مجازفة كبرى من الفيفا..

قطر «الصغيرة».. والمونديال «الكبير»!

عملية التصويت التي تمت في نهاية عام 2010 لا تزال قيد البحث والتحقيق والنقد والهجوم

عمرو عبيد (القاهرة)

رغم مرور سبع سنوات على اختيار الاتحاد الدولي لكرة القدم لدولة قطر منظماً لبطولة كأس العالم عام 2022، إلا أن أغلب المؤسسات الكروية والإعلامية العالمية لا تزال غير راضية عن هذا الاختيار، وتشعر بالدهشة البالغة من تلك المجازفة الكبرى التي أقدم عليها الفيفا بمنح قطر تنظيم هذه النسخة من المونديال خاصة بعد كل ما أثير حول ظروف وملابسات ما تم في عملية الاقتراع والتي راح ضحيتها العديد من رجال الاتحاد الدولي السابقين، وأثبتت الكثير من الوثائق والتحقيقات أن المال والسياسة لعبا كل الدور في هذا الأمر لصالح قطر التي فازت بالتنظيم بينما تركت الإقالة والتحقيقات والسجن لمن اشتركوا في تلك العملية المشبوهة من كبار السياسيين والرياضيين في العالم!
صحيح أن الكيان القطري حتى الآن لا يزال هو صاحب تنظيم تلك النسخة من المونديال قبل خمس سنوات من موعد انطلاقها الرسمي، إلا أن التحقيقات لم تتوقف والتقارير الإعلامية العالمية تنشر كل يوم جديدا، يخص هذا الأمر مهددة بسحب هذا التنظيم من قطر في أي وقت، ومن المعروف أن قطر هي أصغر دولة في العالم من حيث المساحة تحصل على شرف تنظيم كأس العالم منذ انطلاقه عام 1930 حيث كانت سويسرا في عام 1954 هي الأقل مساحة بين كل الدول التي احتضنت البطولة عبر التاريخ، الغريب والطريف في آن واحد هو أن سويسرا التي تتكون من 26 إقليماً تبلغ مساحتها أكثر من ثلاثة أمثال الكيان القطري الذي يحتوي على 8 بلديات فقط ويذكر التاريخ أن سويسرا قبل أكثر من 60 عاما قد استضافت على أرضها 16 منتخباً فقط بينما يجب على قطر منح كل سبل المعيشة والراحة والتدريب لـ 32 فريقاً من كل دول العالم حسب نظام المونديال الحديث.
ولأن عملية التصويت التي تمت في نهاية عام 2010 لا تزال قيد البحث والتحقيق والنقد والهجوم من مختلف دول العالم حتى هذه اللحظة، فلا خلاف على أن الأمر كان غريبا للغاية فالدولة الصغيرة التي تبلغ مساحتها 11.5 ألف كيلومتر مربع كانت تواجه بشكل مباشر الولايات المتحدة الأميركية ذات الـ 9 ملايين كلم مربع وقبلها أستراليا التي تبلغ مساحتها 7 ملايين كم2 وحتى اليابان وكوريا الجنوبية صاحبا 378 و100 ألف كلم مربع، والأكثر غرابة أن قطر بالطبع لم تتمكن من تقديم أكثر من 7 مدن (بلديات) لاستضافة البطولة بل أجبرت الفيفا لاحقا على تقليل عدد الملاعب المطلوب تجهيزها من أجل المونديال إلى 8 ملاعب فقط بدلا من 12 بسبب عوائق مالية وتكلفة مرتفعة للغاية وأغلبها لا يزال إما تحت الإنشاء أو تحت التجديد مما يتطلب وقتا كبيرا ، وعند مقارنة ذلك بما قدمته الدول الأربع الأخرى في ملفاتها قبل عام 2010 نجد حقائق مذهلة مثيرة للريبة والشك إلى أقصى درجة في اختيار قطر!.
فأميركا اقترحت في الملف التمهيدي كل ولاياتها الخمسين الجاهزة لاستضافة البطولة مع وضع 70 ملعباً كاختيار أول وهي أرقام هائلة تم تقليصها بالطبع إلى 27 مدينة تحتوي على 32 ملعبا قبل عرض الملف النهائي بتجهيز 18 ملعباً داخل 18 مدينة كان أغلبها جاهزا بالفعل منها على سبيل المثال ملعب روز بول الشهير الذي احتضن المباراة النهائية لمونديال 1994 في مدينة باسادينا بولاية كاليفورنيا والذي احتشد يومها بما يقرب من 95 ألف متفرج، أما أستراليا فقد عرضت 12 ملعبا في 11 مدينة، وأكدت في ملفها أن ثلاثة ملاعب فقط تحتاج إلى التشييد وكذلك احتوى الملف الياباني على 12 ملعبا، تتراوح سعتها بين 42000 مشجع و70000 بينما تقدمت كوريا الجنوبية بـ 14 ملعباً في 12 مدينة بسعة كبيرة، نظراً للتجهيزات الضخمة التي أقيمت في الدولتين إبان استضافة مونديال 2002، والأرقام هنا تتحدث بكل صراحة عن الفوارق الضخمة جداً بين ملفات الدول التي تقدمت لاستضافة البطولة، وجاء الاختيار عجيبا وصادما في النهاية بما لا يتفق مع أي منطق أو رقم معبر عن نفسه.
والحقيقة أننا يجب أن نجري مقارنة أخرى تبدو منطقية للغاية لفهم اعتراض العالم كله على اختيار الفيفا للكيان القطري ، وهي خاصة بقرار الاتحاد الدولي منح كل من البرازيل وروسيا شرف تنظيم بطولتي 2014 و2018 لأنهما الأقرب للواقع الحالي، لنجد أن البرازيل منحت المونديال 12 ملعبا في 12 مدينة مع الوضع في الاعتبار قيمة البرازيل التاريخية في لعبة كرة القدم، ولم تقل سعة أي ملعب عن 40 ألف متفرج، وقدر عدد الحضور حوالي 3.429.873 شخصا، وبالمناسبة كان الحاضرون في مونديال 2010 بجنوب إفريقيا قرابة الـ 3 ملايين شخصا أيضا ولهذا يفترض أن يكون نفس العدد على الأقل موجودا في ملاعب روسيا التي عرضت في بداية الأمر 13 مدينة تحتضن 16 ملعبا، وهو ما يفوق متطلبات البطولة لهذا تم تقليصها من جانب الفيفا لاحقا إلى 11 مدينة و 12 ملعبا لم تقل سعتها أبدا عن 35 ألف متفرج، ويتم حاليا وضع اللمسات النهائية عليها بعدما ظهر بعضها بشكل رائع في كأس القارات الأخيرة، وإذا كانت مساحة روسيا تجاوزت الـ 17 مليون كيلومتر مربع، بينما تبلغ مساحة البرازيل 8.5 مليون وحتى جنوب إفريقيا التي تتجاوز المليون كلم، فأي تقييم واختيار وعقل منح قطر التي تبلغ مساحتها 11.571 كلم حق استضافة البطولة في 8 ملاعب فقط فوق 7 بلديات صغيرة لا تزال تحت الإنشاء والتوسعة لتصل أغلبها إلى 40 أو 45 ألف متفرج على أقصى تقدير؟، ومع الوضع في الاعتبار إمكانية حضور ما يقرب من 3 ملايين متفرج لمباريات المونديال هناك فهل يمكن لدويلة صغيرة، يبلغ تعدادها 2.6 مليون نسمة حسب آخر إحصاء في 2016 أن تستضيف عددا من البشر يفوق ما يسكنه مواطنوها وأصحاب الجنسيات الأخرى؟.
اختيار الفيفا لقطر يبدو مشبوها ومحيرا بالفعل ، فعلى سبيل المثال تمتلك روسيا التي تم إسناد تنظيم المونديال إليها في العام القادم ما يقرب من 270 مطارا سواء مدنيا أم حربيا وتم تطوير عدد كبير منها لمنح المنتخبات الزائرة ووفود المشجعين كل سبل الراحة واليسر في التنقل إلى دول أوروبا الشرقية، في الوقت الذي يوجد لدى الكيان القطري 4 مطارات فقط بينها مطار حربي واحد في الدوحة التي تحتضن 3 مطارات مقابل مطار واحد في مدينة الخور، وهو ما يعني صعوبة تنقل المنتخبات والجماهير مباشرة إلى مدن وملاعب البطولة، ولن يكون هناك مفر من استخدام الطرق السريعة للتنقل بين البلديات؛ نظرا لأن قطر لا تمتلك خطا ضخما للسكك الحديدية، وهي صورة واضحة تماما تعتمد على الأرقام والبيانات ولا شيء غير ذلك!.
وإذا كان اعتماد قطر كله على مدينة الدوحة التي قد تستضيف أغلب المباريات في عدة ملاعب، فهذا يعني المزيد من التكدس والزحام الهائل الذي يخشى معه وقوع حوادث أو مخاطر يتعرض لها الموجودون من أجل المونديال، وهو ما يحذر منه الفيفا دائما عند إقامة كأس العالم مع التشديد على اتخاذ إجراءات أمنية صارمة وضرورة تسهيل عملية التنقل والسياحة لكل الحاضرين ، فهل تناسى الاتحاد الدولي هذا الأمر أم تعامى عنه لأسباب بات العالم كله يتحدث عنها الآن

الاختيار خطأ كبير
برزت تقارير كثيرة في عام 2010 عقب اختيار الفيفا للكيان القطري تناولت مقترحا من جانب سيب بلاتر الرئيس السابق للاتحاد الدولي قال فيه إن هناك إمكانية لإقامة عدة مباريات من المونديال في دول مجاورة لضمان نجاح البطولة وسهولة إقامتها، لكنه أكد ضرورة موافقة قطر أولا ثم اللجنة التنفيذية للفيفا على ذلك، ولو أن الكيان القطري يرغب في العمل الجماعي لتقدم بملف مشترك مع إحدى دول الجوار الشقيقة وربما كان الاختيار وقتها سيكون عادلا لكن الرغبة في الاستعراض الفردي والبحث عن دور عالمي هو ما يحرك قطر أولا وأخيرا ، ولعل الرد المناسب على كل هذه الأمور كان تصريح بلاتر نفسه عندما اعترف بأن اختيار قطر لتنظيم المونديال هو خطأ كبير، لأن العالم كله حتى الآن لا يعرف كيف ستنظم تلك الدولة الصغيرة هذا المونديال الكبير!.