إثبات مدى حسن النوايا..

سنوات الحب الكبيسة

ربما يكون الوقت وحده كفيل بإثبات مدى حسن النوايا

يمينة حمدي

"أنا سعيدة لأنني وجدت الشريك المثالي الذي أقضي معه حياتي بأكملها"، هكذا قالت الروائية الأميركية، سارة بارتسكي، في حديثها عن علاقتها مع شريك حياتها الذي تنعم معه بحياة هانئة.

الحب شيء رائع ويتعيّن علينا أن نبحث عنه، وإذا حالفنا الحظ وعثرنا على الشخص الذي يفهمنا ويقدّرنا، فستكون بحق حياتنا معه رحلة مبهجة، لكن ما أصعب عملية البحث عن شريك صادق ومحبّ في عصر يمطرنا بصور الجمال والكمال على منصّات التعارف الافتراضي.

طريقة الترويج للذات في العالم الافتراضي تبدو أسهل بكثير مما كانت في الماضي، وفرص الالتقاء بشريك الحياة المرتقب أكبر، طبعا ذلك بفضل التطبيقات المحسّنة للصور التي منحت الفرصة للجميع ليظهروا في عيون الآخرين رجالا وسيمين ونساء جميلات، ومواقع التواصل الاجتماعي التي سهلت عملية التواصل والتعارف حتى بين الأشخاص الذين لا تجمع بينهم أي معرفة أو علاقة مسبقة.

على أيّ حال، استطاعت العديد من العلاقات العاطفية التي انطلقت في فضاءات الإنترنت، أن تكسب رهان الخبراء وثناء أصحابها بعد أن كللت بزيجات ناجحة. وقد كشفت دراسة نشر ملخص لها في صفحة جامعة فيينا، أن التعارف عبر الإنترنت لم يغيّر فقط بنية المجتمعات، بل وأظهرت أيضا أن تلك العلاقات يمكن أن تستمر طويلا.

لكن رغم أن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي كوسيلة للتعارف قد أضحى واقعا يفرض نفسه اليوم، إلا أن الجانب المظلم الذي لا يمكن أن يمتد له البصر ولا تراه البصيرة، هو طريقة الإبهار التي يقدم البعض بها أنفسهم، والتي لا تنبئ في الغالب بشخصيات أصحابها ولا سلوكياتهم الحقيقية على أرض الواقع.

إلا أن المدافعين عن العلاقات العاطفية على شبكة الإنترنت قد يعتقدون أنّ التعرّف على شخص عن طريق تبادل الأفكار والمشاعر قبل رؤيته وجها لوجه أمر إيجابي في الغالب، ولكن معظمهم لا يدرك أن ذلك التعارف متاح أيضا أمام كل من تسوّل له نفسه استغلال غيره لتحقيق مكاسب جنسية أو مادية. علاوةً على ذلك، فإن الرغبة المتقدة في العثور على شريك الحياة قد جعلت البعض من النساء فريسة سهلة للابتزاز الإلكتروني، وخاصة اللواتي تمارس عليهن المجتمعات الذكورية ضغطا نفسيا كبيرا بسبب تقدّمهن في العمر، ما يجعل الزواج هدفا وحيدا في حياتهن، وهناك الملايين ممن اُصيبوا بخيبة أمل بسبب البحث عن الحب عبر الفضاءات الإلكترونية وبقيت غصتهم مدفونة في قلوبهم خوفا من إساءة الظن بهم وما سيلحقهم من عار جرّاء الكشف عن ذلك.

لا توجد إحصائيات عربية حول هذا الأمر بسبب الخوف من الوصم الاجتماعي، إلا أن الإحصاءات الرسمية في بريطانيا قد كشفت أن 1.9 مليون بلاغ تمّ تقديمه لحوادث تتعلق بالاحتيال عبر الإنترنت في العام في عام 2017 في إنكلترا وويلز، ولكن الرقم قد يكون أكبر من ذلك حيث لا يتمّ الإبلاغ عن كل الحوادث. وتقول إحصاءات أسترالية أن حوالي 10 ملايين دولار أميركي هي محصلة النصب لهذا العام باسم الحب فقط في أستراليا.

تكمن المشكلة في أن معظم الأشخاص يعتمدون على طرق مختصرة لربط علاقات، وكثيرا ما يصدقون التقديم المقتضب الذي يقدّمه الطرف المقابل عن نفسه، ومن دون أن يقيموا ذلك تقييما متأنيا، وكما نعلم الإنترنت مرتع الأخبار الكاذبة والمبتزون يدركون ذلك، ويستخدمون تلك السمة البشرية لتحقيق مآربهم الدنيئة.

توخّي الحذر أمر ضروري، لكن من المؤسف أنه ليس سهلا على شبكة الإنترنت كما هو الشأن في الواقع، ففي الواقع يحمل كل شخص هوية واحدة ويمكن أن نطلبها منه ونطّلع عليها قبل مواصلة علاقتنا معه، ولن يمانع إذا كانت نواياه حسنة، أما في العالم الافتراضي فلا يوجد ما يلزم الناس بأن تكون لهم هوية واحدة.

يبدو الخط الفاصل بين هوية الشخص الحقيقية وهويته على الإنترنت غامضا، لكن إذا أبدينا الاهتمام بشخص فما علينا سوى التحرّي عنه بدقة أكثر لتجنّب الألم والوقوع في المشاكل.

ربما يكون الوقت وحده كفيل بإثبات مدى حسن النوايا، لكن الخوف كل الخوف من أن تتحوّل لهفة المرأة على الزواج إلى ورقة رابحة في أيدي المحتالين الذين هم أشبه بالفيروسات يتحولون باستمرار ويتكيفون مع متغيّرات العصر الرقمي.

أدعو كل امرأة إلى البحث عن الحب الحقيقي، لكن مع وجوب تحييد الضغوط الاجتماعية التي تلح عليها بسرعة الزواج، كما أطالبها بألا تجعل الزواج مشروع حياتها الوحيد.