"اليوم الثامن" في خفايا خلافات نظام صنعاء العميقة..

تحليل: "إخوان اليمن".. ومستقبل تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية

تمثل مأرب معقلا رئيسيا لتنظيمي القاعدة والإخوان - أرشيف

صالح أبوعوذل
كاتب وباحث وسياسي مستقل، رئيس مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات، ومقرها العاصمة عدن

تنظيم القاعدة في اليمن، عرف خلال العقود الثلاثة الماضية بأنه أشد فروع التنظيم تطرفا في الجزيرة العربية، بالنظر الى عملياته المكثفة التي ضربت المصالح الدولية في خليج عدن وبحر العرب، وأبرزها الهجوم على المدمرة الأمريكية "يو اس اس" كول، والسفارة الأمريكية في صنعاء، وغيرها من الهجمات التي وقعت خلال العقدين الماضيين، وصولا إلى إقامة إمارات إسلامية بالتزامن مع الانتفاضة الشعبية ضد نظام علي عبدالله صالح، الرئيس اليمني الراحل الذي قتله الحوثيون في أواخر العام 2017م، عقب انقلابه على التحالف معهم.

"قاعدة اليمن"، وهو الاسم والمصطلح الأكثر شيوعاً، الذي يطلق على الأفغان العرب الذين تم دمجهم في الجيش اليمني، (القوات الفرقة الأولى مدرع)، التي يقودها الجنرال علي محسن الأحمر، بعد عودتهم من القتال في جبال تورا بورا بأفغانستان، للمشاركة في القتال ضد نظام عدن (جمهورية اليمن الجنوبية الديمقراطية) الاشتراكي، الذي كان قد دخل في اتحاد هش مع الجمهورية العربية اليمنية، (نظام صنعاء)، في الـ22 من مايو (أيار) 1990م.

وقد استغل نظام صنعاء (حماسة الأفغان العرب) في قتال الاشتراكيين الجنوبيين، بإقصاء شريك "الوحدة"، وبد أتنظيم قاعدة بتصفيات واسعة ضد المسؤولين الجنوبيين في صنعاء، حتى وصل الى تصفية أكثر من 150 مسؤولا مدنيا وأمنيا، وقد أدى ذلك الى احتجاج رئيس نظام عدن، السيد علي سالم البيض، الذي غادر العاصمة اليمنية صنعاء احتجاجاً إلى عدن.

وقد دفعت ازمة التصفيات للجنوبيين الى تدخل ملك الأردن الراحل "الملك حسين"، في وساطة توجت بتوقيع "وثيقة العهد والاتفاق"، الا ان تلك الاتفاقية لم تر النور بفعل مواصلة الأفغان العرب مسلسل التصفيات والاغتيالات للمسؤولين الجنوبيين، وصولا إلى الحرب التي أعلنت يوم الـ27 من ابريل (نيسان) العام 1994م، على الجنوب واحتلال عدن يوم الـ7 من يوليو (تموز) من نفس العام.

الرياض تدير ظهرها لأتباع الرئيس المؤقت وتتهمهم بالجاسوسية..

تحليل: تحالف هادي مع إخوان اليمن.. نسف الشرعية وشجع الحوثيين

وأكسبت معركة احتلال عدن، تنظيم القاعدة قدرة كبيرة في التجنيد، مستغلاً فتاوى أصدرها شيوخ إخوان اليمن "عبدالمجيد الزنداني وعبدالوهاب الديلمي"، والتي نصت على وجود قتال نظام عدن على اعتبار انه انظام اشتراكي يمثل امتدادا للاتحاد السوفيتي، والفتوى الدينية نشرت في الصحافة الرسمية والاذاعات بالإضافة الى فتوى أخرى مشابهة نشرت في الصحافة الالمانية، اعتبرت سكان الجنوب "خارجين عن الدين الإسلامي، واجازت نهب حقوقهم على اعتبار انها غنائم حرب".

ومنذ منتصف التسعينيات، كان تنظيم القاعدة يشكل أقوى واشد فروع قاعدة الجهاد تطرفا في الجزيرة العربية، بفعل التحالف المرحلي بين نظام علي عبدالله صالح (المؤتمر)، والإخوان المسلمين (الإصلاح)، وهو التحالف الذي تفكك مرحليا بعد وفاة الزعيم القبلي وأول رئيس لتنظيم الإخوان في اليمن، عبدالله بن حسين الأحمر، في أواخر العام 2007م، بعد ان كان "الأحمر" داعماً لصالح، ووجه قواعد الاخوان في العام 1999م، لانتخابات علي عبدالله صالح، وحذر من الخروج على توجهات الحزب.

وقد أطلق تنظيم الإخوان حملة إعلامية، قادها د. نجيب غانم سعيد رئيس الدائرة الإعلامية، تهدف الى دعم انتخاب صالح رئيسا لفترة جديدة (دون شروط)، وكان الاخوان حينها يواجهون الحزب الاشتراكي اليمني الذي كان يطالب بتغيير صالح، على أمل اصلاح مسار الوحدة اليمنية، وقد نجح الاخوان في ذلك، وهذا النجاح مثل ضربة قاتلة للحزب الاشتراكي اليمني الذي فشل في تسجيل أي حضور سياسي بعدها.

"اليوم الثامن" تقدم قراءة مقتضبة في مسيرة التنظيم..

تحليل: "الإصلاح اليمني".. حزب سياسي وميليشيات متطرفة وإرهابية

وفاة زعيم إخوان اليمن، دفع التنظيم الى الانشقاق عن تحالفه مع "علي عبدالله صالح"، وذهب إلى ابرام تحالفات مع أحزاب يمنية أخرى بما فيها الحزب الاشتراكي اليمني، الذي سبق ووصف قياداته واعضائه بأنهم "خارجون عن الدين الإسلامي"، وتوج بتحالف مرحلي أطلق عليه "اللقاء المشترك"، المعارضة لنظام علي عبدالله صالح، وعندها بدأت حرب "صالح" ضد تنظيم القاعدة، وقيادات الإخوان، حتى وضعت الولايات المتحدة الأمريكية الزعيم الديني لإخوان اليمن، الشيخ عبدالمجيد الزنداني على قوائم الإرهاب الأمريكية، لكن مع ذلك رفض صالح تسليمه لواشنطن، على أمل ان يتوقف الاخوان عن معارضته، وبالفعل استطاع (صالح) "لي ذراع الإخوان" كثيراً، لكنه منح الولايات المتحدة الأمريكية "الأذن"، بملاحقة عناصر تنظيم القاعدة في اليمن، وقد قتلت الولايات المتحدة بسلاح الدرون العديد من قيادات تنظيم القاعدة البارزين في شبه الجزيرة العربية.

وأبرز من قتلتهم الولايات المتحدة، المواطن الأمريكي "أنور العولقي"، الذي كان يصفه بالملهم الروحي لتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، حين اغارت عليه اثناء تنقله بين مأرب وحضرموت في العام 2011م.

حاول الإخوان مع نظام صالح، وقف استهداف تنظيم القاعدة، ودعوا أكثر من مرة إلى وجوب الحوار مع التنظيم المتطرف وقياداته، وقاد الزنداني (شخصيا)، حوار مصالحة بين نظام صالح وتنظيم القاعدة، لكن الولايات المتحدة استمرت في قتل قيادات القاعدة، الأمر الذي دفع الإخوان الى الخروج بتظاهرات ضد نظام علي عبدالله صالح، بدعوى انه نظام فاسد، على الرغم من انهم ظلوا في تحالف استراتيجي معه لنحو عقدين.

ينصف تنظيم القاعدة (محليا)، على انه الجناح العسكري لإخوان اليمن، ومع انقلاب المتمردين الحوثيين على نظام عبدربه منصور هادي، (خلف صالح) في العام 2012، شارك تنظيم القاعدة بالقتال الى جانب القوات الحكومية التي تتبع تنظيم الإخوان على اعتبار انه الحزب الحاكم الذي أطاح بصالح واتى بهادي رئيساً.

خلفية تصنيف التنظيم الدولي كجماعة إرهابية..

تقرير: السعودية وإخوان اليمن.. بين مصلحة التحالفات وأجندة المشروع المناهض

وحرض تنظيم القاعدة لنحو عام على قتال الحوثيين "على اعتبار انهم روافض شيعة"، الا انه في العام 2016م، ومع وصول الزعيم العسكري الإخواني علي محسن الأحمر، إلى منصب نائب الرئيس، تراجع خطاب القاعدة المناهض للحوثيين، وتراجع فعليا القتال في العديد من الجبهات، ولم ينفذ التنظيم أي عمليات انتحارية ضد الحوثيين منذ ذلك الحين إلى اليوم.

وتحولت عمليات تنظيم القاعدة إلى ما يمكن وصفه بالعمليات الانتقامية ضد القوات التي شاركت في القتال ضد الحوثيين في عدن ومدن الجنوب الأخرى، لكن مع ذلك كان التحالف العربي بقيادة القوات المسلحة الإماراتية يقود معركة "حاسمة"، ضد التنظيم المتطرف بداية من عدن مرورا بلحج وأبين وصولا إلى شبوة وساحل حضرموت، والأخير كان "إمارة رئيسية لتنظيم القاعدة"، منذ ابريل (نيسان) 2015م، حين اجتاح الحوثيون مدن الجنوب، اسقط "القاعدة" ساحل حضرموت الغني بالثروات النفطية والموارد الاقتصادية الضخمة، دون قتال او مقاومة من القوات الحكومية التي تفككت بفعل الانقلاب الحوثي في صنعاء.

"بايدن" يصنع الجمود في جبهة مأرب..

تقرير: " تنظيم الإخوان وسلطة 2011".. كيف سُلمت اليمن لإيران

وفي الثلث الأول من يونيو (حزيران) 2015م، واثناء اعلان تنظيم القاعدة عن امارة حضرموت (الساحل)، نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في قتل قائد التنظيم والسكرتير الخاص السابق لأسامة بن لادن، ناصر الوحيشي الذي قتل بغارة لطائرة بدون طيار في مدينة المكلا، مركز محافظة حضرموت الساحلية.

احتلال القاعدة للمكلا لم يستمر أكثر من عام، حتى قررت القوات المسلحة الإماراتية (الشريك الفاعل في التحالف العربي)، خوض معركة تحريرها بالاعتماد على قوات النخبة المحلية، وسلاح الجوي الإماراتي، وبالفعل تم طرد القاعدة من المكلا مدينة سيئون الخاضعة لسيطرة قوات تدين بالولاء لنائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر، وجزء من التنظيم فر باتجاه محافظتي مأرب والبيضاء، اللتان تخضعان لسيطرة الاخوان والحوثيين على التوالي.

فرصة للخلاص..

تحليل: عبدربه منصور هادي.. رئيس اليمن من السعودية بإدارة قطرية

في العام 2017، ومع نشوب أزمة خليجية وعربية مع نظام قطر، الراعي الرسمي للإخوان في اليمن، ابرم تنظيم القاعدة في اليمن صفقة تبادل معتقلين مع الحوثيين، وقد أفرجت الجماعة الأخيرة عن قيادات بارزة في تنظيم القاعدة، قبيل استعداد الإخوان لشن حرب مضادة للسيطرة على شبوة في أغسطس (آب) 2019م، قبل ان تظهر قيادات في تنظيم القاعدة وهي تقاتل في صفوف جماعة الإخوان التي عادت للقتال في الجنوب المحرر، بدعوى الدفاع عن شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي.

بعد انتكاسة نهم..

تقرير: "التحالف العربي" .. من أين تبدأ معالجة الأخطاء الاستراتيجية

سيطرة إخوان اليمن على شبوة الغنية بالثروات النفطية، ساهم بشكل كبير في عودة تنظيم القاعدة الذي نفذ العديد من العمليات باستهداف القوات الإماراتية والبحرينية العاملة ضمن التحالف العربي في شبوة، بالإضافة الى استهداف حواجز أمنية لقوات الحزام الأمني المحسوبة على المجلس الانتقالي الجنوبي، ومثلت مناطق سيطرة الإخوان "مناطق آمنة لتحركات تنظيم القاعدة".

في أواخر يناير (كانون الثاني) العام 2020م، تعرض تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، لضربة قاتلة، هي اشبه بعملية قتل الوحيشي، حين نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في الوصول إلى مخبئ أمير القاعدة (الخلف) قاسم يحيى مهدي الريمي الذي ينحدر من منطقة علي محسن الأحمر (سنحان).

علمية مقتله تحث ارباكاً للإخوان..
تقرير: تداعيات مقتل أمير القاعدة.. قطر تهرب مسؤول حماية الريمي

وقد أدت عملية قتل الريمي إلى تشتت قيادة تنظيم القاعدة، بعد انقسم التنظيم الى تيارين الأول يتزعمه السعودي خالد باطرفي، والأخر يتزعمه أبو عمر النهدي، الذي يصف بالمسؤول الشرعي في تنظيم القاعدة.

وتصاعدت الخلافات حين نصب خالد باطرفي نفسه زعيما لتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية خلفا لقاسم الريمي، الأمر الذي دفع النهدي الى الاعتراض على ذلك، ولا يزال تيار كبير من تنظيم القاعدة يرفض خلافة باطرفي، ويتزعم هذا التيار "النهدي"، ويضم قيادات بارزة في التنظيم منهم "أبو داود الشروري الصعيري، وأبو الوليد الحضرمي".

هذه الخلافات لم تستغل من قبل التحالف الذي تقوده السعودية، فبعد انسحاب "الإمارات التي انسحبت من الملف اليمني بشكل كبير، توقفت جهود مكافحة الإرهاب تماماً، والرياض التي تقود أيضا تحالفا اسلامياً، لمكافحة الإرهاب، باتت مطالبة منذ مطلع مايو (أيار) الماضي، بالكشف عن مصير زعيم القاعدة خالد باطرفي، والذي قال تقرير للأمم المتحدة إنه تم اعتقاله في مدينة الغيضة بمحافظة المهرة في تشرين الأول/ أكتوبر العام 2020م، وقتل في تلك العملية نائبه سعد عاطف العولقي.

وكان التقرير الأممي الصادر عن الفريق المتخصص بمراقبة الجماعات المتطرفة، قد مثل أول تأكيد رسمي لاعتقال باطرفي بعد تقرير لمركز الأمريكي لمراقبة المواقع الجهادية "سايت" الذي أعلن في تشرين الأول/أكتوبر العام 2020م، إلى أن باطرفي اعتقل على أيدي قوات الأمن اليمنية قبل أن يتم تسليمه إلى السعودية".

"اليوم الثامن" تقدم قراءة مستفيضة..

تحليل: مأرب وأجندة إخوان اليمن.. أبعد من رفع المقاطعة عن قطر

ولم تعلق السعودية على تقارير اعتقال باطرفي، قبل ان تبث قنوات يمنية إخوانية تبث من تركيا تقارير تزعم ان تنظيم القاعدة نفى اعتقال زعيمه خالد باطرفي ومقتل نائبه سعد العولقي.

وزعمت قناة المهرية الإخوانية "إن عملية المهرة (تلك) تمت بتخطيط سعودي، الهدف منه تصوير المحافظة بأنها حاضنة لجماعات إرهابية لتظفر بالدعم الأمريكي والدولي كغطاء لممارساتها ومطامعها التوسعية".

وعلى الرغم من التأكيدات بان تنظيم القاعدة التي تم طرده او انسحابه مؤخرا من بلدة الصومعة في محافظة البيضاء، إلى شبوة ومارب، أصبح ضعيفا ومفككاً، الا ان مستقبل يظل مرهونا بالتحالف بين الاخوان والحوثيين، فالمصالح التي تتقاطع بين الجماعتين، ترى انه من المهم إعادة ترتيب صفوف تنظيم القاعدة، وهو ما يؤشر على ان هناك "أمير للتنظيم قد يتم تنصيبه خلال الأشهر القادمة خلفا لخالد باطرفي، الذي يواجه معارضة شديدة من تيار النهدي.

"اليوم الثامن" تبحث في ابعاد اتفاق السويد..

تحليل: إخوان اليمن.. ذراع قطر وإيران في مواجهة السعودية

وإذا نجح تنظيم القاعدة في إعادة ترتيب صفوفه، فالمسؤولة ستقع على عاتق "السعودية" المسؤول المباشر عن الملف اليمني، وتفكك التنظيم او إعادة توحيد صفوفه "مسألة تحدد مستقبل التنظيم في الجزيرة العربية".

وجدية السعودية في مكافحة الإرهاب تبدأ من إيقاف الدعم المالي والعسكري لإخوان اليمن، خاصة وان الدعم المقدم من الرياض لمحاربة الحوثيين، يذهب بشكل او بأخر الى تنظيم القاعدة، وقد وضعت الخزانة الأمريكية مسؤولين بارزين في الحكومة اليمنية على قوائم الإرهاب بعد ان ثبت تورطهم في تمويل تنظيم القاعدة وفتح معسكرات للتدريب في مأرب والبيضاء.

وإيقاف الدعم المالي والعسكري والسياسي والإعلامي السعودي عن الاخوان، خطوة مهمة، في فهم مستقبل التنظيمات المتطرفة، ويثبت جدية الرياض في محاربة التطرف، خاصة وان الإخوان سبق لهم وأبرموا اتفاقية جديدة في شبوة، قضت بوقف أي مقاومة للحوثيين الذين سيطروا على أجزاء واسعة من المحافظة النفطية.

"هيئة كبار العلماء تدفعهم للاعتراف"..

تحليل: "الإصلاح اليمني" عن تصنيف السعودية: "نحن إخوان مسلمون"

ويبقى التأكيد ان مستقبل تنظيم القاعدة في اليمن، يرتبط بشكل وثيق باستمرار اتخاذ السعودية "تنظيم إخوان اليمن"، كحليف محلي لمحاربة الحوثيين، والمبررات لفض هذا التحالف باتت متوفرة بشكل كبير، فالتنظيم لم يخض أي حرب حقيقية ضد اذرع ايران الذين تحاربهم السعودية، ناهيك انهم سلموا مناطق وأسلحة التحالف العربي للحوثيين، بطريقة تكشف خفايا التحالفات وتقاطع المصالح اليمنية في الجنوب.