«الحجاب كأداة قهر»..

قصة اضطهاد المحجَّبات وغيرهنّ

فتاتان تمارسان لعة كرة الطائرة

هاجر هشام (القاهرة)

تتذكر الكاتبة «ميرنا الصوّاف» اللحظة التي خلعت فيها الحجاب منذ سنتين، اللحظة التي تقول أنها أدركت فيها عدم التزامها بالحجاب بسبب ديني، لكن بسبب اهتمام المجتمع بالمظاهر الدينية على حساب الجوهر.

تقول ميرنا لـموقع «ساسة بوست» أنها مازالت تُهاجم بسبب خلعها الحجاب، من محيطها في مدينتها بمحافظة الغربية، بمصر، أكثر من الهجوم عليها في منزلها: «أهلي حاولوا إقناعي بأن ألبس الحجاب خلال تواجدي في منطقتنا على الأقل، حتى أتجنَّبَ الهجوم الذي أتعرض له من محيطنا».

 

الفتاة ذات الثلاثة وعشرين ربيعًا المقيمة بالقاهرة، ترى أن أهلها ومجتمعها يهتمُّونَ بارتداء الحجاب لأمرٍ يتعلَّقُ بالمظهر لا لسببٍ دينيّ، تستنتج الصواف ذلك من تعليقات الآخرين على خلعها لحجاب بأنه سيقلل فرصها في الزواج، وسيصِمُها بأنها بلا أخلاق: «الموضوع صار فرضًا مجتمعيًا»، تقول الصوَّاف.

 

تؤيد وجهة نظر الصواف فريدة زغلول (اسم مستعار)، التي تربَّت في مجتمعٍ يُحيطُهُ التديُّن، مدرسةٌ إسلاميَّة وأبٌ متديِّن وأمٌّ منتقبة، لطالما أرادت الانتماء لهذا المجتمع واستحقاق أن تكون جزءًا منه، تقول فريدة لـ«ساسة بوست»: «ارتديت الحجاب من الصف الثالث الابتدائي مع لباسي العادي، والدي كان يريد مني التعوُّد عليه، لكنه فرضه علي مذ بلغت مع لباس واسع جدًا لا يناسب سني مطلقًا».

 

لم تكن تجد زغلول ما يناسبها في المحلات، ففتيات المدارس الإعدادية والثانوية لم يكنّ يلبسنَ لباسًا بالوسع الذي كانت ترتديه زغلول، ولم تكن المحلات توفِّرُ خطوطَ ملابس تناسبها، مما كان يضطرها إلى شراء أقمشة وتفصيله بموديلات لا تناسب سنها على الإطلاق، على حد قولها.

 

فريدة تريدُ الآن خلع الحجاب، لكن ضغط الأهل والمجتمع هو ما يعيقها: «ما كنت ألبسه كان تحت تأثير المجتمع الذي كان يحاوطني». تقول فريدة أن مجتمع الجامعة كان أساسًا في تغيّر نظرتها للحياة؛ لأنه جعلها أكثر تفتحًا على وجهات النظر الأخرى حول الدين غير تلك التي تربت عليها.

 

تختلف قصة فريدة عن قصَّة رنا عبد العظيم (اسم مستعار)، التي ارتدت الحجاب بعد صراعٍ مع انتقاداتٍ مجتمعيَّة لتصرفاتها، تقول عبد العظيم: «كانوا ينتقدونني بسبب ما أرتديه من لباس، تارة لأنه قصير وتارة لأنِّي فتاة وجسدي يثير الآخرين، قررت ارتداء الحجاب حتى أتخلص من هذه الانتقادات، لكن هذا لم يحدث!».

 

لم تسلم رنا من الانتقادات حتى بعد ارتدائها الحجاب: «أصبحت عاداتي وهواياتي غير متوافقة مع الحجاب، أهلي حرموني دروس العود وتوقفت عن لعب الكرة لأنها لا تناسب المحجبات!». تقول عبد العظيم أنها أصبحت ترى أن الانتقادات التي تحيطها، تحيطها لأنها امرأة لا لأنها محجَّبة أو غير محجبة. تنتظر عبدالعظيم اللحظة المواتية لتخلع الحجاب، وتتوقع رفضَا كبيرًا من أهلها، على حدِّ قولها، لكنها لم تعد تريدُ ارتداءه لأنها لم تعد تراه معيارًا للاحترام أو التديُّن.

 

الجدل الدائم حول «الحجاب»

 

 

 

 

ثارت القضيَّة قريبًا، حين اعتبر بعض الصحافيين المنتمين للتيَّار «العلماني» ارتداءالحجاب ليس نوعًا من الحرية الشخصيَّة، وإنَّما اعتبرهُ أمرًا مفروضًا على الفتياتِ دينيًّا، ولا يرتدينهُ عن قناعة. كان ذلك واحدًا من تبعات جدل بين المصريين حول الحجاب، بسبب الصورة التي جمعت لاعبة من الفريق المصري لكرة الطائرة الشاطئية مرتدية زيًا يغطيي كامل لبسها، في مقابل اللاعبة الألمانية التي ارتدت البكيني.

 

وكان هذا الجدل دائم الاحتدام قد ثار عدَّة مرات في مناسباتٍ مختلفة، منها في أبريل (نيسان) الماضي عندما دعى شريف الشوباشي، الكاتب في الأهرام إلى تظاهرة خلع الحجاب، معتبرًا إياه وسيلة لقمع المرأة وتقييدها، وهو قيدٌ وجب كسره، اقتداءً بما فعلته النسوية المصرية «هدى شعراوي» في عشرينيات القرن الماضي عندما أسفرت عن وجهها وتخلَّت عن البرقع الذي اعتادت المصريات في ذلك الوقت ارتداءه عند الخروج، كرفضٍ للقيود عن حياة المرأة آن ذاك.

 

تكرر الجدل مرة أخرى بعد أخبار متلاحقة وشكايات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك، مع بداية فصل الصيف، عن منع محجباتٍ من دخول بعض الشواطئ الخاصة، بسبب لباس البحر الخاص بهن.

 

يعتبر العديد من المنتمين للتيارات «العلمانية» في مصر والعالم العربي الحجاب مظهرًا من مظاهر التشدد الإسلامي، ويرفض بعضهم كونه من الفروض الإسلامية، معتبرين أنه قراءة للنص القرآني ليست بالضرورة قاطعة، ويتم فرضها من قبل السلطة الدينية، كميرفت التلاوي، رئيسة المجلس القومي لحقوق المرأة التي صرحت بأن الحجاب ليس فرضَا دينيًا في مايو (أيار) 2015.

 

ليس «العلمانيون» فقط..

 

وفي 2012، كتب على موقع الحوار المتمدن الشيخ الدكتور مصطفى راشد أستاذ الشريعة بالأزهر، مقالًا يشرح فيه رؤيته للنصوص التي يستخدمها العلماء المؤكدين لفرض الحجاب في مقال بعنوان «الحجاب ليس فريضة إسلامية».

 

 

 

 

لكنّ الطرح الأهم والذي يتوافق مع أسباب أغلب الرافضين للحجاب، والذي ينال الانتشار الأوسع في كل مرة يعاود هذا الجدل الاحتدام، أن الفتيات يرتدينه تحت ضغط المجتمع والأهل، أي أنه يستخدم باعتباره أداةً لقهر حرية الفتيات، وليس باختيارهن الشخصي.

 

ففي مقاله على موقع حركة مصر المدنية في أبريل (نيسان) الماضي، تعليقًا على دكتور شريف الشوباشي لمظاهرة لخلع الحجاب، يذكر مؤمن سلاّم أن لبس الحجاب في مصر لا علاقة له بالشكل الذي يصفه للدين للحجاب، كما أن أغلب المحجبات لم يعرضن الدلائل التي تفرضه على عقولهن أولًا قبل حجابهن، مؤكدًا أن أغلبهن يلبسنه كنوع من القهرر الأسري لهن.

 

يقول سلاّم: «وهى مظاهرة تدعو من ترتدي الحجاب قهرًا أن تخلعه وتعلن تحررها من قيود مجتمعية تساهم في تخلفنا، وليس إكراهًا لأي فتاة على خلع الحجاب إذا كانت مقتنعة بالمذهب الفقهي الذي يقول أنه فرض. هذه دعوة لا تُكره أحد على فعل شيء لا يريد أن يفعله».

 

يضيف في مقاله أن دعوة الشوباشي هي دعوة للتخلص من القهر المجتمعي والفهم الواحد للدين، وأن فرضية الحجاب قادمة من تفسير للنص القرآني، هو ليس الوحيد لتفسير هذه الآيات. وربما ينسحب ما ذكره سلام على ممارسات تتضرر فيها نساء بسبب عدم ارتدائهن الحجاب، أو تعرضن لفرض الحجاب بالقوة، ففي الأردن أوردت صحيفة جراءة نيوز خبرًا عن فصل موظفة في بنك إسلامي كانت تعمل فيه بالفعل، ولكن بعد بيعه لمالك جديد تم فصلها بسبب رفضها ارتداء الحجاب.

 

«القهر» في العالم العربي للمحجبات وغيرهنّ

 

 

 البيكيني والبوركيني

 

وفي تقرير نشرته BBC على موقعها، قالت عالية، من العراق أن الحجاب يفرض بقوة السلاح، وأن أحدهم كاد يقتلها عندما استوقف مسلحين عراقيين الحافلة التي كانت تقلها ورآها أحدهم وهي لا تلبس الحجاب فقال لها: لماذا لا ترتدين الحجاب؟ تريدين أن أفرغ هذا المسدس برأسك؟

 

كما تحدثت سلوى، من القاهرة، أن ارتداءها للحجاب كان بسبب ضغط من الأهل بالدرجة الأولى، ومن ثم الانتقادات التي عانت منها ممن حولها في الشوارع العامة والعمل، وأنها لم تتخلص من هذه الضغوطات إلا بعد ارتدائه، لكنها لم ترتح لقرارها لإحساسها بالتقييد فخلعته، رغم اعتراض والدتها.

 

وفي 2015، تداول مستخدمو فيسبوك منشورًا لفتاةٍ مصريَّة صورت آثار التعنيف الجسدي الذي نالته من أهلها بعد أن قررت خلع الحجاب.

 

هذا على الرغم من كون موقف الهيئة الدينية الرسمية لإصدار الفتاوى في مصر على سبيل المثال، دار الإفتاء، لايجيز الإكراه البدني أو المادي للأب لإجبار ابنته على لبس الحجاب، بحسب فتوى أصدرتها على جواز منع الأب النفقة عن ابنته لإجبارها على الحجاب من عدمه، ونشرها موقع مصراوي في يناير (كانون الثاني) الماضي، إلا أن هناكك عدّة مواقف سجلتها فتيات على مواقع التواصل الاجتماعي لتعرضهن لإكراه بدني أو معنوي سواء للبس الحجاب أو جراء قرارهن بخلعه.

 

لكن على الجانب الآخر، فاستخدام وسائل التمييز والتعنيف، في الوطن العربي لا يتم فقط ضد غير المحجبات، فهناك دول عربية، تتغير فيها بوصلة التمييز ليصبح ضد المحجبات، رغم كونها بلدانًا ذات غالبية إسلامية.

 

فتعتبر تونس إبان حكم بن علي من الدول العربية التي يتفق فيها رأي الدولة مع رأي تنويريين في مناهضة الحجاب واعتباره رمزًا لفكرٍ مُعين، ففي 2008، كان عرض مسرحية «خمسون» للمخرج فاضل الجعابي، وتدور أحداثها حول أمل التي تعود من فرنسا إلى تونس مبهورة بالفكر الإسلامي الذي تتخذه بدلًا عن فكر أبويها الماركسي.

 

 

 

فكرة المسرحية ترفض الحجاب وهو ما اتفق مع إجراءات الحكومة آن ذاك وموقفها منه «كزيٍّ طائفي». يقول الجعابي لصحيفة الوسط أن مسرحيته ترفض الحجاب «المسيس»، وقد قدمها كي لا تضطرّ ابنته إلى ارتداء الحجاب وتختار ما تريده، وقد وجدت المسرحية إقبالًا في تونس وفي بلدان عربية كسوريا، كما أورد موقع العربية في إبريل 2008.

 

هذا وكانت المؤسسات العمومية التونسية خلال حكم بن علي تمنع موظفاتها ارتداء الحجاب، مثل مرسوم أصدرته وزارة شئون المرأة والأسرة التونسية في 2008، وهو التصرف الذي ناهضته جماعات حقوقية تونسية إبان حكم «بن علي»، ليتغير الوضع بعد سقوط حكمه. وبعد بن علي شهدت تونس تدافعًا كبيرًا من قبل الفتيات لارتداء الحجابب بحسب صحف، بعد هروب «بن علي» إثر ثورة الياسمين، ذلك أن تونس «بن علي» كانت تمنع المواطنات التونسيات من ارتداء الحجاب، وهو القيد الذي تم غض الطرف عنه بعد الثورة التونسية.

 

هذا المد لم يسلم من التعليقات المضادة، فقد صرَّح وزير النقل التونسي، محمود بن رمضان، لإذاعة الكلمة التونسية الخاصة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أن الحجاب يؤثر على السمع بنسبة 30%، وهو التصريح الذي أثار حفيظة العديد بحسب CNN التي أوردت هجوم نبيهة الجلولي، وهي موظفة تم فصلها من عملها في الخطوط التونسيةة بسبب ارتداء الحجاب، على وزير النقل في تقريرها، والتي اعتبرت تصريح بن رمضان عنصرية ضد الحجاب.

 

في بلدان عربية أخرى كالمغرب، فكتبت فوزية عزب، صحفية مغربية عن حالات عنصرية في المغرب ضد محجبات، سواء في رفض التحاقهن بالوظائف، كحالة فاطمة الزهراء التي لم تستطع إيجاد عمل يناسب دراستها المحاسبة في أحد البنوك أو المؤسسات، بسبب حجابها، مما جعل فاطمة تتخلى عن حلمها في العمل بأحد البنوك، والعمل كمدرسة لتستطيع توفير تكاليف المعيشة لها ولأبيها الذي أنفق على تعليمها في معهد خاص للمحاسبة أملًا في حصولها على وظيفة بعائدٍ جيِّد.

 

كما أن عزب تحدثت عن صباح التي كانت ضحية قرار أصدرته الخطوط الجوية المغربية بمنع الموظفات ممن لهن علاقة مباشرة بالمسافرين من ارتداء الحجاب، مما اضطر المضيفة الشابة إلى تغيير مكان عملها من الجو إلى إدارة المطار ، وسميرة موظفة البنك التي عملت لخمسة سنوات فيه بعدها قررت ارتداء الحجاب، ليخيرها مديرها بين خلعه أو العمل كسكرتيرة لديه، لتقرر الاستقالة.

 

هذا المنع الذي يمتد إلى جميع قطاعات العمل المغربية بداية من قطاعات الصحافة والإعلام، وحتى قطاع السجون يمتد حتى هذا اليوم، فقد قدم منتدى الزهراء للمرأة المغربية شكوى إلى الأمم المتحدة في مارس (آذار) الماضي بحسب فضائية الحوار، يشكو التمييز ضد المرأة المحجبة في المغرب.

 

عزيزة البقالي، رئيسة الجمعية، قالت في مداخلة تليفونية أن التمييز ضد المحجبات ليس مؤطرًا بقانون، لكنه ممارسات تعرفها قطاعات خاصة وقطاعات الإعلام، بحسب شكايات عديدة تقول البقالي أن المنظمة تتلقاها سنويًا.

 

وقائع قد تدلل أن التمييز المجتمعي ضد النساء في الوطن العربي والعالم لا يتضمَّن التمييز ضد غير المحجبات فقط، لكنه ينسحب على المحجبات في دول يفترض أنها ذات أغلبية مسلمة، لكنها إداريًا أو من خلال ممارسة غير مؤطرة بقانون تحرم المرأة المحجبة من حقوقها في التطور المهني والتعامل والتعيين في مؤسسات حكومية أو خاصة.

 

كما ينسحب هذا التمييز ضد المحجبات على دوائر أوسع، خاصة في الدول الأوروبية التي يعدّها كثير من المنتمين إلى التيارات المدنية العربية قبلةً للحريات ومثالًا يحتذى به في تطبيقها، عبّر عن هذا التمييز مؤخرًا خبرًا نشرته عدد من الصحف الأجنبية منها صحيفة الجارديان البريطانية عن إجبار الشرطة الفرنسية لأحد زائرات شاطئ نيس الفرنسي علىى  خلع ملابسها تبعًا لقرار الحظر الذي قضى به عمدة المدينة ضد البوركيني، وهو الصيغة الملتزمة من لباس البحر المناسب للمحجبات.