الأموال التي توهب للفقراء تموت بموتهم...

ماذا نفهم من ردة فعل أغنياء العالم مع حريق نوتردام؟

التصليحات بدأت خلال أسبوع

عبدالرحمن الآنسي

إنها لكارثةٍ عظمى بالنسبة لباريس أن تحترق كاتدرائية نوتردام، لذا في غضون ساعات من احتراق نوتردام تعهدت عائلتان من أغنى الأسر في فرنسا -بقيادة فرانسوا هنري بينولت وبرنارد أرنو- بتقديم ما لا يقل عن 300 مليون يورو لتمويل جهود الترميم، إلى جانبهم بعض رجال أعمال مدينة باريس وشركة "والت ديزني".

إعادة بناء كاتدرائية نوتردام شيء جميل، لأنها معلم تاريخي لفرنسا منذ آلاف السنين. لكن ما يدهشني في الأمر أنه إذا كان بإمكان رجلين في عالم يزيد عدد سكانه عن 7 مليارات شخص توفير 300 مليون يورو لاستعادة نوتردام في غضون ست ساعات، فهناك ما يكفي من المال في العالم لإطعام كل فم وإيواء كل أسرة وتعليم كل طفل، وأن الفشل في القيام بذلك ما هو إلا مسألة إرادة ومسألة نظام لا أكثر.

قد تكون كارثة أن يفنى معلم تاريخي مرموق بالنسبة للأغنياء ولو كلفهم ذلك 300 مليون يورو لكن أن يفنى ملايين من البشر ليست كارثة بالنسبة لهم، فتفكيرهم يقول أن 300 مليون يورو ستعيش مع ذلك المعلم التاريخي أكثر بكثير ما لو أنها بقت في حسابهم البنكي أو لو أنهم وهبوها للفقراء. فالأموال التي توهب للفقراء تموت بموتهم كما يقولون.

بقذائف الهاون قد يحترق الطوب المزخرف وينكسر الزجاج الملون إلى شظايا صغيرة، لكن الأبنية لا تنزف ولا تتضور جوعًا ولا تعاني. البشر فقط هم من يعانون في كل مكان في العالم، لكن معاناتهم كل يوم للأسف لا تضيء الصفحات الأولى ولا تلهم التبرعات الفورية من أغنى رجال العالم.

رغم أن نسبة عالية جدًا من الناس في العالم يعيشون تحت خط الفقر إلا أن مجموع ثروة عشرة فقط من أغنياء العالم تكفي لانتشال جميع فقراء الأرض من فقرهم فقط لو أنهم فكروا أن الأعمال الفنية والتاريخ المعماري والجمال الخارجي يعتمد على براعة الإنسان؛ والإنسان هو الذين يجب حمايته قبل أي شيء آخر.

سرعة ردة الفعل الذي قام بها الأغنياء في باريس تقول لنا أننا لسنا بحاجة إلى الاختيار بين التشرد أو الهجرة أو اللجوء للسرقة، لسنا بحاجة للجوء إلى المستشفيات لعلاج أمراض سوء التغذية ولا أن نموت في سبيل البحث عن لقمة العيش، ردة الفعل تلك تقول لنا أن المال موجود بنقرةٍ واحدة، لكن تلك النقرة ليست في أيديننا.