زمن لا يعترف إلا بلغة الموت..

دموع فرح العراقية

صورة جديدة مضافة إلى ألبوم القهر في العراق

نهى الصراف

يقال إن العينين هما نافذتا الروح حيث نطل من خلالهما على هذا العالم الواسع، نمرر رسائلنا، بكاءنا وفرحنا إلى الآخرين. ما تقوله العيون من كلام هي لغة الوصل الوحيدة التي يتقنها من يعجز عن الصراخ ألما أو يأسا أو إحساسا فظيعا بالظلم.

عندما يكون الحوار عينا لعين، يمكننا أن نترجم مشاعر الآخر، ما يريد أن يقوله لنا، كما يمكننا أن نرى أنفسنا في مرآة روحه من خلال نظراته التي يردها لنا حبا كانت أو عتابا أو استهجانا. للعيون جاذبية وسحر وهي سرّ من أسرار الجمال، لكن ما مدى أهمية جاذبية العين إذا لم تجد من يتسلم رسائلها الصامتة ويقرأ من خلالها ما تخطه يد القلب؟

الشهر الماضي، بكت فرح العراقية كثيرا خلف كواليس روحها، ثم واصلت بكاءها بدموع كثيفة التقطتها كاميرا متطفلة، لكن العين الباكية كانت مقيدة في إطار صورة شاهدها الملايين، كانت تفسر نظراتها في اتجاه واحد لا ترى منه سوى الفراغ.

لم تكن الطفلة تعلم علم اليقين إذا ما كانت العيون التي تطالعها من الجانب الآخر من الكاميرا قد ذرفت هي الأخرى دموعا موازية، وربما، لمحت دمعة واحدة في الأقل كانت معلقة في طرف عين تطالعها من بعيد دون أن تشعر، دمعة أبت أن تسقط وأبت أن تنشف، لكن فرح الحزينة ستعرف عندما تكبر قليلا، أن عيونا كثيرة اكتفت بإلقاء نظرة سريعة على بكائها المؤطر بطلب النجدة من مجهول، ثم حجبت المشهد بستارة سميكة من اللا مبالاة.

هل هذه مفارقة أن يكون اسمها فرح؟ عيون فرح كانت حزينة، وهي تناشد الناس في صورة جديدة مضافة إلى ألبوم القهر في العراق، حين ظهرت في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن اختطفت عصابات داعش والدها مع مجموعة من الرجال على الطريق الرابط بين العاصمة بغداد وكركوك (شمالا)، ثم هددت بقتلهم.

أيام معدودة على أصابع يد كانت تمسك بزناد الموت، مرّت على خاطر فرح المفطور كسحابة كئيبة ملّبدة بخوف وترقب، بأمل شفيف، ثم وصلت إلى نقطة اللا عودة فأمطرت حزنا ولوعة.

كنا نراقب المشهد بصمت، ونحلم بامتلاك مظلّة سحرية نستطيع أن نحجب بها نوايا الغيمة خوفا من أن تمطر مطرها الأسود على ملامح فرح، لكننا أخفقنا. وما زلنا نعيش ها هنا، أسرى لعالمنا الداخلي الذي صنعناه من خيالنا وغذيناه بقلّة حيلتنا ثم مكثنا فيه بإرادتنا، عالم أناني لا يعبأ بفظاعة الواقع.

أمر محزن.. فحتى الكلمة التي حلمنا بأننا امتلكناها لنلون بها أحزان البسطاء، هاهي تمتلكنا وتسخرنا لمصلحتها وأصبح الصمت هو كل ما نملك إزاء شرور هذا العالم.

لم تصل رسالة فرح ولم تترجم لغة عيونها الدامعة، في زمن لا يعترف إلا بلغة الموت. قُتل والدها ومعه رفاقه، وانطوت صفحة أخرى من صفحات الدمار في كتاب العراق الدامي. ستجف دموع فرح يوما ما، لكنها ستبقى معلّقة على وجوهنا.