20 عاماً من الصفقات المشبوهة..

قطر والحوثيون.. خنجر في ظهر الأشقاء

الحوثيون في اليمن

أحمد مراد (القاهرة)

قبل 20 عاماً من الآن، عقدت دولة قطر العزم على اللعب بورقة مليشيا الحوثي اليمنية من أجل إثارة القلاقل والاضطرابات على الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية، وأبرمت الدوحة مع الحوثيين ما يشبه «صفقة مشبوهة» تحقق مصالح الطرفين، بحيث يقدم حكام قطر للحوثيين التمويل والدعم اللازمين لبسط نفوذهم العسكري والاقتصادي على الساحة اليمنية، مقابل أن يكون الحوثيون أحد أذرع المؤامرة القطرية على المنطقة العربية، وبالأخص المملكة العربية السعودية.

وفي سطور التقرير التالي، ترصد «الاتحاد» ملامح العلاقة المشبوهة التي جمعت قطر بالحوثيين، وأوجه الدعم الذي قدمه القطريون لمقاتلي الجماعة الإرهابية.

منذ ما يقرب من 10 أعوام، وبالتحديد في الثامن والعشرين من يناير عام 2007، شهدت اليمن الموجة الرابعة من معارك صعدة، معقل مليشيا الحوثي، بين الجيش اليمني ومقاتلي الحوثيين، والتي أسفرت عن عشرات القتلى والمصابين في صفوف القوات الحوثية، وبعد أيام قليلة نجحت قوات الجيش اليمني في التقدم تجاه منطقة مطرة الجبلية، والتي كانت آخر معاقل الحوثيين في شمال محافظة صعدة.

وفجأة، ومن دون مقدمات أو سابق إنذار، دخلت قطر على خط المعارك، وطرحت مبادرة للوساطة بين الطرفين، وفي السادس عشر من يونيو 2007 وقع الطرفان على اتفاق برعاية قطرية يقضي بوقف تقدم الجيش اليمني نحو منطقة مطرة، والإفراج عن مساجين حوثيين في السجون اليمنية، مقابل تسليم سلاح جماعة الحوثي، ورحيل زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي وعدد من القيادات الحوثية الأخرى إلى العاصمة القطرية الدوحة، وتعهدت قطر في هذا الاتفاق بدفع مساعدات وتعويضات، وتنفيذ مشروعات عدة لإعادة إعمار المناطق التي تضررت من جراء المعارك.

ومع مرور الأيام، تبين للجميع أن الوساطة القطرية جاءت في مصلحة جماعة الحوثي، حيث أنقذتها من هزيمة ثقيلة كانت كفيلة بالقضاء على هذه الجماعة نهائياً، وقد خرجت في ذلك الوقت تصريحات من قوى سياسية يمنية تتهم الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح بالتورط في إبرام صفقة مشبوهة مع قطر، حصل بمقتضاها على مبالغ مالية كبيرة مقابل وقف زحف القوات اليمنية ضد الحوثيين.

وبحسب ما جاء في إحدى الوثائق المسربة، قدمت الدوحة دعماً للحوثيين بمبلغ مالي قدره 13 مليون دولار، أثناء توسطها بين الجيش اليمني وجماعة الحوثي، ونجح الحوثيون من خلال الدعم القطري في صنع قاعدة قوية وصلبة لهم، حيث تم توزيع الأموال وإغراء الناس، وشراء الأسلحة، وكل ذلك كان يتم تحت ستار مشروعات إعادة الإعمار، مع العلم بأن الدوحة لم تعِد إعمار شبراً واحداً من الأراضي اليمنية المتضررة.

وبعد عام من وقف المعارك، استطاع الحوثيون أن يعيدوا ترتيب صفوفهم، الأمر الذي مكّنهم من إشعال مواجهات عسكرية جديدة ضد قوات الجيش اليمني في عامي 2008 و2009، وفي العام التالي  2010  عادت قطر للتدخل من جديد في الأزمة عبر رعايتها لاتفاقية جديدة بين الحكومة اليمنية والحوثيين، وهي الاتفاقية التي تم التوقيع عليها في 21 يونيو 2010 بالعاصمة القطرية الدوحة، وجاءت اتفاقية الدوحة الجديدة لتصب مرة أخرى في مصلحة الحوثيين، حيث فرضت وجود الحوثيين كجزء من معادلة النظام الحاكم في اليمن، وذلك بعد أن تمكن الحوثيون من إسقاط نحو 90 في المئة من مناطق محافظة صعدة في أقل من شهرين بعد أن كانوا يسيطرون على 2 في المئة فقط من مساحة المحافظة.

ويخطيء من يظن أن علاقة الدوحة بالحوثيين بدأت في 2007 فقط، حيث تعود هذه العلاقة إلى تاريخ أبعد من ذلك بكثير، الأمر الذي كشفت عنه وثيقة تم تسريبها مؤخراً، وهي عبارة عن خطاب موجه من مؤسس وزعيم جماعة الحوثي، بدر الدين الحوثي، والد حسين وعبدالملك الحوثي، إلى أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وجاء نص الخطاب كالتالي:

«أخونا الكبير أمير دولة قطر المفدى صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، حفظه الله، بفضل من الله تعالى وبدعمكم السخي وبكريم وقفة أسود الإسلام في إيران العزيزة، استطاع جند الإسلام الحوثيون الأبرار أن ينالوا من جند الكفر والضلال حتى أجبروا على الفرار كالجرذان نحو جحورهم في جازان، وباستمرار هذا الدعم المبارك نعاهد الله ورسوله، ونعاهدكم يا سمو الأمير بمواصلة القتال حتى القضاء على وهابية الشرك والفسق والفجور في يمننا المسلم، ثم الزحف المقدس نحو أراضينا المقدسة وتطهيرها من دنس الشرك، والنجس الوهابي، ساعات قليلة يا سمو الأمير، وسيرى العالم المسلم من مشارق الأرض إلى مغاربها، رايات النصر وهي مرفوعة على سواري جازان العزيزة، ساعات قليلة وترى الأعين المسلحة فرسان وجند الحوثيين المؤمنين وهم قابضون بإيمانهم على كل ذرة من تراب جازان العزيزة، نعاهدكم يا أمير المؤمنين بمفاجأة سوف ترهل كل كائن حي على الأرض، بعد أن أصبحنا بفضل الله ودعمكم مالكين للقوة التي تفوق قوة المشركين، وبعد أن امتلكنا المفاتيح التي ستمكننا من تحديد الزمن المناسب لمعركتنا الكبرى ومتى ستنتهي، نعاهدكم يا سمو الأمير على الطاعة، تقبل الله طاعاتكم، ووفقكم للخير ونصرة الإسلام»، وحمل هذا الخطاب تاريخ 4 ربيع الأول 1431 هجرية.

وفي وقت سابق، تم تسريب تسجيل صوتي لأمير قطر السابق حمد بن خليفة آل الثاني، تحدث فيه عن سعيه إلى اللعب بورقة الحوثيين لإثارة القلاقل والاضطرابات على الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية، وتعهد الأمير القطري بالعمل على تنفيذ أجندة لاستهداف وجود المملكة عبر إثارة الفتنة على أساس عقدي، وكان الطرف الآخر من الحديث هو الرئيس الليبي الراحل القذافي.

كما كشفت وثائق مسربة من أرشيف الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح عن ملامح علاقة قطر بالمقاتلين الحوثيين التي استمرت من عام 2000 وحتى عام 2013، والأموال التي دفعتها الدوحة للحوثيين تحت غطاء إعمار صعدة، حيث كان القيادي الحوثي يحيى قاسم عواضة يتسلم من قطر 100 ألف دولار شهرياً.

ووفقاً لهذه الوثائق أيضاً، قدمت قطر للحوثيين أكثر من 100 جهاز اتصال دولي «ثريا»، حتى يستطيع عبدالملك الحوثي التواصل مع طهران، وهو في كهفه بصعدة، إضافة إلى 5 سيارات مصفحة، فضلاً عن أن قطر نقلت عشرات الخبراء العسكريين من «حزب الله» إلى صعدة بين عامي 2007 و2008 لتدريب الحوثيين وحفر الطرقات، وذلك بأسماء ومناصب مستعارة.

كما أدخلت قطر بالتعاون مع إيران منظومة اتصالات عسكرية حديثة إلى صعدة ومناظير ليلية ومعدات لتصنيع المتفجرات والألغام، وذلك عبر شركة «بارسيان» الإيرانية التي عملت في اليمن منذ عام 2007 وحتى 2009 في محطة تحويل الكهرباء.

وتعليقاً على العلاقات والصفقات المشبوهة التي جمعت بين قطر والحوثيين، شدد المحلل السياسي اليمني محمود الطاهر  مقيم في القاهرة  أن العلاقات القطرية مع الميليشيات الحوثية ممتدة ولها تاريخ منذ بداية الحركة في اليمن، حيث كانت الدوحة تتوسط لهم في الحروب الـ 6 التي شنها ضدهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح قبل أن يتحالف معهم.

وقال الطاهر: كانت قطر بمثابة حلقة الوصل بين إيران والميليشيات الحوثية التي لم يكن لها أي دور أو قيمة قبل أن تمدهم قطر بمختلف أوجه الدعم والتمويل، حيث تحالفت معهم قطر، وأظهرتهم للرأي العام الدولي على أنهم فئة مهمشة.

كما كانت قطر حلقة الوصل بين الحوثيين والولايات المتحدة، حيث هي من أوصلت صوتهم إلى واشنطن، وبعدها تجاوز الحوثيون قطر وتواصلوا مع أميركا بشكل مباشر، ومن ثم أعطتهم الولايات المتحدة الضوء الأخضر لاقتحام صنعاء، وإعلان ما سمى حينها بالإعلان الدستوري الخاص بهم.

وأضاف: وفي إطار الدعم القطري لجماعة الحوثي، جاءت زيارة أمير قطر السابق حمد بن خليفة لليمن في مايو 2007، وكان الهدف من ورائها إنقاذ الحوثيين من هزيمة ثقيلة كان من المتوقع أن تلحق بهم على أيدي قوات الجيش اليمني، وبعد هذه الزيارة بفترة قصيرة جاء إلى اليمن وفد من وزارة الخارجية القطرية برئاسة ضابط استخبارات هو سيف مقدم أبو العينين  مندوب قطر في الجامعة العربية حالياً وسفيرها لدي القاهرة قبل المقاطعة  وتولى الوفد القطري مهمة الإشراف على وقف إطلاق النار بين الجيش اليمني والحوثيين الذي أعلن في 16 يونيو 2007 بناء على المبادرة القطرية، وخلال هذه الفترة تم الإعلان عن إطلاق عدة مشروعات لإعادة إعمار صعدة بتمويل قطري قيمته نصف مليار دولار، وخلال هذه الفترة أيضا استضافت الدوحة القيادي الحوثي يحيى بدر الدين الحوثي. كما سافر إلى الدوحة وفد من القادة الحوثيين المسلحين على متن طائرة قطرية خاصة.

ومن ناحية أخرى، أوضح عبدالله إسماعيل، كاتب وباحث سياسي يمني  مقيم في القاهرة  أن قطر لعبت دورا كبيرا جدا في دعم الحوثيين منذ عام 2004، وذلك مع الحرب الأولى التي شنتها مليشيات الحوثي ضد الدولة اليمنية، لافتاً إلى أن قطر لها دور كبير في دعم الحوثيين وتحويلهم من مجرد مسلحين في إحدى قرى صعدة إلى ند سياسي للدولة اليمنية، حيث دخلت في وساطات كثيرة للضغط على الحكومة اليمنية لتحقيق أهداف تصب في صالح الحوثيين.

وقال إسماعيل: استضافت الدوحة قيادات الحوثيين وقت أن كانت تلك الجماعة غير معترف بها على الإطلاق سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، وكانت الدوحة تتدخل لصالح الحوثيين وتضغط باتجاه التعامل معهم على أنهم ند وفصيل سياسي، وأنهم جماعة لها مطالبها التي يجب أن تستجيب لها الحكومة، وكان الكثير من الأصوات في اليمن تستغرب للتدخل القطري الذي كان يبدو أنه بإيعاز من إيران، وأيضاً للبحث عن دور أكبر من حجمها الطبيعي.

وأشار، إلى أنه بعد سقوط اليمن في قبضة الحوثيين لم يكن هناك موقف واضح لقطر حتى ظهر التحالف العربي، وكان دور قطر في هذا التحالف باهتا جدا، وقد اعترفت أنها ارغمت على الدخول فيه، وهي في الحقيقة كانت تلعب في اتجاه آخر لتوصيل الأموال والمساعدات والسلاح للحوثيين وفقا لما ذكرته تقارير دولية.

وأوضح الطاهر أن التصريحات التي أدلى بها وزير الدفاع القطري خالد العطية، والتي أكد فيها أن قطر لم تكن راغبة في المشاركة في قوات التحالف العربي من أجل اليمن، وأن بلاده وجدت نفسها مجبرة للانضمام لهذا التحالف، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك علاقات مشبوهة جمعت بين الدوحة وجماعة الحوثي، ولاسيما وأن هذه التصريحات قُوبلت بترحيب شديد وحفاوة كبيرة من قبل الحوثيين، حيث أشاد المدعو محمد علي الحوثي، رئيس ما يسمى بـ«اللجان الثورية» في اليمن، بهذه التصريحات، وطالب قطر بالمضي قدماً في ذات الطريق.