هزيمة البرتغال وسقوط إمبراطوريها فى المغرب

التاريخ المنسى للعرب

صورة تعبيرية لاحتلال البرتغال للمغرب

وكالات
فى عهد الملك "جواو الأول" قام البرتغاليون بـ غزو المغرب فى حملة انتوت الاستيلاء على سبتة باعتبارها تسيطر على المدخل الغربى إلى البحر الأبيض المتوسط.
 
وأخذ "جواو الأول" يجيش الجيوش ويجمع المراكب بعد أن التزم بتسديد تكاليف الحملة من ماله الخاص مخافة أن يؤدى طلب الاعتمادات من مجلس «الكورطيس» إلى افتضاح السر الذى أحيطت به كل الاستعدادات التى بلغت درجة أقلقت الدول المجاورة حتى أرسلت سفراءها إلى ملك البرتغال الذى أكد لهم أنه لا يضمر لهم شرا.
 
وحدث لما كان الأسطول جاهزا لمغادرة لشبونة أن ظهر فيها الطاعون فأهلك عددا كبيرا من الناس حتى أصاب الملكة «فيليبا» التى كانت تستعجل زوجها وأبناءها لمواصلة الحملة، وغادر الأسطول العاصمة يوم 23 يونيه عام 1415 والوباء لا يزال متفشيا فيها.
وكان الملك يعتزم مهاجمة سبتة أواسط شهر أغسطس فأمر السفن بالاتجاه نحو الجنوب حيث هبت على الأسطول رياح معاكسة ألزمته بالتوقف على مقربة من جبل طارق، ولم يصل اليوم العشرون من هذا الشهر حتى أصدر الأمر فجأة إلى المراكب بأن تولى وجهها شطر الجنوب فاجتازت البوغاز بسرعة وأنزلت الجنود على مقربة من المدينة.
 
وقد فوجئ المغاربة بهذا النزول فلم يكن دفاعهم قويا لأنهم لم يتمكنوا من جمع القوات الكفيلة برد ذلك الجيش. وكان الأمير «هنريكي» مع المقاتلين فى الفصيلة الأولى التى دخلت سبتة فرفع علم البرتغال على أسوارها.
 
ولما انتهت أعمال النهب أمر الملك بإعادة معظم الجنود إلى بلادهم، اذ لم يترك بسبتة إلا حامية قوامها ثلاثة آلاف رجل أسند قيادتهم إلى «بيدرو دى مينيسيس»، وقد حاول المغاربة استرداد هذه المدينة المحصنة بعد ثلاثة سنوات فلم يكتب النجاح لتلك المحاولة لأن الأسطول البرتغالى سارع إلى اجتياز المضيق وإمداد الحامية امدادا مكنها من الصمود أمام الهجومات المغربية كلها.
 
وفى شهر أغسطس سنة 1437 بإنزال الجنود فى سبتة ليسيروا منها برا إلى طنجة تحت حماية الأسطول القريب من الشواطئ، ودارت معركة مريرة استمرت سبعة وثلاثين يوما اضطر البرتغاليون فى أعقابها إلى الاستسلام بعد أن حاصرهم الجيش المغربى القوى من كل جانب. وقبل الأميران شروط الاستسلام المفروضة عليهم حتى لا يمس الأسرى أى مكروه. وكانت هذه الشروط تقضى بتسليم سبتة وببقاء الأمير «فرناندو» أسيرا فى أيدى المغاربة الغالبين إلى أن ينفذ هذا الاتفاق.
 
وكان لنبأ هذه الهزيمة الكبرى صدى بعيد فى البلاد البرتغالية كلها، حيث عزم الملك هناك عام 1458،  على القيام بحملة أخرى على المغرب لاحتلال بلدة القصر الصغير عند البوغاز فاستدعى عمه الأمير «هنريكي» للمشاركة فيها رغم تقدم سنه لخبرته بالشؤون المغربية.
وقد اضطر المغاربة إلى الاستسلام بعد حصار شديد فأكرهوا على مغادرة تلك البلدة الشاطئية الصغيرة التى لم يتركوا فيها إلا الأسرى الذين كانوا معتقلين فى قلعتها.
وعرف «الفونسو الخامس» بلقب «الافريقي» لأنه قصر أعماله الحربية على المغرب حيث حقق بعض الانتصارات. وشجعه اغتصاب القصر الصغير على البحث عن فتوحات أخرى، وخاصة بجوارها، فحاول الاستيلاء على طنجة سنة 1464، ومنى بهزيمة كبيرة صرفته خلال بضعة أعوام عن التفكير فى مواصلة هجوماته على المغرب. 
 
وحدث فى 1471 أن نشبت حرب أهلية فى المغرب فوجدها ملك البرتغال فرصة مواتية واجتاز البوغاز واستولى على أصيلا ثم طنجة بعد أن تغلب على المقاومة المستميتة التى أبداها الجنود المغاربة. وقد ظلت طنجة فى قبضة البرتغاليين إلى أن سلمها ملكهم «الفونسو السادس» إلى «تشارلز الثانى» ملك انجلترا فى السنة الحادية والستين من القرن السابع عشر باعتبارها من مهر أخته فمكثت تحت السيطرة البريطانية ثلاثة وعشرين عاما قبل أن يسترجعها المولى إسماعيل. 
 
وكان للبرتغاليين عون مغربى يسمى «ابن طوفافة» فأدى اغتياله سنة 1518 إلى انهيار الامبراطورية البرتغالية التى برز فى إقامة قواعدها والتمكين لنفوذها، حيث كان قسم هام من البلاد خاضعا للسيطرة البرتغالية أو يؤدى الجزية لقادتها، وكان اغتيال ذلك المتعاون وهلاك «نونودى اطايدي» قائد قوات الزحف على مراكش فى طليعة الأسباب التى ذهبت بآمال الملك «مانويل الأول» فى إقامة امبراطورية برتغالية بالغرب تكون جديرة بالفتوحات التى حققتها قواته بالشرق. 
ولما توفى «مانويل الأول» آل الملك إلى «جواو الثالث» الذى حكم البرتغال ستة وثلاثين عاما أخذ نفسه خلالها بالمحافظة على الإمبراطورية كيف ورثها بعد أن تيقن من عجزه عن توسيع أطرافها. وقد نصحه بعض مسشاريه بالانسحاب عن آسفى وأزمور للتخفيف من التكاليف المالية الناتجة عن احتلالهما، إلا أنه انساق لأقوال بعض المتعصبين الداعين إلى ضرورة الصمود مهما كان الثمن.
 
وكان ساعد السلطة المركزية المغربية قد اشتد فى هذه الأثناء فلم يكد رأى «جواو الثالث» يستقر على القتال حتى عاجله المغاربة بالهجوم فجعلوا يهددون كافة المراكز البرتغالية تهديدا ألزم الغزاة بالانسحاب عن آسفى وأزمور أولا، ثم عن القصر الصغير وأصيلا بعد أن دكوا كل واحدة من هذه المدن دكا، وأسف الملك على هذه الخسائر المتوالية أسفا عظيما حتى اعتبر نفسه خائنا للبرتغال جمعاء فأرسل إلى البابا متوسلا أن يجود عليه بعفوه وغفرانه. وهكذا أصبح الوجود البرتغالى فى المغرب مقصورا على طنجة وسبتة.
 
ولما توفى الملك سنة سبع وخمسين وخمسمائة وألف اعتلى العرش «سيباستيان» الذى اشتهر بلقب «الملك الفارس الشهم» لأنه أخذ على نفسه عهدا ببعث عظمة البرتغال وبالإشراف شخصيا على سائر برامج الدولة. وكانت البرتغال قد اقتنعت على عهد جده الملك «مانويل الأول» بضرورة الإقلاع نهائيا عما تبقى لها من مصالح فى المغرب، إلا أن «سيباستيان» قد قرر استئناف المغامرة معرضا عن الاستماع لآراء مستشاريه الذين كانوا ينصحونه بالتزوج حتى يخلف ولدا يتولى العرش من بعده.
ولما بلغ سنه العشرين عاما أربعة وسبعين وخمسمائة وألف زار المغرب فاشتبك مع المغاربة فى مناوشات بأحواز المدينتين الأسيرتين عند البوغاز عاد على إثرها إلى البرتغال وقد صح عزمه على استئناف الحملة الصليبية على بلادنا.
 
وأعد «سيباستيان» جيشا قويا استكتب له عددا كبيرا من المرتزقة الأجانب لما رأى الحرب الأهلية بالمغرب وجاءه استنجاد الفئة الضالة به. أما خاله "فيليبى الثانى" ملك إسبانيا فقد وعده بعون طفيف بعد أن نصحه بعدم الإلقاء بنفسه فى هذه المغامرة الخطيرة، ولما حل شهر يونيه سنة 1578 غادر الأسطول ميناء لشبونة وهو يحمل عشرين ألف رجل كان ما يزيد تقريبا على نصفهم من المرتزقة الألمانيين والهولنديين والبلجيكيين والإيطاليين والإسبانيين.
 
وتقول كتب التاريخ البرتغالية أن السلطان مولاى عبد الملك قد تخوف أول الأمر من مواجهة هذا الجيش العرمرم فجعل يتراجع تراجعا منظما محكما ليبتعد بالجيش البرتغالى عن قواعده فى سبتة وطنجة أولا، وليرغمه على التوغل فيما وراء مدينة أصيلا توغلا ينهك قوة الجنود واحتمالهم فيما بعد. 
 
وفجأة هجم المغاربة يوم خامس أغسطس على الجيش البرتغالى عند وادى المخازن بالقرب من مدينة القصر الكبير فلم تكد الشمس تغيب حتى كان الملك سيباستيان قد قتل ولم يبق من جيشه القوى إلا مجموعات صغيرة من الجنود الفارين الذين يتسللون لواذا نحو الشاطئ طلبا للنجاة.
 
وفقدت البرتغال ملكها وجيشها بالإضافة إلى الأموال الكثيرة التى دفعتها لافتكاك المآت من النبلاء والأعيان الذين وقعوا فى قبضة المغاربة، فقد تراوحت فدية كل واحد منهم بين خمسة آلاف وستة عشر ألفا من «كروزادوس» حتى أن عددا من الأسر الغنية أصبحت تشكو الفقر والحاجة من جراء ما أنفقته للإفراج عن أفرادها الأسرى.