أيام المدرسة..

ذلك الدفتر.. وتلك الأغنيات!

دفتر المدرسة

عائشة سلطان

أتذكر تماماً أنني وأنا في المدرسة الابتدائية لم أتجاوز الحادية عشرة من عمري كنت أحتفظ بدفتر صغير ذي غلاف أحمر، كنت أحرص على أن أسجل فيه أسماء الأفلام المصرية التي كان يعرضها التلفزيون المحلي (تلفزيون الكويت من دبي)، هكذا كان اسم تلفزيون دبي في أول بثه، فكنت أسجل اسم الفيلم وأسماء الممثلين، وأكتب سطراً ربما عن موضوع الفيلم بالطريقة التي فهمته بها، وقد احتفظت بالدفتر طويلاً إلى أن تلاشت تلك العادة عندي!

ما زلت أتذكر تعلقي الشديد بعالم الأفلام العربية ونجوم السينما، وبالتأكيد فأنا لا أدري لماذا كنت أحرص على أن أجعل سجلاً لمشاهداتي من تلك الأفلام، ولا كيف خطرت لي الفكرة، وما آل إليه الدفتر ذو الغلاف الأحمر، لكنني أتذكر أنني كمراهقة صغيرة قد كوّنت الكثير من تصوراتي والعديد من أفكاري وأحلامي ورؤيتي لهذا العالم من خلال تلك الأفلام التي كانت بالأبيض والأسود؛ ألم نحلم بالبطل الوسيم، وبالسفر إلى تلك الأمكنة التي كانت توقف قلوبنا لجمالها كالحدائق والشواطئ، ألم نتمنَّ أن نكون كنجلاء فتحي وأن يغني لنا عبد الحليم حافظ كما كان يغني لنادية لطفي وفاتن حمامة!

مع ذلك فقد انتهى زمن أفلام الأبيض والأسود، وبقيت الأحلام كما هي، وبقيت الثيمات الرمزية على حالها، وإن أصبحت معالجتها تتم بشكل فج يركز على المال والماديات أكثر من الرومانسيات التي كانت السمة الغالبة لأفلام زمان. اليوم لا وجود لليلى مراد، لشادية، وصباح، ونجاة، اللواتي يعبرن عن كل هواجس الفتيات، والحبيبات بالأغاني، ولا وجود لفريد الأطرش ولا لعبد الحليم الذي كان يختصر عذابات الحب بتلك الأغاني التي انغرست في قلوب جيل كامل من مراهقي الوطن العربي!

ما زلت أتذكر صوت محمد منير وهو يحوّل ذلك المشهد المكلل بالكآبة في فيلم (المصير) إلى مشهد ضاج بالحياة والموسيقى والرقص، إذ يغير بصوته مزاج الجميع وهو يدعوهم لأن يغنوا ويعلوا أصواتهم بالغناء! وإذ يلوح في خاطرك السؤال اليوم إن كان لا يزال هناك متسع للغناء بعد؟ أبعد كل ما مررنا به ولا نزال نمر؟ يجيبك صوت محمد منير:

علي صوتك بالغنا           لسه الأغاني ممكنة

ولو في يوم راح تنكسر    لازم تقوم واقف كما

النخل باصص للسما       غنوتك وسط الجموع

تهز قلب الليل فرح     تداوي جرح اللي انجرح

ليست القضية في الأغاني الممكنة، لكنها في أن تسهم الابتسامة في صناعة الأمل، في الإيمان بالغد، والخروج من قلب الليل الذي أمعن البعض سكناه، واعتادوه، وكأنه قدرنا، في حين أنه لا الليل مكتوب ولا الهزيمة قدر، من المؤسف أن كثيراً من فن هذا الزمان أصبح يكرس هذه الروح السوداوية أو تلك الهاربة للخيال والفضاء والعنف المجاني!.