قصة انسانية من تهامة..

حورية الحديدة .. الطفولة جائعة على خط النار

الطفلة التهامية حورية حميدي دلب

ماجد الشعيبي

حورية حميدي دلب واحدة من مئات الأطفال الذين  نقشت المعاناة أثرها على  أجسادهم النحيلة ووجوههم المتعبة .. بلا رحمة ، وبشكل مضاعف دفعت هذه الطفلة ثمن الحرب الدائرة حاليا في محافظة الحديدة مثلها مثل باقي سكان قراها المتناثرة والفقيرة .
في منطقة الفازة - على الخط العام الرابط بين مديرية الخوخة  والتحيتا - تقف حورية مع مجموعة من أترابها تستجدي الأطقم المسرعة للحصول على ما يسد جوعها أو يروي عطشها .. 

على جانبي حفرة عميقة أحدثتها ألغام الحوثيين في الطريق الاسفلتي ترابط حورية مستغلة اضطرار الأطقم العسكرية للإبطاء .. لا تتقن ابنة العاشرة لوازم الاستجداء المعروفة في المدن  من عبارات الدعاء المصطنع الذي يبدأ بطلب الجنة والمغفرة وقد ينتنهي بطلب الزواج .

تبدو حورية حديثة العهد بسلوكها  في عدن قد نطلق عليها "بنت ناس"  أما في الحديدة فهي  " ابنة المعاناة" التي عصرت حياة الناس .. كما أن حرارة الشمس الحارقة جففت ريقها وأعجزتها عن الكلام المطول ، وكعادة التهاميين وبسليقتهم البريئة والواضحة  تكتفي بالتلويح للسيارات أولا ثم الٱشارة بأصابعها  الخمس نحو فمها .. 

حورية ضحكت عندما سألناها لماذا تقف في هذا المكان دون غيره رغم خطورته ،. فالاشتباكات تبعد عنها عشرات الأمتار فقط .. لم تشرح سبب ضحكتها لكن مفارقات الحرب كفيلة بأن تجيب لعلها المستفيدة الوحيدة من ألغام الحوثيين  بينما يموت العشرات أسبوعيا جراء زراعتها العشوائية.

" ما نوطي!! هنا بس يمكن المقاومة يبطئون شوية " .. ورغم تمهل سائقي الأطقم فإنهم نادرا ما يلقون لها بالا .. أصوات الاشتباكات وأعمدة الدخان المتصاعد على امتداد الأفق  تطغى على أصوات وتلويح الأطفال في جانبي الطريق..
لكن حورية لا تبدو ناقمة عمن يتجاهلها  " الله يعينهم ، يعبرون بسرعة لأن الوضع خطر .. بس واحد واحد يوقف لنا جزاهم الله خير " .. هي قنوعة بما تنتزعه من مكاسب تبدو هامشية بالنسبة للمقاتلين، لكنها من  تعينها هي وأسرتها على الاستمرار بالحياة.. و مع أن الموت ينتزع العشرات من اهلها بشكل يومي  إلا أن القناعة تظل سمة التهامين الثابتة في السلم والحرب.

حورية الطريق تختزل حال مئات الأطفال من أقرانها  ممن أبدت المعاناة نفسها في كل تفاصيل حياتهم المريرة منذ أن قرروا التحاف  الرصيف وتكبد  مشقة الأجواء الحارة لاجتراح انتصار يومي قوامه لقمة عيش وشربة ماء استكثرتها عليهم الظروف وسقطت من حسابات المتصارعين الذي تمترسوا في أرضها ليحجبوا عنها الزرع والبحر ويحولوا فقرها المدقع إلى حالة موت جماعي.