الضبابية أولى التحديات أمام الحكومة المنبثقة عن اتفاق الرياض..
هاني بن بريك: لسنا ضد الشمال بل ضد من يريد فرض وحدته بالإكراه
ينتظرُ الحكومةَ اليمنيةَ المنبثقةَ عن اتفاق الرياض خليطٌ من التحديات المتشابكة يتضمن ملفات سياسية واقتصادية وعسكرية يرى مراقبون أنها ستضع مصير منظومة “الشرعية” برمتها على المحك، وستحدد مسار التطورات القادمة في المشهد السياسي المضطرب بما في ذلك مآلات الحل الشامل للأزمة واستحقاقات الحرب والتحولات المرتقبة في خارطة الاصطفافات الداخلية.
تدخل الحكومة اليمنية برئاسة معين عبدالملك مرحلة جديدة مليئة بالصعوبات في ظل الضبابية التي لا تزال تلقي بظلالها على المشهد السياسي رغم اتفاق القوى والمكونات التي شاركت في الحكومة المنبثقة عن اتفاق الرياض على تأسيس حكومة مناصفة تضم 24 حقيبة وزارية تجمع الشمال والجنوب.
وتؤكد مصادر سياسية لصحيقة العرب الدولية أنه باستثناء المجلس الانتقالي الجنوبي وحزب التجمع اليمني للإصلاح (فرع الإخوان المسلمين في اليمن)، لا تمتلك القوى أي رؤية سياسية أو خطة لمرحلة ما بعد تشكيل الحكومة مع أن الانتقالي يعتبرها خطوة أولى نحو استحقاقات قادمة لصالح مشروع استعادة الجنوب الذي يتبناه.
ويراهن المجلس الانتقالي على تغير قواعد اللعبة السياسية في معسكر الشرعية بعد مشاركته في الحكومة وانتزاع مقاعد متقدمة في موقع قرار المؤسسة المعترف بها دوليا، إضافة إلى حصوله على امتيازات تتعلق بحقه في نقض بعض القرارات، انطلاقا من قاعدة “التوافق” التي قام عليها اتفاق الرياض بين المكونات الموقعة عليه.
صراعات مرتقبة
ألقى المجلس الانتقالي بثقله للمشاركة في مفاوضات الحل النهائي للأزمة عبر ممثلين في فريق المفاوضات التابع للشرعية، والذي يعتقد المجلس أنه سيكون بوابته لتبني قضايا فك الارتباط وحق تقرير المصير واستعادة دولة الجنوب، كما تردد وسائله الإعلامية.
ويعتبر سياسيون مقربون من المجلس أنه تمكن من تحجيم محاولات عزله سياسيا باعتباره مكونا ميليشياويا بعد انضمامه رسميا للشرعية واستعداده لخوض الصراع مع التيارات المعادية له مثل الإخوان من داخل مؤسسات الشرعية، في تقدم لافت، لكنه خطير.
وتناقل ناشطون يمنيون تغريدة لمستشار الرئاسة اليمنية، نصر طه مصطفى، أشار فيها إلى أن المجلس بات جزءا من الشرعية، لكن ناشطين سياسيين جنوبيين يبدون مخاوف من تكرار تجربة حكومة المبادرة الخليجية، التي انتهت بتذويب ملامح قوة الرئيس السابق علي عبدالله صالح وحزبه، وتفكيك قوته العسكرية، عن طريق ما سمي بإعادة هيكلة الجيش.
لكن مصادر في الانتقالي تستبعد تكرار ذلك بالنظر إلى تمايزه السياسي وتبنيه خطابا مغايرا يعبر عن شريحة واسعة من الجنوبيين. وقد عملت قيادة المجلس على إطلاق خطاب تطميني لمناصريه، يؤكد على تمسكه بأهدافه وفي مقدمتها “حق تقرير المصير”.
وكتب هاني بن بريك نائب رئيس المجلس في تغريدة على تويتر في خضم الأنباء حول قرب استكمال تنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض يقول “واثق بأننا سنصل إلى حل الدولتين مع عقلاء الشمال وليس مع اللصوص الشماليين وفي مقدمتهم الإخوان، والقوميون في الشمال متحمسون للوحدة العربية كأيديولوجية سنصل معهم إلى ذلك فلن يكونوا أشد عروبة وقومية من مصر عبدالناصر. حربنا ليست ضد الشمال، هي ضد من يريد فرض وحدته بالإكراه”.
وتبرز الصعوبات التي قد تواجه المجلس، في التباين بين التزاماته السياسية والعسكرية التي تجعله طرفا منخرطا في مؤسسات الشرعية بشكل كامل، وبين خطاباته التي تؤكد على تمسكه بأهداف “الانفصال” عن شمال اليمن واستعادة دولة اليمن الديمقراطية الشعبية.
ويتوقع مراقبون أن تشهد المرحلة القادمة انتقال موجة الصراع بين المجلس والقوى الأخرى المناوئة له وخاصة حزب الإصلاح، إلى داخل مؤسسات الشرعية عبر خوض معارك سياسية وإعلامية تقوم على اتهام المجلس بالتمرد على “الشرعية” ورفض الانضواء تحت مظلتها.
ويشير هؤلاء، على وجه التحديد، إلى ما يتعلق بقواته العسكرية والأمنية التي ينص اتفاق الرياض على دمجها بمؤسسات الجيش والأمن التابعة للحكومة والتي لا يخفي الانتقالي تحفظه عليها، نظرا إلى هيمنة جماعة الإخوان على مفاصلها وهيئاتها بشكل كامل، وهو الأمر الذي قد يقود المجلس إلى المطالبة بإعادة بناء هذه المؤسسات وفقا لمعايير جديدة.
في المقابل، يبرز حزب الإصلاح كطرف سياسي وحيد ينتمي للشمال داخل منظومة الشرعية يمتلك خطة لمواجهة أعباء وتداعيات ما بعد اتفاق الرياض وتشكيل الحكومة، متقدما بخطوات كبيرة على بقية المكونات بما في ذلك الانتقالي، من خلال سيطرته على معظم مؤسسات “الشرعية” الإدارية والعسكرية والأمنية.
ونفوذ الحزب متغلغل داخل المكونات والقوى السياسية الأخرى، بما في ذلك حزب المؤتمر الشعبي العام (جناح الرياض) الذي تؤكد المصادر أن الإصلاح استطاع استمالة بعض قياداته، وتوظيف بعضها لصالح مشروعه السياسي، بل وفرض قيادات موالية له ضمن حصة المؤتمر من الحكومة المنبثقة عن اتفاق الرياض.
وتشير مصادر سياسية يمنية إلى توزع التوجهات داخل الحكومة الجديدة إلى ثلاثة تيارات رئيسية، الأول والأكبر فيها هو الذي يمثله حزب الإصلاح بأكثر من نصف مقاعد الحكومة، من خلال حصته وحصص الأحزاب الأخرى الموالية له، أو حصص مراكز القوى التي يرتبط بها داخل الشرعية.
كما يأتي المجلس الانتقالي منفردا في الحكومة ولكن محصنا كما يقول مقربون منه بحقه في رفض أي قرارات غير توافقيه، فيما يأتي التيار الثالث من الصامتين الذين يفضلون تغليب مصالحهم الشخصية وارتباطاتهم على المعارك المتوقعة داخل الحكومة.
ويتمتع إخوان اليمن بخبرة كبيرة، وفقا لمراقبين، في خوض المعارك من داخل المنظومة السياسية للشرعية، وقد طبقوا بالفعل نموذجا مشابها عقب توقيع المبادرة الخليجية، في مواجهة الرئيس السابق علي عبدالله صالح وحزب المؤتمر الشعبي العام، الذي كان يمتلك كفاءة سياسية كبيرة، وشبكة علاقات واسعة، ونفوذا عسكريا لا تمتلكه أي من الأطراف السياسية المشاركة في الحكومة اليوم.
وإلى جانب اللعب على ورقة الشرعية، وإشهارها في وجه خصومها، يملتك إخوان اليمن أوراقا سياسية أخرى يمكن أن يستثمروها في مواجهة وتحجيم خصومهم المفترضين خلال الفترة المقبلة، ومن ذلك توظيف نشاط تيار قطر بالبلاد الذي يتحرك بشكل منفصل في ما يبدو أنه تبادل أدوار متقن بين حزب الإصلاح بهيئته الرسمية الذي ينشط من داخل الشرعية، وتيار الدوحة.
ويبدي تيار الدوحة مواقف مناهضة للتحالف والمكونات الأخرى مثل قوات المقاومة المشتركة بقيادة العميد طارق صالح في الساحل الغربي التي ستجد نفسها، بحسب مراقبين، في مأزق جديد خلال مرحلة ما بعد تشكيل الحكومة يتعلق بمشروعيتها وتبعيتها، وخصوصا في حال تم ضم قوات المجلس الانتقالي إلى قوام الجيش والأمن كما ينص اتفاق الرياض.
مزيج من التحديات
يرى الصحافي اليمني وضاح اليمن عبدالقادر أنه إلى جانب تباين المكونات السياسية المشاركة في الحكومة الجديدة، تبرز العديد من التحديات السياسية الأخرى، التي يمكن أن تلقي بظلالها على نشاط الحكومة وفي مقدمتها طبيعة تواجدها على الأرض وقدرتها على الإنجاز في ظل الاحتقان في الشارع الجنوبي تحديدا، وهو ما يحتاج إرادة سياسية حقيقية لدى طرفي اتفاق الرياض لتجاوز هذا الأمر.
وقال عبدالقادر، “هناك العديد من التحديات التي سترافق عودة المؤسسة التشريعية ممثلة بمجلس النواب إلى العاصمة عدن والبدء بممارسة مهامه الاعتيادية والاستثنائية في ما يتعلق بالمصادقة على برنامج الحكومة القادمة أو مناقشة بعض الأمور المتعلقة بالقرارات السيادية والحاسمة في ما يخص اتفاق ستوكهولم مثلا واتخاذ المجلس موقفا من هكذا اتفاق”.
وليس ذلك فحسب، بل يبرز التحدي الآخر، وفق عبدالقادر، في تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية، ما ينقل المعركة معها إلى مربع آخر يجعل المجتمع الدولي ملزما على محاربتها كانعكاس لممارساتها من تفجير المنازل ودور العبادة وسيطرتها على مؤسسات الدولة وغسيل الأموال وتجارة المخدرات وتهديدها أمن البحر الأحمر وخطوط الملاحة الدولية واستهدافها للمناطق المحررة والدول المجاورة بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة.
كما أن مسألة دمج القوات العسكرية والأمنية تحت إطار قيادة واحدة تعد تحديا كبيرا، حيث تحتاج إلى المزيد من المرونة والتعاطي الإيجابي من كافة الأطراف والبدء بحشد الجهود لمعركة التحرير وانتقال القوات العسكرية إلى مناطق التماس مع ميليشيا الحوثي.
ومن أهم التحديات، بحسب عبدالقادر، البدء بالترتيبات الأمنية في عدن بما يخلق بيئة حاضنة للاستقرار والبدء بمراجعة منظومة الخدمات التي يحتاجها المواطن من ماء وكهرباء وصحة وتعليم على مستوى العاصمة والمناطق المحررة.
وفضلا عن ذلك، هناك معركة اقتصادية تنتظر الحكومة لا تقل أهمية عن المعركة السياسية والعسكرية خصوصا مع انهيار العملة الوطنية. وهنا أشار عبدالقادر إلى ضرورة تفعيل دور المجلس الاقتصادي الأعلى وفق صلاحيات مطلقة لوضع الحلول والمعالجات بالاستفادة من دعم التحالف العربي ورفد البنك المركزي بوديعة عاجلة.
كما يتطلب ذلك إعادة النظر في تفعيل الأوعية المالية في ما يخص إيرادات النفط والغاز وتفعيل أنشطة الموانئ والمطارات وإصلاح منظومة الكهرباء وبعض القطاعات المدرّة للعوائد ومعالجة اختلالات فارق صرف الريال وتثبيت سعره في كافة المناطق.
حزب الإصلاح يبرز كطرف سياسي وحيد ينتمي للشمال داخل منظومة الشرعية يمتلك خطة لمواجهة أعباء وتداعيات ما بعد اتفاق الرياض وتشكيل الحكومة
ويراهن التحالف العربي لدعم الشرعية بقيادة السعودية على الخروج من حالة الصراع المزمنة داخل معسكر المناوئين للمشروع الإيراني في اليمن، وتأسيس جبهة جديدة لمواجهة الحوثيين عسكريا أو سياسيا من خلال تحسين شروط التفاوض على مائدة الحل النهائي التي يتبناها المجتمع الدولي والأمم المتحدة، لإنهاء الحرب في اليمن.
ويعتقد مراقبون أن التحولات المتسارعة التي يشهدها الملف اليمني في الآونة الأخيرة باتت على صلة وثيقة بالتغيرات الإقليمية والدولية، وفي مقدمة ذلك جهود التقارب بين قطر ودول التحالف العربي، والتحركات الأممية والدولية لإقرار تسوية شاملة في اليمن، وهي تغيرات يمكن أن تؤثر وتتأثر بشكل لافت بمجريات الملف اليمني وخارطة القوة النهائية التي يمكن أن تفرزها الحرب في الشمال، واتفاق الرياض جنوبا.
وهذه الأمور تدركها أربع قوى رئيسية تعمل بشكل حثيث على تعزيز وجودها العسكري والسياسي في المشهد استباقا لهذه التحولات، وتتمثل في الحوثيين الذين استطاعوا استثمار الصراع داخل الشرعية بشكل كبير، وإخوان اليمن الذين يكابدون للحفاظ على مكاسبهم التي تحققت عسكريا أو سياسيا وخصوصا داخل منظومة الشرعية.
وكذلك المجلس الانتقالي الذي يسعى إلى اختطاف بطاقة التأهل لمفاوضات السلام الشامل وتمثيل القضية الجنوبية، فيما ينحصر وجود وثقل ما تبقى من تركة عبدالله صالح وحزب المؤتمر الشعبي العام في القوة العسكرية التي تشكلت في الساحل الغربي بقيادة ابن شقيقه العميد طارق صالح، الذي تشير المعطيات إلى أن إضعافه أو التخلص منه بات مصلحة مشتركة للحوثيين والإخوان.