العيد الوطني السعودي..

الإمارات والسعودية.. الحزم في مواجهة الأطماع

الملك سلمان بين محمد بن راشد ومحمد بن زايد

وام (أبوظبي)

شكلت دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية ركنا أساسيا من أركان الأمن الجماعي العربي والخليجي، وتحقيق التطلعات في الأمن والتنمية والاستقرار.. والأهم من ذلك إعادة الأمة إلى مكانها وتأثيرها الطبيعي في أحداث المنطقة والوقوف بحزم في وجه الأطماع والمؤامرات التي تحاك ضدها.

تحولات مهمة

مع احتفال المملكة العربية السعودية بالذكرى الـ87 لليوم الوطني السعودي تمر المنطقة بتحولات غاية في الأهمية سترسم بشكل كبير مستقبل الخارطة السياسية لسنوات طويلة، وهو ما أدركته قيادتا البلدين بقيادة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود عاهل المملكة العربية السعودية.

 وتؤكد المعطيات والشواهد أن البلدين يرتبطان بعلاقات تاريخية وشراكة استراتيجية راسخة وشاملة ومواقف ورؤى متطابقة، فضلا عما تحظيان به من تقدير وثقة دولية كبيرة تجزم بأن الدولتين قادرتان بالتعاون والتنسيق مع دول عربية شقيقة على إعادة التوازن والحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة العربية وضمان مصالح شعوبها.

وتعتبر العلاقة بين دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجا فريدا للعلاقات الثنائية ما بين الأشقاء، التي تقوم على أسس تاريخية صلبة، تعززها روابط الدم والمصير المشترك، وتحكمها وحدة الرؤى والمصالح في التعامل مع جميع القضايا الخليجية والعربية والعالمية.

تاريخ العلاقات الراسخة

يعود الفضل في تأسيس هذه العلاقات الراسخة ما بين البلدين إلى المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراهما، اللذين حرصا على توثيقها باستمرار وغرسها بذاكرة الأجيال المتعاقبة حتى تستمر على ذات نهج التنسيق والتعاون والتشاور المستمر حول المستجد من القضايا والموضوعات ذات الصبغة الإقليمية والدولية، بما يكفل الانسجام التام والكامل لجميع القرارات المتخذة من البلدين الشقيقين في القضايا والموضوعات ذات الاهتمام المشترك.

وتمثل العلاقات الثنائية بين البلدين ركناً أساسياً من أركان الأمن الجماعي في مجلس التعاون لدول الخليج العربية والأمن القومي العربي، حيث تراهن شعوب المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج على التحالف السعودي-الإماراتي في تحقيق تطلعاتها في الأمن والتنمية والاستقرار، ولم يأت ذلك من فراغ وإنما من معطيات وشواهد بليغة ترتبط بعلاقاتهما التاريخية وشراكتهما الاستراتيجية الراسخة والشاملة، ومواقفهما ورؤاهما المتطابقة، فضلا عما تحظيان به من تقدير وثقة دولية كبيرة، تؤكد أن البلدين قادران، بالتعاون والتنسيق مع دول عربية شقيقة في مقدمتها جمهورية مصر العربية، على إعادة التوازن والحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة العربية وضمان مصالح شعوبها.

وخلال العقد الأخير خطت العلاقات بين الإمارات والسعودية خطوات استراتيجية مهمة، جعلت منها نموذجا لما يجب أن تكون عليه العلاقة بين الدول العربية، ومثالاً على الوعي المشترك بطبيعة المتغيرات الإقليمية والدولية المحيطة، وأهمية التعامل معها بسياسات ومواقف متسقة ومتكاملة، وقد عبر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، عن هذه القناعة خلال الزيارة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى الإمارات في 3 ديسمبر 2016، حينما غرد عبر حسابه الشخصي على تويتر قائلا: "علاقات المملكة ودولة الإمارات تجاوزت العلاقات الدبلوماسية والتحمت لتكون علاقة العضد بعضيده.. نسأل الله أن يحمي هذا الجسد الواحد".

صمام أمان الأمة

تؤمن دولة الإمارات العربية المتحدة أن المملكة العربية السعودية تشكل صمام أمان الأمة، وحاملة راية الدفاع عن مصالحها ضد جميع الأطماع والمشاريع التي تهدف إلى شق وحدة الصف العربي، وهذا ما عبر عنه صراحة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، خلال الزيارة التاريخية نفسها، حيث قال "إن دولة الإمارات آمنت دائما بأن المملكة العربية السعودية هي عمود الخيمة الخليجية والعربية، وإن أمنها واستقرارها من أمن واستقرار الإمارات، وغيرها من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والدول العربية الأخرى".

وأضاف "أن التاريخ العربي سوف يتذكر على الدوام المواقف التاريخية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وقراراته الحاسمة والحازمة في مواجهة محاولات التدخل في المنطقة العربية، من قبل أطراف خارجية لها أطماعها فيها".

وتعد العلاقات الإماراتية السعودية انعكاساً حقيقياً لتناغم شعبي واضح بين البلدين، حيث أصبح السعوديون يجدون في الإمارات بيتهم الثاني الذي يشعرون فيه بأنهم في بلدهم وبالأمان والتقدير، ولذلك اتجهت بوصلة الأعمال والسياحة السعودية باتجاه الإمارات بشكل واضح، والعكس صحيح أيضا.

تطور العلاقات

تميزت العلاقات السعودية الإماراتية بالتوجه نحو الشكل المؤسسي، وقد برز ذلك جليا من خلال تأسيس لجنة عليا مشتركة في مايو 2014 برئاسة وزيري الخارجية في البلدين.. وقد شكلت هذه اللجنة تحولاً نوعياً في العلاقات بين البلدين، وعملت على تنفيذ الرؤية الاستراتيجية لقيادتي البلدين للوصول إلى آفاق أرحب وأكثر أمنا واستقرارا لمواجهة التحديات في المنطقة، وذلك في إطار كيان قوي متماسك بما يعود بالخير على الشعبين الشقيقين، ويدعم مسيرة العمل الخليجي المشترك.

وفي الشهر نفسه من عام 2016 وقع البلدان على اتفاقية إنشاء مجلس تنسيقي بينهما، يهدف إلى التشاور والتنسيق في الأمور والمواضيع ذات الاهتمام المشترك في المجالات كافة، حيث نصت الاتفاقية على أن يجتمع المجلس بشكل دوري، وذلك بالتناوب بين البلدين.

وفي ترجمة سريعة لنتائج إنشاء المجلس التنسيقي جاء انعقاد "خلوة العزم" التي انعقدت على مرحلتين، الأولى في 21 فبراير الماضي بأبوظبي، بمشاركة أكثر من 150 مسؤولاً حكومياً وعدد من الخبراء في مختلف القطاعات الحكومية والخاصة في البلدين، والتي بحثت سبل تفعيل بنود الاتفاقية الموقعة بينهما بإنشاء المجلس، ووضع خارطة طريق له على المدى الطويل ليكون النموذج الأمثل للتعاون والتكامل بين الدول، ولتعكس حرص البلدين على توطيد العلاقات الأخوية بينهما، والرغبة في تكثيف التعاون الثنائي عبر التشاور والتنسيق المستمر في المجالات ذات الأولوية.

وانعقدت المرحلة الثانية من "خلوة العزم" في الـ13 من إبريل الماضي بالرياض، وناقشت آليات تعزيز المنظومة الاقتصادية المتكاملة بين البلدين، وإيجاد حلول مبتكرة للاستغلال الأمثل للموارد الحالية، من خلال عدد من المواضيع أهمها البنية التحتية والإسكان، والشراكات الخارجية، والإنتاج والصناعة، والزراعة والمياه، والخدمات والأسواق المالية، والقطاع اللوجستي والنفط والغاز والبتروكيماويات، والشباب والتطوير الحكومي والخدمات الحكومية وريادة الأعمال، والسياحة والطاقة المتجددة، والاتحاد الجمركي والسوق المشتركة.

وسطاء الخير

تعتبر العلاقة بين الإمارات والسعودية صمام أمان لحفظ الاستقرار والسلام في المنطقة والعالم، خاصة أن تاريخ البلدين يمتلئ بالمبادرات لتسوية الخلافات العربية أو دعم الدول العربية، حيث تعمل كل من السعودية والإمارات على التعاطي بشكل موحد في القضايا والمستجدات من خلال مبدأ التكاتف في مواجهة التحديات، والتي ظهرت بشكلها الواضح في قضايا اليمن وإيران وغيرهما من الصعوبات التي تواجه المنطقة، مما شكل سداً منيعاً أمام تلك التحديات، خاصة مع ما تتميز به سياسة البلدين، سواء على المستوى الإقليمي أو العالمي من توجهات حكيمة ومعتدلة ومواقف واضحة في مواجهة نزعات التطرف، والتعصب والإرهاب، والتشجيع على تعزيز الحوار بين الحضارات والثقافات، وتجلي التأثير الإيجابي للشراكة الإماراتية-السعودية على الأمن القومي الخليجي، حيث لعب البلدان دورا كبيرا في التصدي لحركة الاحتجاجات التي شهدتها مملكة البحرين الشقيقة في مارس عام 2011، وقادا تحركا عاما لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بإرسال قوات "درع الجزيرة" إلى مملكة البحرين، انطلاقاً من الاتفاقيات الأمنية والدفاعية الموقعة بين دول المجلس، وهو الأمر الذي كان له عظيم الأثر في إعادة حفظ الأمن والاستقرار إلى مملكة البحرين.

منظومة مجلس التعاون

ولعب البلدان دورا محوريا في الحفاظ على التماسك داخل منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وفي هذا السياق جاء القرار الذي اتخذته كل من الإمارات والسعودية ومعهما مملكة البحرين وجمهورية مصر العربية في الـ5 من شهر يونيو 2017، بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر بعد استنفاد كل المحاولات الدبلوماسية لإعادة قطر إلى الإجماع الخليجي والعربي، وبعد أن فاض الكيل جراء سياساتها ومواقفها الأخيرة التي تنطوي على تهديد واضح للأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي.

ويحسب للإمارات والسعودية أنهما كشفتا الأدوار التخريبية التي تقوم بها إيران في زعزعة أسس الأمن والاستقرار في المنطقة، ولعل مخرجات القمتين الخليجية-الأمريكية، والقمة الإسلامية-الأمريكية بالرياض في شهر مايو 2017 تؤكدان ذلك بوضوح.

وشاركت الإمارات في التحالف العربي لنصرة الشرعية باليمن بقيادة المملكة العربية السعودية، وكانت الدولة الثانية في هذه العملية من حيث قوة المشاركة والتأثير السياسي والعسكري، ولا شك في أن الدور السعودي-الإماراتي في اليمن رسخ من علاقة التحالف بين البلدين، خاصة أن عملية عاصفة الحزم جاءت تتويجاً لعلاقات امتدت جذورها في التاريخ وتعمقت في الحاضر والمستقبل بهدف تعزيز الشراكة الاستراتيجية بينهما، وبما يسهم في مواجهة التحديات والمخاطر التي تهدد أمنهما المشترك وأمن دول المنطقة بوجه عام.

وانضم البلدان إلى الجهود الإقليمية والدولية الرامية للتصدي للتطرف والإرهاب، حيث شاركا في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم "داعش" الإرهابي في عام 2014، كما تقوم الإمارات والسعودية بدور محوري ورئيسي في الحرب الدولية ضد التطرف والإرهاب، خاصة فيما يتعلق بالتصدي للجوانب الثقافية والفكرية، وهي جهود تحظى بتقدير المجتمع الدولي أجمع.

التعاون الاقتصادي

الفرص الموجودة في العلاقات السعودية الإماراتية هائلة، فهما أول وثاني اقتصاد في المنطقة على التوالي، وتمتلكان إمكانيات وعلاقات ضخمة على المستوى الإقليمي والدولي، كما تعتبر العلاقة التجارية والاقتصادية بينهما الأكبر بين مثيلاتها في دول مجلس التعاون الخليجي، وتعد الإمارات واحدة من أهم الشركاء التجاريين للسعودية على صعيد المنطقة العربية بشكل عام ودول مجلس التعاون الخليجي بشكل خاص، بحجم تبادل تجاري يصل إلى 21,452,154,330 درهماً.

وتتصدر دولة الإمارات قائمة الدول الخليجية المصدرة إلى السعودية، كما تأتي في مقدمة الدول الخليجية التي تستقبل الصادرات السعودية، وتأتي في مرتبة متقدمة في قائمة الدول العشر الأولى التي تستورد منها السعودية، وتلعب الاستثمارات المشتركة بين الإمارات والسعودية دوراً حيوياً في هذا الجانب، إذ تتجاوز الاستثمارات السعودية في الإمارات 35 مليار درهم، وتعمل في الإمارات حاليا نحو 2366 شركة سعودية مسجلة لدى وزارة الاقتصاد و66 وكالة تجارية، ويبلغ عدد المشاريع السعودية في الإمارات 206 مشاريع، بينما يصل عدد المشاريع الإماراتية المشتركة في السعودية إلى 114 مشروعا صناعيا وخدميا، برأسمال مال 15 مليار ريال.

ويعتبر إطلاق مدينة الملك عبدالله الاقتصادية بتكلفة تتجاوز الـ100 مليار ريال نقلة مهمة في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، حيث تم تشكيل تجمع إماراتي سعودي بقيادة شركة "إعمار" الإماراتية وبالتحالف مع شركات سعودية لتنفيذ المشروع على ساحل البحر الأحمر، ويشير مراقبون إلى أنه من المتوقع أن تقود كل من السعودية والإمارات قطاع توليد الطاقة على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وتلعب السياحة بين البلدين دورا مهما وحيويا في تعزيز الروابط التجارية والاقتصادية بينهما، وتعد من بين أهم القطاعات الواعدة التي توفر فرص الاستثمار وجذب المزيد من المشاريع المشتركة، لتنويع القاعدة الاقتصادية والتجارية في البلدين، خاصة بعد أن خصصت دولة الإمارات مبالغ مالية ضخمة للسنوات العشر المقبلة لتطوير هذا القطاع، بعد النجاحات المطردة التي حققتها في جذب شركات السياحة العالمية لما تتمتع به من مقومات أساسية تكفل نجاح الصناعة السياحية فيها، وفي مقدمتها الأمن والاستقرار والموقع الجغرافي، الذي يربط بين مختلف قارات العالم والبنية الأساسية الحديثة والمتطورة من مطارات وموانئ وشبكة طرق ووسائل اتصالات، وغيرها من الخدمات الراقية التي يوفرها أكثر من 450 فندقا في الدولة.