحدة السلمي وتصفية الكوادر الجنوبية وصولا إلى اجتياح الجنوب إثر فتوى التكفير الشهيرة, ظهر الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح منتشياً بالانتصار المزعوم، وتعهد بأنه سيحول (أقدم عاصمة) في الجزيرة العربية إلى "قرية"!!.

 

رحيل الاحتلال كان حتمياَ

 وبحسب مسئولين جنوبيين عملوا مع نظام الاحتلال, فقد أكدوا أن المخلوع صالح كان يدرك بأن احتلاله للجنوب لن يدوم طويلاً، وأنه راحل لا محالة, فعمد إلى نهب المصانع وتشريد العمال والموظفين، وتوزيع تلك المصانع لقوى النفوذ الشمالية (الإخوان والمؤتمر).

 

الطرقات.. من أبرز مشاريع البنية التحتية التي عمل نظام صنعاء على تدميرها

 من كان المسئول عن تنفيذها؟ لماذا مُنع المهندسون الجنوبيون من الإشراف على مشاريع الطرقات؟

يقول مسئولون محليون في عدن "إن نظام صنعاء والمحافظين المتعاقبين على عدن منذ دخول القوات المحتلة بلادنا عمدوا إلى تدمير البنية التحتية وصرف أراض لقوى النفوذ، ما مكنها من بناء منازل ومشاريع استثمارية بطرق عشوائية ودون تخطيط هندسي أو معماري.

 ويؤكد هؤلاء أن المهندسين الجنوبيين مُنعوا من الإشراف على الطرقات والمشاريع المنفذة.

وكشف أحدهم أن مهندسا شماليا دأب على الإشراف على جميع المشاريع دون أن يتركوا فرصة للمهندسين الجنوبيين.

 

(الكحلاني) صهر المخلوع.. تدمير عدن الأكبر كان على يديه

 أحد المسئولين قال "إن أموالا طائلة نهبها أحمد محمد الكحلاني، (حاكم عدن الأسبق) وهو صهر الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح, تحت لافتة تنفيذ مشاريع صيانة الطرقات, لكن هذه الطرقات التي رفضت حكومة صنعاء أن يشرف عليها مهندسون جنوبيون, نفذت دون معايير فنية سليمة، ما تسبب في تدميرها خلال فترة لا تتجاوز ستة أشهر, في حين كان من المفترض أن تقضي عمرها الافتراضي، أكثر من عشرة أعوام.

 والسبب في ذلك، يقول مهندسون، إن عملية الصيانة والسفلتة تمت بطريقة مستعجلة، ولم يتم مراعاة طبيعة التربة في عدن.

وباتت شوارع مدينة عدن، العاصمة التاريخية والأولى في شبه الجزيرة العربية، وكأنها قرية.

يؤكد نبيل مكي رئيس معهد الامتياز التقني أن "الطرقات في عدن نفذت بطريقة عشوائية، وهو ما تسبب في دمارها قبل انقضاء عمرها الافتراضي بسنوات".

 وأوضح في حديث لـ(اليوم الثامن) أن "نظام المخلوع صالح، دأب على إسناد مهمة سفلتة الطرقات إلى مقاولين شماليين، الأمر الذي جعل هذه الطرقات تنتهي قبل عمرها الافتراضي".

وأكد أن "جميع الشوارع والطرق الفرعية في عدن مدمرة، حتى تلك التي تم صيانتها قبيل بطولة خليجي 20"، متهما المخلوع صالح بأنه قد نفذ تهديده بتحويل عدن العاصمة الجنوبية إلى "قرية".

 

المشروع الوحيد لـ(وحيد) فاشل !

ظل حاكم عدن الإخواني، وحيد رشيد، منذ تعيينه حاكما للمدينة التي كانت عاصمة الجنوب حتى الحادي والعشرين من مايو 90م, يتحدث عن تنفيذ مشاريع لم يعرف أهالي عدن عنها أي شيء، غير ما تبثه أو تنشره وسائل الإعلام اليمنية والرسمية في اليمن, وليس لها وجود عن أرض الواقع, عدا مشروع وحيد بدأ العمل به، ولكن ببطء شديد, وهو مشروع التوسعة في خط الجسر البحري، بكلفة 34 مليون دولار أمريكي.

 غير ذلك لا مشاريع، غير تحول السيد وحيد رشيد، منذ تعيينه في يوم الخميس الأول من مارس 2012م، من حاكم للمدينة إلى رجل سياسي مدافع عن حزب سياسي (متطرف), لكونه أحد أعضائه في الجنوب, (حزب الإخوان المسلمين في اليمن), ظل الـ(رشيد الوحيد) رجلا سياسيا مدافعا عن الحزب ومهاجما للحركة الوطنية الجنوبية المنادية بالاستقلال واستعادة الدولة الجنوبية, متغافلا عن القيام بواجبه كسلطة محلية يفترض بها أن تسخر جهودها لخدمة المدينة التي كانت قبل عقدين مدينة جميلة تضاهي مدن وعواصم عربية, قبل أن يطالها التدمير الممنهج عقب اجتياح الجنوب الشهير، بعد أقل من أربعة أعوام على توقيع اتفاقية الوحدة اليمنية التي انتهت بالحرب على الجنوب في أبريل 1994م.

 مشروع التوسعة لم يستكمل وتوقفت عملية الردم في منتصف الطريق وطمرته مياه البحر أثناء الردم, ونفذته شركة السحولي, وهي شركة شمالية، ذهبت ولم تعد لاستكمال المشروع بحجة الحرب.

تعاقب محافظون على عدن وكلهم ساهموا بشكل أو بآخر في تدمير العاصمة, والمحافظ الإخواني وحيد رشيد حاول خداع أبناء عدن بمشروع التوسعة للجسر البحري (وهو مشروع لم ينفذ), وتم تصميمه بطريقة مخالفة لكل المعايير الفنية.

 

المشروع قد ينهار ويسبب كوارث

 حذر مسئولون من مغبة تواصل العمل في هذا المشروع، وأكدوا أن الرمال التي تم سكبها بطريقة عشوائية في مياه البحر قد تسبب في المستقبل القريب كوارث بيئية واقتصادية للبلد, فهي لا تكتفي بردم محمية البجع فحسب، بل قد تتسبب في طفح مياه البحر نحو أحياء المنصورة وريمي.

 

في صنعاء.. جسور معلقة

 يلاحظ الكثير من المهتمين أن صنعاء استطاعت في فترة وجيزة بناء جسور معلقة, من ثروات الجنوب، في حين لا يوجد أي جسر أو توسعة للطرقات في عدن، رغم الازدحام الشديد وتزايد الحوادث المرورية, الذي تعاني منه العاصمة الجنوبية.

 وهذا كما يقول مسئولون يندرج ضمن سياسية التدمير التي انتهجتها صنعاء في حربها التدميرية لكل الجنوب.

أحد المسئولين الذين عملوا مع نظام المخلوع صالح قال لـ(اليوم الثامن) "إن سياسة التدمير الممنهجة التي مارسها صالح بحق عدن كان الهدف منها إفراغ عدن من محتواها كعاصمة وتدمير مقوماتها خشية استقلال الجنوب, وانه لجأ إلى سياسة التدمير الممنهج وتوزيع الأراضي بطريقة عشوائية لضباط جيشه لتحويل عدن العاصمة إلى مدينة عشوائية يصعب العيش فيها, وهو مخطط لإفشال أي حكومة قادمة قد تفكر في إعادة تخطيط المدينة على أساس حضري".

 

تدمير مقومات العاصمة

عرفت عدن قبل الاتحاد (الهش) مع اليمن الشمالي بأنها الأقدم في شبه الجزيرة العربية المبنية على أسس تخطيط حضري, وهو التخطيط الذي يساعد الحكومة في إدارة المدينة أمنياً, فالأمن في أي بلد لا يستطيع أن يعمل أو يدير مدينة إلا وفق تخطيط حضري.

 

جولة كالتكس

 جولة كالتكس واحدة من أبرز الجولات التي تشهد ازدحاما شديداً، فهي تقع في وجه بوابة ميناء عدن وعلى مقربة منها ترسو الشاحنات الكبيرة, وهو ما يتسبب في إعاقة الحركة بها، ويقول مالكو مركبات إنهم يقضون ساعات لتجاوز جولة كالتكس.

يقول أحد مهندسي الطرقات في الجنوب إن نظام الاحتلال عمد إلى تضييق الخناق على كالتكس، بحيث سمح للمنطقة الحرة بالتوسع، وصرف أراضي لنافذين بنوا عليها مشاريع تجارية.

 وبشأن إمكانية بناء جسر معلق في جولة كالتكس، أكد المهندس نبيل مكي أن "في ذلك صعوبة كبيرة, ولكن الدولة إذا كانت جادة في ذلك عليها أولا إزالة كل البنايات التي تحيط بالجولة، ومن ثم الشروع في بناء جسر معلق".

 

مشروع تأهيل منطقة الدرين الصناعية

 هو واحد من مشاريع الفساد والنهب التي استخدمها الاحتلال اليمني لسحب قروض مالية بحجة تنفيذ مشاريع في عدن, لكن في الحقيقة أغلب تلك الأموال ذهبت لمشاريع في شمال اليمن.

وثائق ضخمة حصل عليها معد التحقيق تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن اليمن الشمالي كان يسعى خلال سنوات احتلاله للجنوب إلى تدمير العاصمة الجنوبية, وتحويلها لقرية.

 ومن تلك الوثائق (وثيقة الفحص والمراجعة لمشروع إعادة تأهيل منطقة الدرين الصناعية), وهي وثيقة صادرة عن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة في عدن.

تقول الوثيقة: "استناداً إلى أحكام المادة رقم (7) من قانون الجهاز والتي تخولنا إجراء أعمال الفحص والمراجعة والتفتيش والتثبت من أن التصرفات المالية قد تمت بطريقة نظامية ووفقا للقوانين واللوائح والنظم المالية والمحاسبية المقررة في ضوء ذلك، فقد أسفرت أعمال الفحص والمراجعة وفقاً لمنهجية الجهاز ومعايير المراجعة المتعارف عليها عن وجود (أضرار جسيمة) لسوء تنفيذ المشروع، بلغت مليونين وخمسة وخمسين ألفا وستمائة وخمسة وأربعين دولارا أمريكيا وواحدا وتسعون سنتاً".

 وتم استعراض المخالفات والتجاوزات في سياق التحقيق مدعمة بصور رقمية لنشاط المشروع تغني المخالفات المرفوعة من قبل الجهاز.

وكشف مسئولون- فضلوا عدم ذكر أسمائهم- عن وجود فساد في قروض ضخمة تم سحبها من منح دولية لتنفيذ مشاريع في البنية التحتية بعدن، وهو ما يعني أن هذه القروض سيتم تسديدها من قوت الأجيال الجنوبية القادمة.

فالمشاريع التي دأبت صنعاء على تنفيذها في عدن هي مشاريع الهدف منها نهب الأموال, في حين أن المشاريع المنفذة لم يتم صرف كل تلك الأموال التي رصدت لتنفيذها.

وبحسب الوثائق التي بحوزتنا فإن أغلب تلك المشاريع تقوم بتنفيذها الأشغال العسكرية (فرع تعز) وهنا توضع علامة استفهام كبيرة: لماذا فرع تعز وليس فرع عدن؟!.

 

العشوائية لا تخدم الأمن

الإجابة ربما تؤكد أن ما حصل كان ممنهجا، الهدف منه وضع مشاريع صورية تنتهي بعد تنفيذها بأشهر وليس عقب عمرها الافتراضي، فيما المشاريع الحقيقية في مدن الشمال اليمني.

رفض كثير من المسئولين الذين التقى بهم معد التحقيق الحديث عن السبب الحقيقي لذلك، لكن أحدهم قال "إن نظام صنعاء لم يتعامل مع الجنوبيين ولا مع مؤسسة الأشغال في عدن منذ حرب صيف 1994م".

تزايد البناء العشوائي والبسط على الأرضي كلها- كما يقول مهندسون- خطط لتشويه المظهر العمراني لعدن, وهو ما يعني أن الدولة القادمة ستحتاج إلى أموال طائلة لكي تعيد تأسيس بنية تحتية للعاصمة.

يقول خبراء أمنيون لـ(اليوم الثامن) "إن الإجراءات الأمنية لن تنجح في ظل التوسع بشكل عشوائي في عدن، وإنه يجب قبل أي خطة أمنية تقسيم المدينة إلى مربعات بشكل مدروس، يتم عقب ذلك رسم خطة أمنية".