عميد احتياطي بجيش الاحتلال

ميري رغيف وزيرة ثقافة إسرائيل التي أغضبت العرب قليلا

صورة الدولة الجديدة قائدة عسكرية ترتدي الأزياء اللافتة

أحمد فؤاد أنور (لندن)

من الأساليب والتقنيات الأساسية التي تستخدمها إسرائيل منذ سنوات لجوئها إلى مساحيق لتجميل وجهها كدولة احتلال ورفض للشرعية الدولية، ولعل هذا ما أكسب شخصيات مثل ميري رغيف مكانة وأهمية مضاعفة فكما قدمت إسرائيل للعالم رحبعام زئيف باعتباره “وزيرا للسياحة اغتاله فلسطينيون في فندق”، متجاهلة تاريخه كزعيم لحزب موليديت الداعي للترحيل الجماعي للفلسطينيين، تقدم إسرائيل للعالم رغيف كامرأة عصرية مدنية ترعى الرياضة والثقافة، وتخفي وجهها الحقيقي كعميد احتياطي بجيش الاحتلال، بل وناطق باسمه لنحو عشر سنوات، ومسؤولة أولى عن “الرقابة العسكرية” على الإعلام.

مثلما كان المشاة في الحروب قبل 1973 يسيرون خلف الدبابات، ثم انقلب الحال بعد نصر أكتوبر، وباتت الدبابات تفرّ من مشاة يحملون صواريخ على أكتافهم، بات باعة الوهم ومحترفو الأكاذيب والمروّجون لها ببزّات وأربطة عنق وبالطبع فساتين أنيقة يتقدمون على الدبابات، وللمرأة الإسرائيلية في هذا الإطار دور رئيسي، فهي أكثر قدرة على التّسويق الداخلي وبيع الأوهام لغير المتابعين ممّن يسهل اصطيادهم وإيقاعهم في الفخ.

يمكن فهم توظيف رغيف نفسها كبديل عصري لجولدا مائير يخدم إسرائيل من منابر دعائية، وكبديل أيضا لسارة نتنياهو التي رغم عملها السابق كمضيفة ورغم سابق ارتدائها لباس بحر ساخن أمام الكاميرات وهي في السابعة والعشرين من عمرها، إلا أن طبيعة تكوينها البدني وملامح وجهها وإثارتها لكثير من المشاكل مع كل من حولها أفقدها إمكانية التأثير الإيجابي في المتلقي.

رغيف ليست وحيدة وإن كانت الأبرز والأكثر تعاطيا مع الإعلام والكاميرات، ففي داخل الليكود سيدة أخرى هي تسيبي حوطوفلي (محامية ومذيعة) اختارها بنيامين نتنياهو لمركز متقدم في قائمة الليكود للكنيست وبالفعل أصبحت أصغر عضو في الكنيست (عمرها 38 سنة حاليا) ثم اختارها كنائبة وزير الخارجية، وهي الحقيبة الوزارية التي يحتفظ نتنياهو لنفسه بها بجانب منصبه كرئيس وزراء، وفي حزب العمل، وخير نموذج لتوظيف العمل العسكري والاستخباراتي الذي يفتح الأبواب للمرأة للعمل العام هو قيادية حزب كاديما السابقة وحزب “هتنوعاه” حاليا تسيبي ليفني والتي كانت توصف بحسناء الموساد، وهي أكبر سنا من رغيف بعشر سنوات (رغيف 50 وليفني 60 سنة).

في المقابل يقدم حزب العمل شلي يحموفيتس، وهي صحافية ومذيعة (58 عاما)، خدمت كضابطة في الجيش الإسرائيلي وساهمت في مشروع الطائرة هلافي (شبل الأسد) وهي طائرة قتالية بمحرك واحد تم تجميد إنتاجها بعد تجميد مشروع المقاتلة هأرييه (الأسد) ذات المحركين.

إزالة صور الوزيرة

الطريف أن شريحة كبيرة من اليهود المتديّنين ترفض هذا التوجه “النسوي” وهذا الدور المتنامي للوزيرة رغيف أو غيرها من سيدات السياسة الإسرائيلية، وهو الرفض الذي وصل إلى حدّ إزالة صور الوزيرات من الصور الجماعية للحكومة عند نشرها في صحف مواقع للمتدنيين.

من هذه الخلفية المعقدة انطلقت عضوة الكنيست ووزيرة الثقافة والرياضة رغيف تقدم للإعلام دوما مادة مثيرة للجدل كان أحدثها حين أثارت مشاعر العرب والفلسطينيين بإرتدائها في مهرجان كان فستانا وضعت في أسفله صورة الحرم القدسي، خاصة وأنها قبل أسابيع قادت عددا من المشجعين في قلب تركيا على هامش مباراة في كرة السلة وظّفتها كذلك، انطلاقا من وسائل التواصل الاجتماعي وعبر الإعلام المكتوب والمرئي، في بث دعاية لحكومة نتنياهو.

علاقة الوزيرة والضابطة ذات الرتبة المتقدمة بالإعلام لا تقتصر على المعلن فقط بوصفها المتحدّث العسكري الأول، بعد أن كانت نائب المتحدث لسنوات، بل تمتد للخفيّ أيضا باعتبارها شغلت في نفس الفترة الزمنية وحتى عام 2008 منصب الرقيب العسكري، وهو المنصب الذي يجهل غير المتابعين عن كثب وجوده من الأساس في دولة تزعم أنها “واحة الديمقراطية في المنطقة”.

معارك الوزيرة ترتبط كثيرا بالجماهير ومحاولة قيادتها نحو مزيد من التطرف مستغلة في ذلك الإعلام ومواقع التواصل والتي طالبت من خلالها بإلغاء حفلات تامر نفار، وهو مغني راب من فلسطينيي الـ48.

من خلال تتبع توجهات تلك السيدة وكيفية إدارتها لاحتفالات مرور 60 عاما على تأسيس دولة إسرائيل يمكن استنباط توجهات المؤسسة التي انطلقت منها كالسهم إلى الساحة السياسية عبر بوابة حزب الليكود اليميني المتشدد.

معارك رغيف

معارك الوزيرة ترتبط كثيرا بالجماهير ومحاولة قيادتها نحو مزيد من التطرّف مستغلّة في ذلك الإعلام الذي تتمتّع فيه بشبكة علاقات قديمة بحكم وظيفتها السابقة كرقيب، ومواقع التّواصل والتي طالبت من خلالها بإلغاء حفلات تامر نفار، وهو مغنّي راب من فلسطينيي الـ48. وحين رفضت إدارة المهرجان، خاصة وأنه يحمل الجنسية الإسرائيلية وأن حيفا مدينة مشتركة يعيش فيها يهودٌ وفلسطينيو الـ48 كتبت على صفحتها الشخصية عبارات تحريضية لإفساد الحفل.

وقالت “يقلقني أن مهرجانا مثل مهرجان حيفا للأفلام، الذي أصبح رمزا للجودة وتقارب الشعوب والدول، اختار إعطاء منصة لفنان مثل تامر نفار الذي يستغل كل فرصة وكل منصة ممكنة للخروج ضد فكرة دولة إسرائيل ووجودها كدولة يهودية.. إن المال العام لا يجب أن يستخدم لدعم نشطاء يسعون إلى هدم إسرائيل وقيمها ورموزها تحت ستار الفن وحرية التعبير”.

وبالفعل احتشد متظاهرون ومثيرو الشغب أمام مكان انتظام المهرجان الذي أصر تامر أن يغني فيه أغنية شارك بها في أحد الأفلام.

وهنا نلاحظ أن الرقيب لا يزال مسيطرا على عقل وسلوك ميري رغيف رغم تركها للمنصب منذ عام 2008 فهي ترى في الأغنية خطرا داهما يجب منعه بكل السبل حتى وإن كانت تتنافي مع الديمقراطية أو القانون.

واللافت للانتباه أنه في مقابل تصعيد ميري رغيف تحاول إسرائيل تشويه المرأة الفلسطينية أو تغييبها كما حدث مع المفاوضة المحنكة حنان عشراوي، وعضو الكنيست حنين زغبي التي تم إبعادها من الكنيست كعقوبة وتهديدها صراحة من قبل متطرفين نعتوها بأنها “شيطان”.

تامر الذي حاول المتطرفون اليمينيون من معسكر رغيف إفساد حفلاته، صائحين “إرهابي” و”اذهب إلى غزة”، طلب من الوزيرة رغيف زيارة خرائب بيوت اللد حيث شهدت عام 1948 مذبحة، مع ملاحظة أن تامر حذف الأبيات التي تدعو للمقاومة وعدم الاستسلام من قصيدة محمود درويش “سجّل أنا عربي”، حيث غناها مع استبدال الأبيات بكلمات تدعو للتعايش السلمي بين اليهود والفلسطينيين.

كانت جولات المواجهة بين تامر ووزيرة الثقافة بدأت حين غني أمامها -في حفل توزيع جوائز سنوية- قصيدة درويش فصاحت وانسحبت وأكملت المعركة على الفيسبوك ممّا أفسد الحفل.

رغيف تحاول أن تظهر كبديل عصري لغولدا مائير يخدم إسرائيل من منابر دعائية، وبديلا لسارة نتنياهو التي ارتدت لباس بحر ساخن.

فحين حاولت الوزيرة أن تعود للمسرح لإلقاء كلمة وتوضيح أنها ترفض القسم الثاني فقط من القصيدة قابلها الجمهور باستهجان وحين أصرّت على استكمال كلمتها انسحب الجمهور، ورفضت الممثلة ربى بلال عصفور تسلم جائزتها من الوزيرة بل ورفضت الصعود للمسرح. وهو ما جعل ميري رغيف تتجاوز في حق الجمهور أيضا ووصفتهم بأنهم خاسرون مؤيدون لليسار المتعالي.

عنصرية رياضية

الوزيرة سبق لها أن أوقفت المذيع والناقد السينمائي ذا التاريخ الطويل جيدي أورشير عن العمل العام الماضي لانتقاده حزب شاس الديني الشرقي (عضو الائتلاف الحكومي)، وكان يقدم برنامجا على إذاعة الجيش الإسرائيلي.

هنا نلاحظ أن صلتها بالجيش لا تزال كما هي بعد تسع سنوات من التقاعد، وربما باتت أقوى باعتبار أن الضباط المتقاعدين يحق لهم الانضمام لخدمة الاحتياط حتى بعد تجاوز سن الـ49 كما في حالة ميري رغيف، مع العلم بأن هناك من بلغ الـ87 من عمره ولا يزال يخدم في قوات بالجيش الإسرائيلي.

في فبراير الماضي قامت الوزيرة بما تمّ وصفه “عملية نهاريا” وسافرت لتشجيع فريق نهاريا لكرة السلة من مدرجات تركيا، وتحديدا الصالة المغطاة بمدينة غازي عنتاب القريبة للغاية من الحدود السورية ، وبالفعل خسر الفريق الإسرائيلي، لكنه صعد بفارق الأهداف على حساب الفريق التركي، وخرج من البطولة في الدور التالي على يد فريق ألماني، وفازت الوزيرة بتغطية إعلامية واسعة من الجانب الإسرائيلي عزز شعبيتها بين المتشددين.

في المقابل جرّ عليها منصبها كوزيرة مسؤولة أيضا عن الرياضة مشاكل، واتهمها عدد من الصحافيين بأنها عنصرية لأنها سخرت من لاعب كرة سلة بفريق مكابي تل أبيب لأنه يتحدث العبرية، وبررت رغيف تعليقها في وقت لاحق “بأنها توقعت أنه (لأنه أسمر البشرة) محترف مثل عدد كبير من اللاعبين في الدوري الإسرائيلي”.

حين اقترب حلم نقل السفارة الأميركية للقدس في الذكرى الخمسين لاحتلال القدس الشرقية وبما يتماشي مع وعد دونالد ترامب بأن لا يتبع نفس النهج الثابت منذ عام 1995، جاء الخذلان صادما لذا كان من الضروري أن يأتي الرد الإسرائيلي للاستهلاك المحلي ويحقق جلبة تغطي على تراجع ترامب وعلى قرارات اليونسكو المتكررة بشأن عروبة القدس، وأتى الرد عبر السجادة الحمراء لمهرجان كان حين استغلت ميري رغيف دعوتها -منذ نحو عشرة أيام- كوزيرة للثقافة وسارت أمام الكاميرات بفستان وضعت في أسفله صورة كبيرة للحرم القدسي.

فبعد أن رفض الرئيس ترامب مصاحبة ممثل للحكومة الإسرائيلية له خلال زيارته لحائط المبكي، الوزيرة تحدثت عن فستانها قائلة إنه يعبر عن “عاصمتنا الأبدية الموحدة” وكأنها تستبق أيّ مفاوضات قد يدعو لها ترامب قريبا، وتتجاهل حقائق التاريخ المتمثلة في أن مملكة إسرائيل انقسمت على نفسها بعد أقل من قرن واحدة كانت فيه إمارة دهستها الإمبراطوريات الكبرى في الشرق الأدنى القديم حين تقاتلت، وكأن الهدف هو التشويش على قرارات مجلس الأمن في ديسمبر الماضي بشأن الاستيطان، وقرارات اليونسكو وأحدثها الصادر مطلع مايو الماضي.

فستان الناطقة السابقة بلسان الجيش الإسرائيلي أثار غضب الجانب العربي، ولفت الأنظار حتى عن فيلم الافتتاح “أشباح إسماعيل”، وكان من بين الردود قيام عدد من النشطاء والمدونين بتحويل فستان ريجيف إلى فستان يحمل صورا لجدار الفصل العنصري أو لقصف إسرائيلي بربري على مناطق سكنية.

يذكر أن التخطيط الدؤوب والعمل على كل التفاصيل من أسباب نجاح الأكاذيب وصمودها ولو لفترة فمن يسعى للتشويش وخلط الأوراق من الجانب الإسرائيلي يبذل جهده هو وفريق عمل معاون من أجل تجميل الصورة، فبعد أن لاحظت الوزيرة أن فستانها عند مشاركتها العام الماضي في نفس المهرجان نال اهتمام وسائل الإعلام، رغم أن سارة نتنياهو سبق لها ارتداء فستان مماثل دون إشادة أو ضجة إعلامية، أعلنت أنها وافقت على اقتراح لمصمم الأزياء أفيعاد أريك الذي عمل وهو ومعاونوه لبضعة أشهر لتنفيذ ما طلبته الوزيرة متمثلا في إشارة واضحة للقدس للتذكرة بمرور خمسين عاما على حرب 67 وارتباط الإسرائيليين بالقدس، ورفض إعادة “تقسيمها” حسب قول الساسة المتطرفين في إسرائيل.