ممثل وكاتب ومخرج

أحمد حلمي يدرك أن الفن ليس (لعب عيال)

أحمد حلمي نجم جريء يدعو شباب مصر إلى الحياة

ممدوح فرّاج (القاخرة)

ما بين بداياته في تسعينات القرن العشرين كمقدِّم لأحد برامج الأطفال التي حقّقت له ذيوعًا وشهرة كبيريْن، خاصّة برنامج “لعب عيال” الذي كان يتقمص فيه دورًا موازيًّا للطفل، في الأسئلة واللعب معهم، وصولاً إلى نجم شباك وكتابة اسمه على أفيش الفيلم مُنفردًا، ثمّة منعرجات كثيرة مرّ بها النجم المصري أحمد حلمي ليصل إلى هذه المكانة المتميّزة بين أبناء جيله من الشّباب على المستوى الفني، فيتربع اسمه على صدارة شباك التذاكر وتحقّق أفلامه (في الكثير منها) أعلى الإيرادات، وأيضًا على مستوى القاعدة الجماهيرية التي يتربع عليها، لكن لم يكن في باله أن عجلة حياته الفنية والشخصية ستواجه هذا المطب الذي لم يكن “صناعيًّا” بالمرة، عندما واجهته صدفةً محنة المرض الأخير له، وما تلاها من اكتشافه لمرض زوجته النادر.

عوني البرنس

لحلمي حضور وخفة ظلّ كبيريْن جعلاه قريبًا مِن جمهوره، ليس فقط على مستوى التمثيل بل أيضًا على مستوى الكتابة التي مارسها لفترة قليلة. وعندما كان يُقدِّم برنامجه في التلفزيون "لعب عيال"، استطاع بخفة دمه أن يزيل المسافة بينه وبين الأطفال الذين كان يستضيفهم، بل قدّم تجربة جديرة بالتأمُّل في محاورات الأطفال وتوسعة خيالهم، وأيضًا في بكارة لغتهم وسجع أخطائها، وهو ما حقّق له نجاحًا غامرًا نقله إلى القمَّة.

لم يظهر حلمي مِن خلف الكاميرا إلى داخل إطارها إلا عن طريق الصدفة، فبداية عمل أحمد كان الإخراج في التلفزيون المصري، قدّم للأستاذة ثناء منصور رئيس القنوات المتخصِّصة فكرة برنامج “عالم الكبار” ليخرجها، وبينما هو يشرح لها الفكرة، كي تختار المذيع الذي سيؤديها، وإذا بها تعجب بمنطقه في العرض، فتكلِّفه بأن يقومَ بها هو، وبالفعل حقَّق نجاحًا في البرنامج.

ظهوره الأول كان في التلفزيون في مسلسل مع "ناس ولاد ناس" عام 1993، مع الفنان كرم مطاوع، والفنانة نادية لطفي، ثمّ اختفى لفترة قليلة، بعد تأديته الخدمة العسكرية ليعود في حضور لافت في فيلم “عبود على الحدود” عام 1999 للمخرج شريف عرفة، والرَّاحل علاء ولي الدين، وهو بدايته الحقيقية في عالم التمثيل، وقد كوّن معًا ثنائيًا في فيلم “الناظر”، بالاشتراك مع محمد سعد، الذي التقى معه أيضًا في فيلم “55 إسعاف”، لكن ما لبث أن بَدأ يعتمد على نفسه، خاصّة أن التيمة التي يلعب عليها حلمي كانت مختلفة عن سعد الذي حَصَرَ نفسه في منطقة شخصية "اللمبي" الهزلية ولم يخرج منها، وظلَّت صورة اللمبي هي مفتاح نجاحه، أما أحمد فكان للتنوِّع في الأدوار والسيطرة في الأداء الدور الأكبر في تثبيت أقدامه، فمن دوره في فيلم "ميدو مشاكل" الذي أدّى فيه دور الشّاب العابث الذي يدخل في العديد من المشكلات التي تضطر الأب إلى التخلّي عنه، ويتهم في قضية قتل حتى تثبت براءته، ثم شخصية عمرو الزوج المأزوم مع زوجته في "سهر الليالي" للمخرج هاني خليفة، والذي حقّق شهرة عريضة، لما حمله الفيلم من رومانسية كانت غائبة ومفتقدة، في موجة أفلام هزلية.

يبدأ حلمي مع فيلم "ظرف طارق" مرحلة جديدة، وما تبعه في أفلام "كده رضا" و"آسف على الإزعاج"، و"إكس لارج"، و"عسل أسود"، وغيرها من الأعمال، التي أظهرت قدرة الفنان على التقمّص والتنوّع في الأداء وفي الشخصيات. الغريب أنه مع كثرة الأفلام التي قام ببطولتها منفردًا فإن الشخصيات التي أدّاها ظلت عالقة في وجدان جمهوره، مثل شخصية رضا في فيلم "كده رضا" الذي قدم فيه ثلاث شخصيات في وقت واحد، فقد وصل إلى مرحلة أن يفرض بصمته على كل شخصية على حدة، دون أن تذوب الفواصل بين الشخصيات الثلاث.

جرأته أو بمعنى أدق مغامرته تبدّت أوّل علاماتها في الخروج من خلف الكاميرا إلى كادرها، ومن الأفلام الجماعية إلى البطولة الذاتية، دون سَنِّيد، وهذه في الأصل مغامرة مقترنة بتكوين شخصية حلمي، ففي مقالة نشرها في جريدة الشروق، يغامر بالكتابة عن الكرة وهو كما يقول عن نفسه "أنا ماليش في الكورة". لكن تبريره للكتابة، يردّه إلى هذه الصفة ألا وهي "الجرأة" التي ستلازمه في مشواره الفني والحياتي، عندما يطلب منه الطبيب بأن يوقع على إقرار بقبول إجراء عملية السرطان مع خطورتها.

الأدوار التي يؤديها أحمد حلمي تكاد تصبح مقصدا للأسرة المصرية، فهي خالية من التيمات الرائجة، وما يقدمه يتميز عادة بنوعية خاصة وسط أفلام الراقصات والمطربين، أو حتى أفلام الكوميديا الصاخبة التي ينتجها محمد سعد، لتبقى أفلام حلمي كوميدية لكنها جادة وهادفة

في مسلسل الجماعة الذي كتبه السيناريست وحيد حامد، ظهر حلمي في الحلقة الأولى كضيف شرف، في مشهدٍ ظلّ عالقًا في وجدان الكثيرين، فقد قام بدور "عوني البرنس"، الشاعر الشعبي، وإن كان يعمل في إدارة المعاشات، يتم التحقيق معه بسبب تقاضيه رشوة، ونظرًا لتهافت التهمة، سخر منها، ومع إلحاح وكيل النائب العام للجواب عن تساؤله، يسعى للتعريف بنفسه، بأنه لا يمكن أن يرتشي لأنه صاحب أملاك إضافة إلى كونه شاعرَ أغان شعبية، وله أغانٍ غناها مطربون، وعندما سخر وكيل النائب العام من الأغاني التي غنّى له مقطعا منها، يخبره بأنه لديه شعرا آخر، لكنه من الشعر الذي يُغْضِبُ، وبالفعل راح يردّد أبياتًا من قصيدة "أزرق" التي كتبها الشاعر ميدو زهير، وغنتها فرقة "بلاك تيما" فيما بعد وكلماتها تقول “لأن الخط الميري أزرق/والقلم في الفصل أزرق/ولما قال مقلوب وهاطفح/ركبوه البوكس الأزرق/ولبسوه في السجن أزرق”.

تجاوب الكثيرون مع القصيدة التي عبّرت عن حالة من السّلبيّة لدى قطاع كبير من الشباب، وحالة القهر والحصار التي تُحْدِقُ بالجميع. بداية تعبيره عن الجيل الذي ينتمي إليه، وحالة الغياب التي يعيشها هذا الجيل، بدأت مع شخصية سعيد في فيلم “عبود على الحدود”.

عسل أسود

في بعض أفلامه حاول حلمي أن يقدّم المثل والقدوة في الاعتماد على النفس لتحقيق الذات مثلما فعل في فيلم «مطب صناعي» في شخصية ميمي (جلال البشبيشي) القادم من الأرياف باحثًا عن فرصة عمل، وعندما تتحقّق بالمصادفة بعد إنقاذ ابنة أحد رجال الأعمال، يشقُّ طريقه معه خاصَّة بعدما يتعرّض صاحب العمل لحادثة، ويدير أعماله حتى يفيق مِن الغيبوبة، على الرّغم من أن فكرة الفيلم كانت تتواكب مع مزاج أحمد الداعي لجمهوره من الشباب بعدم اليأس وهي الروح التي كانت تيمة لمعظم أعماله بما فيها فيلم "إكس لارج" الذي جسّد فيه أحزان شخص سمين جدًا، ممّا يضطره للكذب على مَن يحبها، إلا أنّها في النهاية كلها أفكار مثالية تصطدم مع الواقع الذي عبّر عنه خير تعبير في فيلم "عسل أسود" الذي كان مُحبطًا في الفيلم كشخصية سعيد تختخ التي أدّاها الفنان إدوارد، الذي كان مازال يأخذ مصروفه من أمه أو زوج أخته مُنصف الذي لا يستطيع أن يجدَ له شقّة بمعزل عن حماته.

فكرة المقاومة التي كانت بادية في فيلم “عسل أسود”، هي استثمار لأفلام قديمة مرّر فيها هذه الفكرة،كفيلم "زكي شان" الذي يزوِّر ويحتال حتى يحصل على وظيفة الحارس التي لا تتناسب مع إمكانياته، إلا أنه قصد أن يُرسل رسالة عنوانها الإصرار لتحقيق الذّات وهو ما نَجَحَ فيه بصورة كبيرة في فيلم "ظرف طارق"، وإن كان دوره في فيلم "صُنع في مصر" وصل إلى الإقرار بصعوبة التغيير الرومانسي، ومن ثمّ لا بد من بدائل ربما يغلب عليها العجائبي، فحالة اليأس ترسم مصائر الشخصيات، فبطل الفيلم علاء شاب بلا هدف أو طموح، وهي نتاج أسباب عجز منتجي الفيلم عن التصريح بها، فاكتفي بتقديم حلّ ليس رومانسيًا للتخلص من هذه الحالة، كنوع من المقاومة، تتمثّل في أن يتحوّل إلى باندا، ليمرَّ برحلة تُعلِّمه الكثير.

الجمهور صاحب الأفكار

هدوء أحمد وملامحه المعبِّرة عن الشّخصية المصرية جعلته أكثر تعبيرًا عن الأدوار التي يؤدِّيها، كما كان لمنطقه الذي سار عليه مجاريا السينما النظيفة دور في أن تصبح أفلامه مقصدًا للأسرة المصرية، فهي خالية من التيمات الرائجة، فما يُقدِّمه حلمي من أفلامٍ تتميّز بنوعية خاصّة وسط أفلام الراقصات والمطربين، أو حتى أفلام الكوميديا الصاخبة التي يفعلها محمد سعد، فأفلامه كوميدية لكنها جادة وهادفة، ومن ثم جعل له جمهوره الذي يعرف طريقه إلى فيلمه؛ لأنه دائمًا عينه على جمهوره، الذي نسب إليه الفضل في مدّه بالأفكار فيقول "فِكْرُ الجمهور باختلاف طبقاته هو الذي يُوحي لي بأفكار الأفلام التي أقدِّمها"، لافتًا إلى أن رأي الناس ومتطلباتهم تسبق دائماً ما يرغب الفنان في تقديمه. بل يرى أن رسالة الفنان التي يقدمها "يجب أن تمسّ حياة الناس بما تحمله من حلو ومر".

تنوّع الأدوار التي يؤدِّيها، وانشغاله بما يشغل الشباب، ناتجٌ عن انتمائه لوسط لا يختلف كثيرًا عن هؤلاء الأبطال الذين جسّدهم على الشّاشة الكبيرة، فأحمد محمد حلمي عواد من مواليد عام 1971 في مدينة بنها بمحافظة القليوبية، وهو الابن الأوسط بين ثلاثة إخوة، عاش في المملكة العربية السعودية عدة سنوات منذ أن كان في الثامنة بسبب عمل والده هناك، ودرسَ في الرياض، كما مرّ بتجربة الفشل التي تميّز قطاعًا عريضًا من الشباب، بعجزه عن عبور عتبة الثانوية العامة، عاد إلى مصر ليتمَّ دراسته ويلتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وبعد ذلك بأكاديمية الفنون، تخرج في المعهد العالي للفنون المسرحية، قسم الديكور، ثم بدأ عمله كمهندس ديكور لفترة، ثم مخرجًا لبرامج الأطفال في الفضائية المصرية ثم مذيعًا في القناة الفضائية المصرية.

نشاط حلمي أكبر من مجرد نشاط ممثل سينمائي، فقد قدم العديد من المسلسلات الإذاعية. وله فيلم عن ثورة يناير بعنوان "18 يوم" لم يُعرض حتى الآن شارك فيه عدد كبير من المخرجين والفنانين، كما له تجربة كتابية صدرت في كتاب بعنوان «28 حرف» عن دار الشروق في سنة 2012.

لحلمي تجربة مع برامج المسابقات بدأت مع برنامج "عرب غوت تالنت"، بعد خروج عمرو أديب، انضم إلى فريق البرنامج مع علي جابر ونجوى كرم، والفنان السعودي ناصر القصبي. استطاع أحمد أن يُضفى بصمته المرحة بتعليقاته السَّاخرة التي تجذب الجمهور إليه، ومع سخريته إلا أن هذا لم يمنع أن يخرج عنها في أوقات يبكي الجميع، فعقب عودته للبرنامج بعد إجراء العملية، تزامن عرض البرنامج مع تعرض القوات المصرية لطعنة غدر في سيناء، فتوجه بكلمة لجمهوره أبكت الجميع بمن فيهم هو.

قدم العديد من المسلسلات الإذاعية مثل "صلاح الخير"، و"يا خميس يا جمعة"، و"يا أنا يا نتي"، و"اطلبيني من بابا". كما اشترك في مسلسلات "السندريلا" و"لحظات حرجة" و"الجماعة"، وبصوته اشترك في مسلسل "العمليّة ميسي". وله فيلم عن ثورة يناير بعنوان "18 يوم" لم يُعرض حتى الآن شارك فيه عدد كبير من المخرجين والفنانين، كما له تجربة كتابية صدرت في كتاب بعنوان "28 حرف" عن دار الشروق في سنة 2012. وهو كتاب أشبه بسيرة ذاتية لكنها تمزج وقائع معينة كان شاهدًا عليها.

حلمي وأورهان باموق

تحدث الروائي أورهان باموق في كتابه "الروائي السّاذج والحسّاس" عن ربط القارئ بين شخصية البطل والمؤلف في العمل الروائي، وأيضًا في الفن السينمائي، ضاربًا بنموذج الفنانة التركية توركان شوراي، التي ربط الجمهور بين شخصيتها في الواقع وأدوارها، وهو الأمر الذي يسبب إزعاجًا للمؤلف وللفنان.

وبعد توارد أنباء عن إنجاب زوجة أحمد ابنها ربط محبو الفنان بين شخصيته الحقيقية ودوره في شخصية "مصري سيد العربي"، في فيلم "عسل أسود" الذي أدّى فيه دور المواطن المصري الذي عاد من أميركا ومع كافة المواقف المحبطة التي تجعله لا يُفكر في العودة مرة ثانية، إلا أنه ضحّى بـ"الباسبورت الأخضر"، وعاد إلى مصر في موقف يؤكّد شدِّة انتمائه، وقد جاء الفيلم في فترة كانت الهوية تتعرض للاهتزاز لأسباب سياسية، فقد أُنتج عام 2010، وقد كانت الأجواء السّياسية مُحتقنة للغاية، وهو ما كان تعبيرًا وتضامنًا من أسرة الفيلم على تنمية روح الانتماء وتأصيلها عند الشباب في نموذج بطلهم حلمي، الذي أراد أن يوصل رسالة مفادها أن مصر طعمها جميل رغم ما يكتنفها من قُبح في سلوكياتنا تجاه بعضنا، وتجاه الآخر أيضًا.

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتباهى فيها حلمي بمصريته، ففي كتابه "28 حرف" كانت مقالته "كيس السّعادة" أشبه برسالة عن مصر وصفاتها التي لا توجد في الكتب أو التاريخ كما قال في تعريفها بأن نفوس المصريين وأرواحهم كالماء في صفائه.

تم اختياره سفيراً لـ"الغذاء من أجل التعليم" المشروع الذي أطلقه برنامج الأمم المتحدة العالمي للأغذية، وقد تم تكريمه في أكثر من مهرجان مثل دمشق الدولي ومهرجان البينيال بباريس، مهرجان المسرح العربي وفي مهرجان تطوان بالمغرب، وحصل على جائزة أحسن ممثل أكثر من مرّة. وفي دورة مهرجان القاهرة السينمائي الأخيرة تم تكريمه كأحد الوجوه الشبابية، وفي كلمته أثناء استلام الدرع اعتبر أنه ليس تكريمًا واحدًا بل هي تكريمات متعددة، لا تبدأ من أنها من مهرجان القاهرة الدولي، ومن دار الأوبرا وأنه يحمل اسم فنانة كبيرة مثل فاتن حمامة، وفي النهاية أهدى التكريم للراحل محمود عبدالعزيز الذي وافته المنية قبل انطلاق دورة المهرجان الدولي.