الإقصاء يعود إلى الواجهة..

النازيون الجدد.. المسلمون بين إرهابين

حذر مراقبون من تبعات صعود اليمين المتشدد في الغرب

محمود زكي (لندن)

بدأ جيل جديد من اليمين المتطرف ترسيخ حضوره في الولايات المتحدة، مُتشجعا بمواقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب ودعمه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويعد معظمهم من البيض الصغار السن التواقين إلى استغلال المخاوف من الهجرة اللاتينية والإسلام المتطرف.

وأثارت التظاهرات العنيفة لليمين المتطرف التي أدت إلى مقتل امرأة في مدينة شارلوتسفيل في ولاية فيرجينيا صدمة في المجتمع الأميركي، خصوصا مع انتشار فيديو يظهر نحو ألف متظاهر من النازيين الجدد والقوميين بحراسة عناصر “ميليشيا” يحملون أسلحة.

وأشعلت المظاهرات في المدينة الصدام بين ترامب ومعارضيه بعد تقاعسه عن التنديد بأحداث العنف التي طالت مظاهرات القوميين البيض، حيث أسفرت الأحداث عن مقتل سيدة تعارض القوميين أو ما يطلق عليهم “النازيون الجدد” دهسا بسيارة كما أصيب 19 شخصا.

وتزامنت الأحداث مع استقالات لمسؤولين أميركيين واندلاع العشرات من المظاهرات المنددة بصعود التيار اليميني الشعبوي وموقف ترامب السلبي منها، محملين الرئيس الأميركي مسؤولية ما يحدث.

ودان ترامب مظاهرات اليمين بعد عدة أيام من وقوع أحداث العنف قائلا “الكراهية والانشقاق يجب أن يتوقفا فورا، علينا أن نتحد كأميركيين بالحب لصالح أمتنا”، لكن صب معارضو ترامب غضبهم على الرئيس، الذين اعتبروا أن انتخابه منح حيوية لليمين المتشدد ودعم العنصرية في جميع أنحاء الولايات المتحدة.

وبدأت أحداث العنف عندما انطلقت مسيرة باسم “توحيد اليمين”، التي دعا إليها قوميون متشددون، للاحتجاج على خطط لإزالة تمثال الجنرال روبرت إي. لي من مدينة تشارلوتسفيل بولاية نيو جيرسي، وهو الجنرال الذي قاد القوات الكونفيدرالية أثناء الحرب الأهلية في الولايات المتحدة في الفترة من 1861 إلى 1865 والمعروف برفضه للمساواة بين البيض والسود.

ضد التعددية الثقافية

يقول محللون إن المجموعات اليمينية تحظى بتأييد عشرات الآلاف وربما يدعمها مئات الآلاف من الأنصار غير المعلنين. ويشير هؤلاء إلى أن لغة ترامب التحريضية خلال حملته الانتخابية كانت سببا رئيسيا في صعود حركات اليمين المتطرف. وهاجم ترامب خلال خطب الحملة المسلمين والمهاجرين عدة مرات، مطالبا بمنعهم من دخول الولايات المتحدة. ومنع بالفعل في يناير الماضي هجرة مواطني سبع دول إسلامية إلى الولايات المتحدة والتي تقلصت إلى ست دول بعد استبعاد العراق.

وتحمل شعارات وفلسفة الإدارة الأميركية الحالية فكرا قوميا متشددا يدعو لإعادة الولايات المتحدة لسابق مجدها وتميل إلى نهج سياسة انعزالية محافظة.

وتتسق مع أفكار جماعة “آلت رايت” اليمينية المتطرفة المنددة بفقدان الهوية الأميركية المثالية، مدافعة عن الوطنية البيضاء الثقافة الأوروبية التي تشكل أساسا للثقافة الأميركية.

وترفض الحركة “التعددية الثقافية” التي تعطي أهمية للمجوعات غير البيضاء وتدافع عن الحقوق المتساوية للنساء والمثليين والأقليات. وتستمد سياستها من المحافظين التقليدين، ومرتبطة بحركة “أنصار الهوية” في اوروبا. وأصبح موقع “بريتبارت”، الذي تأسس العام 2007 منبرا إعلاميا لهذه الحركات ودعمها ترامب معتبرا إياها الرمز لهذا الاتجاه.

لغة دونالد ترامب التحريضية خلال حملته الانتخابية كانت سببا رئيسيا في صعود حركات اليمين المتطرف وعودة العنصرية

وأوضح مركز “ساثورن لاو بوليسي سنتر”، وهو مركز أبحاث معاد للتطرف أن “آلت رايت هي نفس الشيء تماما كاليمين العنصري الأبيض القديم رغم أن عناصرها يحبذون ارتداء بدلة وربطة عنق وليس أثواب كو كلاكس ملان أو الزي النازي”. وقاد تظاهرات السبت ريتشارد سبنسر، مدير معهد السياسات الوطنية في واشنطن “المكرس للتراث والهوية ومستقبل الأشخاص المنحدرين من أصول أوروبية في الولايات المتحدة”.

والمجموعات المشاركة في هذه التظاهرات كانت من النازيين الجدد، والعنصريين البيض، مثل “فانجارد أميركا” التي هتف مؤيدوها “الدم والأرض”، المماثل لصيحات أنصار هتلر إبان ثلاثينات القرن الماضي. كما شاركت مجموعات أخرى مثل “أنصار الهوية” التي تروج لتميز البيض، وحزب العمال التقليدي الذي يرفع شعارا مشابها لشعار النازية مع أيديولوجيا تحصر أعضاءه بالمسيحيين البيض.

ويشير الكاتب الأميركي في صحيفة الغارديان آيل شارتون إلى أن “حادث تشارلوتسفيل يجب أن يكون جرس إنذار لنا جميعا لنرى ما فعله ترامب ليس فقط خلال هذا العام ولكن طوال حياته، وكيف أنه تسبب في تحفيز تلك الحركات المتطرفة وأخرجها من الظلام”.

ولطالما أثار الرئيس الأميركي الجدل بسبب تصريحاته العنصرية، ولعل أبرزها تشكيكه في جنسية وولاء الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما الذي قال إنه “ليس أميركيا ولم يولد بالولايات المتحدة”. ومنذ اليوم الأول للحملة الرئاسية أطلق ترامب سلسلة من التصريحات المنددة بالأقليات، أبرزها عداؤه للمهاجرين المكسيكيين والمسلمين على حد السواء.

وأضاف شارتون أن “رد فعل ترامب لما حدث الأيام الماضية وعدم رغبته في وصف المحتجين بألفاظ مثل ‘العنصريين البيض’، على الرغم من انتقاده لأوباما في عدم استخدامه لوصف ‘الإسلام المتطرف’ في الماضي، يشير إلى أن البيت الأبيض يعاني من أزمة حادة في القيادة”.

العداء للمسلمين

يتكون اليمين القومي الأميركي من عدة جبهات ومجموعات، أبرزها جماعات “النازيون الجدد” و”اليمين الأميركي البديل” و”حزب الحرية”. وترفض تلك المجموعات ما يسمى بـ”التواؤم السياسي” وتساند ترامب.

ويقول ريتشارد سبنسر أحد مؤسسي الحملة إن “مبادئ الحركة تركز على ‘الهوية البيضاء’ والمحافظة على ‘الحضارة الغربية التقليدية'”. وتقوم فلسفة اليمين المتطرف على أنه يحق لكل شخص إهانة الآخرين، كما يعادون اليهود والمسلمين والسود بالإضافة إلى المثليين. ويتبنى منظمو مظاهرات اليمين المتطرف أفكار منظمة “كو كلوكس كلان”، أشهر الجماعات الأميركية العنصرية البيضاء، والتي تأسست على يد مجموعة من الضباط الذين حاربوا في صفوف جيش الجنوب الانفصالي ويشتهرون بملابسهم وأقنعتهم البيضاء. وارتكبت تلك الجماعة عمليات إبادة جماعية في حق السود.

تقارير تحذر من خطط لاستهداف المسلمين المقيمين في بريطانيا على أيدي متطرفي جماعات النازيين الجدد

وكشفت صحيفة الصنداي تايمز البريطانية عن تقرير يحذر من خطط لاستهداف المسلمين المقيمين في بريطانيا على أيدي متطرفي جماعات النازيين الجدد بالتزامن مع صعودهم في الولايات المتحدة. وتدعو الجماعات المتطرفة إلى الهجوم على المسلمين ردا على الأعمال الإرهابية التي وقعت مؤخرا في لندن ومانشستر. ويحمل اليمينيون فكرا مناهضا لمسلمين ويرون أن طرد المسلمين هو الحل لحماية بلادهم ومنع أوروبا من “الأسلمة”.

وقال التقرير إن “مرتكب هجوم مسجد فينسبري بارك الإرهابي في يونيو الماضي والذي قتل فيه رجل وجرح 11 شخصا، هو عضو بجماعات اليمين المتشدد”.

واجتاح التيار اليمني الشعبوي المعادي للإسلام والمهاجرين العديد من البلدان الأوروبية مع بروز الأحزاب اليمنية في دول مثل فرنسا وألمانيا وهولندا. ورغم أن تيار اليمين مني بهزيمة كبيرة في الانتخابات الهولندية والفرنسية، لكن تتصاعد موجة اليمين المتطرف، الذي يزيد مؤيدوه كل يوم، بعد أن حقق أصحاب النزعة القومية في بريطانيا نجاحا بالانفصال من الكيان الأوروبي ومغادرة البيت الأوروبي.

وتستعد ألمانيا التي عانت من اعتداءات إرهابية خلال العامين الماضيين، لانتخابات برلمانية حاسمة. ويراهن حزب “البديل” اليميني، الذي يدعو لطرد المسلمين من ألمانيا، على الفوز بالانتخابات. وتروج أحزاب اليمين للإسلام باعتباره عدوا جديدا للغرب بديلا للشيوعية التي انهارت مع هزيمة الاتحاد السوفييتي. وتحذر تلك الجماعات باستمرار من خطر أسلمة أوروبا وتدعو إلى طرد المسلمين من بلادهم.

ولا يمكن التغاضي عن دور داعش المحوري في زيادة الكراهية اتجاه الإسلام، بعد ارتفاع وتيرة العمليات الإرهابية في أوروبا والتي راح ضحيتها المئات في ألمانيا وفرنسا وبلجيكا وبريطانيا منذ عام 2014.

ويتماهى داعش مع أحزاب وجماعات اليمين المتطرف في استخدام القنوات الإعلامية علي الإنترنت لنشر فكره العنيف وخطاب الكراهية لجذب المئات ليكونوا أدوات العمليات التحريضية المستقبلية.

وانتهجت دول أوروبية سلسلة من الإجراءات الأمنية، التي اعتبرها البعض معادية للمسلمين، لعل أبرزها إقرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان حظر النقاب في الأماكن العامة وقرار محكمة العدل الأوروبية الذي قضى في مارس الماضي بإمكانية أرباب العمل حظر ارتداء الحجاب في أماكن العمل إذا كانت الرموز العقائدية محظورة بوجه عام في الشركة.

ويحمل البعض موجة العداء اتجاه المسلمين إلى الجاليات المسلمة المحافظة التي اتسمت بنهجها المتطرف وانعزالها عن المجتمع الأوروبي، وعدم مقاومتها لجماعات الإسلام المتطرف والتغاضي عن ارتكاب هجمات إرهابية في المدن الأوروبية.

وتشكل أوروبا بشكل عام وبريطانيا وفرنسا خصوصا ملاذا آمنا للكثير من الجماعات المتطرفة، والإسلاميين الذين ثبتوا أوصالهم في أوروبا منذ بداية السبعينات كجمعيات أهلية خيرية تحصل على أموال من الخارج مجهولة المصدر.

وعلى مدارعقود نجحت تلك الجمعيات في نشر مذاهب متطرفة تعتمد أيديولوجيتها على ضرورة محاربة الغرب وتدميرهم من أجل إقامة خلافة إسلامية. ونجحت العشرات من الجمعيات الموجودة في أوروبا في تجنيد واستقطاب الآلاف من المسلمين في أوروبا ليشكلوا نواة تسببت بالمئات من العمليات الإرهابية في أوروبا عن طريق عمليات “الذئاب المنفردة “. ويرى مراقبون أن دولا أوروبية تدفع ثمن توفير مساحة لتلك الجمعيات المشبوهة بين أراضيها.