الأوساط الخليجية ترى حالة الارتباك تحيط باختيار خليفة الأمير..

تقرير: من سيكون ولي العهد الجديد في ظل تجاذبات عدة بالكويت؟

وداع في وضع جيوسياسي قلق

الكويت

توفي أمس الثلاثاء أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح عن عمر ناهز الـ91 عاما، تاركا الكويت في عهدة الشيخ نواف الأحمد الجابر المبارك الصباح الذي أصبح أميرا للبلاد. وترك الشيخ صباح خلفه أسرة منقسمة ونفوذا متصاعدا للإخوان المسلمين وإيران وبلدا يعاني من خلل في الميزانية وبرلمانا مشاغبا تعوّد على إعاقة عمل الحكومة.

وطرحت هذه الوفاة سؤالا بشأن من سيكون ولي العهد الجديد في ظل التجاذبات بين عدة أجنحة داخل العائلة، والتي قد تدفع في اتجاه حسم مجلس الأمة خيار من سيكون ولي العهد الجديد.

ومنذ مدة، ومع تطور الوضعية الصحية للأمير، تحول موقع وليّ العهد إلى محور للصراع في ظلّ بروز ثلاثة أسماء تتنافس في ما بينها على الموقع، وهي أسماء الشيخ مشعل الأحمد الجابر (81 عاما)، أحد إخوة الأمير الذي يشغل موقع نائب رئيس الحرس الوطني، والشيخ ناصر الصباح، ابن الأمير، والشيخ ناصر المحمد رئيس الوزراء السابق.

ويمتلك الشيخ مشعل شخصية قويّة، ما جعله محورا لحملة يشنها عليه الإخوان المسلمون، وفي مقدّمتهم النائب السابق مسلم البراك، من أجل منعه من أن يصبح وليّا للعهد. ووزع مناصرو الإخوان شريطا للبراك كان وصف فيه مشعل الأحمد بأنّه “رئيس الحكومة الخفيّة” في الكويت.

وفي المقابل، يفضّل الإخوان المدعومون من تركيا وقطر أن يكون ناصر الصباح هو الأمير الجديد، على الرغم من معاناته من سرطان في الرئة وقد عولج منه قبل سنتين في لندن.

وتشير مصادر سياسية خليجية إلى أنّ الشيخ أحمد الفهد، المحسوب على قطر، من بين الذين يدعمون ناصر الصباح الذي سبق أن اقترح انفتاحا في اتجاه تركيا وإيران في إطار مشروع طموح يرمي إلى وضع الكويت على “طريق الحرير”. وشارك أحمد الفهد، وهو وزير سابق، في الحملة التي تشنّ بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي على عمه الشيخ مشعل.

في المقابل، يسعى الشيخ ناصر المحمد إلى الاستفادة من المعارضة القويّة التي تواجه الشيخ مشعل ومن اعتراض عدّة جهات إقليمية على ناصر الصباح، كي يطرح نفسه حلّا وسطا بدعم من عدد كبير من أصحاب النفوذ المالي في الكويت.

وحرص ناصر المحمّد في الفترة الأخيرة على نفي العلاقة الخاصة التي تربطه بإيران، مشدّدا على أنه على علاقة خاصة بكل دول مجلس التعاون الخليجي، في مقدّمتها المملكة العربية السعودية.

وترى الأوساط الخليجية أن حالة الارتباك، التي تحيط باختيار خليفة الأمير والناجمة عن الصراع، إذا لم يتم تداركها فورا قد تدفع إلى وضع صعب خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية والصحية (وباء كورونا) التي تعيشها البلاد، وفي ظل التطورات الإقليمية المتسارعة، وحالة الانتظار التي طبعت موقف الكويت بسبب الوضع الصحي للأمير، وغموض مستقبل انتقال السلطة في البلاد.

وتقول هذه الأوساط إن رحيل الأمير جاء في وضع جيوسياسي قلق جدا تبدو فيه إيران مستعدة لفعل أي شيء، سواء مباشرة أو من خلال نفوذها العسكري والسياسي، لكي لا تخسر ما تحقق لها من مكاسب على مدى مرحلتين أعقبتا انكماش دور العراق بعد غزوه للكويت عام 1990 والحرب عليه عام 1991 ومن ثم احتلاله من قبل الولايات المتحدة عام 2003.

ويعتقد مراقبون للشأن الخليجي أن الكويت تحتاج إلى مراجعة سريعة لسياساتها الخليجية لإعادة الدفء إلى علاقتها بمختلف الدول وخاصة بالشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية، وكسر سياسة الوقوف في المنتصف التي باعدت المسافة بينها وبين الرياض أكثر من إظهار الكويت في صورة الوسيط مثل ما يحرص المسؤولون الكويتيون على إظهاره.

وبات الكثير من الخليجيين يعتقدون أن الكويت في صف قطر من كثرة سعيها للوساطة ونقل الرسائل في وقت لم تمنح فيه الدوحة الكويتيين أي تنازل ولو شكلي لإنجاح مساعيهم.

والثلاثاء قطع تلفزيون الكويت بثه الرسمي وبدأ ببث آيات قرآنية قبل الإعلان عن الوفاة.

وكان الشيخ صباح توجه إلى الولايات المتحدة في يوليو الماضي لاستكمال علاجه الطبي بعد خضوعه لعملية جراحية. ولم ترشح أي تفاصيل حول طبيعة مرضه أو العلاج الذي كان يتلقاه.

وأعلنت الكويت في الثامن عشر من يوليو الماضي عن نقل بعض صلاحيات أمير البلاد إلى ولي العهد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح (83 عاما) إثر دخول الأمير المستشفى.

وعايش الشيخ صباح الأحمد أخطر أزمات بلاده والمنطقة، وخط مسيرة سياسية حافلة بالأحداث التاريخية والوساطات جعلته “عميد الدبلوماسية”.

وحتى قبل تسلّمه مقاليد الحكم، قضى الشيخ صباح عقودا في أروقة الدبلوماسية والسياسة في عهدي أخيه غير الشقيق الأمير الراحل الشيخ جابر الصباح وابن عمه الأمير الراحل الشيخ سعد العبدالله الصباح.

ووصل الأمير صباح إلى سدة الحكم في بداية عام 2006 بعدما صوّت البرلمان المنتخب لصالح إعفاء الشيخ سعد من مهامه بعد أيام فقط من تعيينه أميرا للبلاد بسبب مخاوف على وضعه الصحي، وتسليم السلطة للحكومة برئاسة الشيخ صباح الذي اختير أميرا في ما بعد.

وتولى الشيخ صباح وزارة الخارجية الكويتية لسنوات طويلة، وقد عرف خلال فترة عمله في الوزارة بكونه وسيطا موثوقا من قبل الدول الإقليمية والمجتمع الدولي.

وولد الأمير الراحل في السادس عشر من يونيو 1929، وهو نجل حفيد الشيخ مبارك الصباح، مؤسس الكويت الحديثة.

وكان الشيخ صباح، الأمير الـ15 للكويت التي تحكمها أسرته منذ 250 سنة، ساعد بلاده على تخطي تبعات غزو العراق، وانهيار الأسواق العالمية، والأزمات المتلاحقة داخل مجلس الأمة الكويتي والحكومة.

وعلى الرغم من تقدمه في السن، ظل الأمير منخرطا إلى حد كبير في الأعمال اليومية وفي السياسة الإقليمية والدولية، وحضر في نهاية مايو 2019 ثلاث قمم خليجية وعربية إسلامية في مكة استمرت أعمال كل منها حتى ساعات الصباح.

ودعا خلال هذه القمم إلى نزع فتيل الأزمات الإقليمية، وخفض التصعيد في الخليج بينما كانت التوترات تزداد بين إيران والولايات المتحدة وتوحي بحرب قريبة، مناديا بضرورة أن “نعمل بكل ما نملك ونسعى إلى احتواء ذلك التصعيد”.

واتّبع الشيخ صباح سياسة مستقلة، ما ساعد على تحصين سمعته الإقليمية وصقلها، رغم الأزمات في بلاده.

وتولى أول منصب حكومي له في 1962، وكان عمره آنذاك 33 عاما، قبل أن يصبح وزيرا للخارجية في العام اللاحق، وهو المنصب الذي تولاه مدة أربعة عقود، قبل أن يخرج من الحكم لبضعة أشهر ويعود وزيرا للخارجية.

ففي أبريل 1990، جرى تأليف حكومة جديدة لم يكن عضوا فيها، بعدما شعر بعض الكويتيين بأن دوره خلال غزو العراق كان يمكن أن يكون أكثر قوة، لكنه عاد إلى الحكومة اللاحقة التي ولدت في أكتوبر 1992.

ولم يمنع هذا الأمر من الحد من طموحات الوزير الذي أصبح رئيسا للوزراء في 2003، ما قرّبه خطوة إضافية من سدة الحكم.

وما إن تسلّم منصب الأمير حتى شرع في ترسيخ نفوذه في الداخل، فقام بحل البرلمان بعد أربعة أشهر من توليه دوره الجديد إثر خلاف بين المشرّعين والحكومة.