تكرار السيناريو الفلسطيني..
خرافة المقاربة بين القضية الفلسطينية ومشكلة أذربيجان في حرب أرمينيا
في مقاله الأسبوعي في صحيفة "القدس العربي" التي تصدر في لندن الخميس، 8 تشرين الأول 2020 تفتق ذهن الزميل عبد الحميد صيام عن كتابة مقاله تحت عنوان"المواجهات بين أرمينيا وأذربيجان : تكرار السيناريو الفلسطيني" يقارب فيه بين القضية الفلسطينية الفريدة من نوعها في التاريخ المعاصر و- كما هو العنوان- المواجهات الدائرة بين أذربيجان وأرمينيا، في محاولة لليّ عنق التاريخ لخدمة فكرة اختمرت لديه لأسباب يصعب علي التكهن بها.
منذ البداية في المقال المذكور، تظهر المقاربة –أو المقارنة- كمحاولة تتناقض مع المنطق كما مع التاريخ والجغرافيا وعلم الاجتماع والسياسة. وكأن الكاتب يتجاهل الحقيقة الأولية في محور النقاش وهي أن أذربيجان دولة ذات سيادة، معترف بها، مساحتها تزيد عن مساحة فلسطين التاريخية بأكثر من 30%، لها جيش وقوات مسلحة، تسلحها وتدربها إسرائيل، وتحظى بعلاقات دبلوماسية واسعة، أي تماما ما لا يمتلكه الفلسطينيون من قريب أو بعيد.
لا أُريد الغوص في تمحيص الحق الآزاري في مواجهة أرمينيا، ولا أريد أن أمرر حكما أخلاقيا على أي من طرفي النزاع بينهما، ولكن بكل تأكيد لم تتعرض أذربيجان للاحتلال الكولينيالي من قبل بريطانيا ، ولم يصدر بحقها "وعد بلفور" ولم تخضع للانتداب البريطاني الذي كان هدفه وشغله الشاغل بين عامي 1917 و1948 حماية الهجرات وتهريبها إلى داخل فلسطين وتأمين المستوطنات لها، ومن ثم تسهيل تسليحها وتدريب مليشياتها تمهيداً لتشكيل قواتها المسلحة الضاربة.
لم تتعرض أذربيجان كما فلسطين إلى إقامة "وطن قومي لليهود" على أراضيها وترجمته إلى دولة وكيان كانا يعنيان بالضرورة اقتلاع الشعب الفلسطيني من مدنه وقراه وأراضيه والاستيلاء على ممتلكاته، ولم يكونا يعنيان أن يجد اليهود ملجأ لهم في فلسطين أو "وطناً" يعيشون فيه مع أصحابه الأصليين، فقد كانت عملية هجومية عدوانية لا علاقة لها بإيجاد ملجأ آمن لمعالجة المشكل اليهودي في أوروبا.
فالهدف البريطاني وهدف المشروع الصهيوني كانا من حيث الجوهر، ومن دون مواربة، يرميان إلى إحلال "شعب" مكان الشعب الأصلي صاحب البلاد، وهذا لا يكون إلا من خلال الاقتلاع والتهجير، خارج حدود فلسطين أو خارج ما تمكن من السيطرة عليه من أرض فلسطين.
باختصار، تمثلت خصوصية القضية الفلسطينية بسمة كفاح شعب فلسطين ضد الاقتلاع والتهجير، وضد فقدان الوجود على أرض الوطن. كما أن المسألة هنا خرجت من أن تكون حالة سيطرة مستوطنين على البلاد واضطهاد شعبها وممارسة التمييز العنصري ضدهم حتى يتشابه الوضع بحالة المستعمرين الفرنسيين في الجزائر على سبيل المثال أو الأبارتايد في جنوب أفريقيا، أو الصراع الأذربيجاني ألأرمني.
سمة الصراع في فلسطين هي صراع حول الوجود وليس فقط مواجهة احتلال عسكري أو سيطرة كولونيالية فقد كان هدف المشروع الصهيوني العمل على اقتلاع الشعب الفلسطيني من فلسطين والحلول مكانه وتسويغ الاستيلاء على بيوته وأراضيه وممتلكاته كما لو كانت جميعاً غنائم حرب، وهذا ما حدث فعلاً وما زال يحدث يومياً. وذلك فضلاً عن هدف تكريس تجزئة العرب وضعفهم والسيطرة على دولهم بالشراكة مع دول الغرب الاستعماري الإمبريالي.
إذن، وبكل تأكيد نحن هنا أمام صراع وجود وليس صراعاً ضد هيمنة استعمارية ولا ضد التمييز العنصري، فحتى بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة في حزيران 1967 (أجبر نحو 600 ألف على النزوح)، وصدور القرار 242. ومن ثم حوّلت القضية لحصرها بالقضاء على الاحتلال ضمن خطوط الهدنة ما قبل 5 حزيران 1967، ولا سيما بعد إبداء قيادة منظمة التحرير الفلسطينية الاستعداد لحصر برنامجها في إقامة دولة فلسطين ضمن تلك "الحدود" والمساومة على ذلك بداية من خلال الاعتراف بقرار 242 (إعلان الإستقلال 1988)، وأخيرا كارثة اتفاقات أوسلو عام 1993 وما لحقها.
خصوصية القضية الفلسطينية مقارنة بقضايا الشعوب المضطهدة الأخرى تتمثل في كون الشعب الفلسطيني مهدداً في وجوده وهويته.
لعل المقارنة بين القضية الفلسطينية، من جهة، وحرب أذربيجان وأرمينيا أو أي قضية أُخرى تُظهر حالة من الارتباك في فهم القضية الفلسطينية وديناميكيتها، وخصوصيتها وقدسيتها عند كاتب المقال الذي نرد عليه، لكنها أكثر من ذلك فيما تفعله من تقزيم للقضية الفلسطينية وتهميشها وإدراجها لتصطف غير مرئية إلى جانب العديد من قضايا التحرر. فإنها خطيئة وطنية: لأنك عندما تقول إن ما نراه في المواجهات بين أذربيجان وأرمينيا يكرر ما حدث في فلسطين ولفلسطين، فأنت تقول في المقابل (وعلى الجانب الآخر) إن "إسرائيل زيها زي أرمينيا- زي غيرها". ليس من حق أحد تقزيم القضية الفلسطينية.