تحدي الأوضاع وتشبث بالكتاب..

القراءة في عدن.. من الترف إلى الضرورة

صار الاهتمام بالمطالعة والتزود بكل ما هو جديد شاغل أغلب اليمنيين، ولا سيما الشباب منهم

العرب (لندن)

تعتبر المطالعة في اليمن زمن الحرب وأوقات الشدة “ترفا”، لكن واقع الحال في عدن، عاصمة البلاد، بدا مغايرا ومختلفا، بعد أن ازداد الإقبال على شراء الكتب والحرص على اقتنائها، خلال الأشهر الأخيرة، وهو ما اعتبره الكثير من المهتمين والمعنيين تمردا على الأوضاع.

وقال علي العميسي صاحب مكتبة خالد بن الوليد بمحافظة عدن إن “الإقبال على القراءة واقتناء الكتب والمجلدات، في عدن، بات أكثر مما كان عليه قبل اندلاع المعارك (26 مارس 2016)، وصار الاهتمام بالمطالعة والتزود بكل ما هو جديد ديدن الغالبية من الناس، وبالأخص الشباب”.

ورأى أن نسبة التعليم المرتفعة في المدينة قد “يكون لها الأثر الأكبر في ذلك، خصوصا وقد اعتاد غالبية السكان فيها على العيش بعيدا عن ظلمات الجهل والتخلف، حيث تغلغل عشق القراءة والعلوم بين أوساط ساكنيها منذ سنوات طويلة”.

واعتبر العميسي أن “ولع الناس بالقراءة ومتابعة كل جديد ليس أمرا غريبا، ولا حدثا نادرا”.

وأفاد بأن 5 آلاف كتاب هي إجمالي مبيعات مكتبة خالد بن الوليد خلال مارس الماضي، وهي نسبة كبيرة لمكتبة واحدة في مدينة تضم العشرات من المكتبات، في ظل الظروف الصعبة وغلاء المعيشة وتأخر صرف الرواتب.

وقال عن أكثر الكتب مبيعا “القراء مولعون بمتابعة أحدث الإصدارات، خاصة في ما يتعلق بالروايات سواء كانت عربية أو أجنبية، كما أن للكتب الدينية حيزا من اهتماماتهم”.

وأضاف “تصل المبيعات في مكتبتنا بعدن إلى نحو 50 ألف نسخة في العام الواحد”، ولفت إلى أن “الإقبال على كتب الأطفال أيضا كبير مقارنة ببعض المحافظات التي لدينا فيها فروع، حيث تصل المبيعات في عدن إلى ألفي كتاب في الشهر الواحد”.

5 آلاف كتاب هي إجمالي مبيعات مكتبة خالد بن الوليد خلال مارس الماضي، وهي نسبة كبيرة لمكتبة واحدة في مدينة تضم العشرات من المكتبات، في ظل الظروف الصعبة وغلاء المعيشة وتأخر صرف الرواتب

وأشار العميسي إلى أن “الفرع الرئيسي للمكتبة بالعاصمة صنعاء، فإن المبيعات فيها، مقارنة بفرعنا في عدن، لا تصل حتى إلى 50 بالمئة، وهذا يؤكد مدى اهتمام سكان عدن بالقراءة، باعتبارها أداة للمعرفة ووسيلة للرقي والازدهار، فضلا عن كونها تجربة ممتعة لا يهجرها من سحرته الكتب وهام بالمؤلفات وعشقها”.

وأوضح ردا على سؤال حول كيفية وصول الكتب إلى المدينة، “إننا نجلبها من القاهرة وبيروت بشكل منتظم، عبر ميناء عدن”، مشيرا إلى أن “الحرب لم تؤثر في الحصول على ما يحتاجه من الكتب والمجلدات، إلا خلال المعارك بالمدينة من مارس حتى يوليو 2015”.

وتابع “كما أن المكتبة تحصل كذلك على المئات من المطبوعات التي يتم إعدادها في اليمن، خاصة لمؤلفين وكتاب يمنيين”.

وأشار إلى أن الفتيات في عدن هن الأكثر قراءة، وتنال كتب الروايات سواء كانت عربية أو أجنبية الحيز الأكبر من اهتمامهن.

وقالت امتنان علي أحمد، تدرس بقسم اللغة الإنكليزية بجامعة عدن، “ليست الفتيات وحدهن من يقبلن على شراء الكتب، لكن الكثير من الشباب يهتمون بالقراءة أيضا، وإن كانت نسبة الفتيات أكبر قليلا”، مضيفة “لربما كانت روايات الجزائرية أحلام مستغانمي سببا في ذلك”.

وأرجعت أندي الصلاحي، رئيسة مؤسسة إنسان للتنمية (غير حكومية)، شغف الفتيات بالقراءة وحرصهن على قراءة الكتب المختلفة، إلى حالة الفراغ الكبيرة التي تعيشها معظم الفتيات وقضائهن أوقاتا طويلة في المنازل بسبب الظروف الأمنية وغياب المتنزهات وانقطاع الكهرباء، وما يصاحبه من انقطاع للإنترنت.

وقالت الصلاحي “خلال فترة الحرب وصلت ساعات قراءتي للكتب إلى 6 ساعات يوميا، وتحديدا أحب قراءة بعض المجلات مثل العربي، فضلا عن قراءة الكتب والمعاجم الأدبية كـ’جوهر الأدب’، و’رسالة المعري’، وبعض أشعار التونسي أبي قاسم الشابي، وأخيرا فرغت من قراءة كتاب ‘مئة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ’ للفلسطيني جهاد الترباني”.

وذهب إلى أن المبيعات خلال معارض الكتاب التي تقام بين الحين والآخر في المدينة تصل أحيانا إلى 6 آلاف كتاب خلال ثلاثة أيام فقط.

وعزا السبب في ذلك إلى أمرين هامين، أولا “شغف الناس بالقراءة، بالذات فئة الشباب منهم، وثانيا لسعر الكتب المناسب، خصوصا وهي كتب مدعومة من قبل رجال الأعمال والتجار، حيث يتم عرضها بنصف قيمتها الحقيقية”.

وتنتصب في أحد أحياء كريتر العتيقة مكتبة الحاج عبادي بشموخ محافظة على مكانتها وهيئتها التي كانت عليها منذ تأسيسها قبل 133 عاما، وتحديدا سنة 1884، لتحكي عن مدينة تتماهى مع تاريخها الموغل في القدم.

وقال فراس عبدالحميد عبادي، أحد أحفاد مؤسس المكتبة، “إن أكثر مبيعات مكتبتنا تاريخية، ومعظم المؤلفات والكتب الموجودة فيها قديمة”، مشيرا إلى أن 70 بالمئة من زبائن المكتبة هم من كبار السن، ربما لأنهم معنيون بالكتب التاريخية.

وأشار إلى أن مجموعة “عدن تقرأ” (مؤسسة ثقافية غير حكومية) أقامت خلال عام ونصف العام تقريبا 3 معارض وكان الإقبال عليها “أكثر من المتوقع”.

وأوضح عبادي أن مكتبته لم تحصل على أي كتب جديدة، حيث يتم الاعتماد فقط على الكتب القديمة، والتي تحظى باهتمامات الجمهور، كالكتب الأجنبية المترجمة، كما هو حال كتاب “تاريخ من زوايا عدن”، وهو الأكثر مبيعا، للباحث اليمني بلال غلام حسين.