تضيق هامش المنطقة الرمادية..

صحيفة دولية: قمم مكة ترسم خارطة التحالفات بالمنطقة

إسقاط الأقنعة الأخيرة

صالح البيضاني
كاتب وباحث وسياسي يمني، عضو مؤتمر الحوار الوطني في اليمن، عضو الأمانة العامة لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين.

نجحت قمم مكة الثلاث التي عقدت في أواخر مايو الماضي في رسم ملامح رؤية عربية وإسلامية موحدة لمواجهة التحديات التي تهدد أمن المنطقة. يأتي الإرهاب في مقدمة هذه التحديات سواء بمفهومه الشائع وأشكاله المعروفة المتمثلة في التنظيمات المسلحة مثل القاعدة وداعش أو تلك التي تديرها أجندات دول وتندرج تحت ما يعرف بإرهاب الدولة. وتبرز في هذا النوع الأذرع العسكرية التابعة لإيران مثل حزب الله اللبناني والميليشيات الحوثية في اليمن والفصائل المسلحة في العراق.

ويرى العديد من المراقبين لنتائج القمم الثلاث، الخليجية والعربية والإسلامية، أنها نجحت في بلورة موقف موحّد من خلال إجماع الدول المشاركة فيها على إدانة الهجمات التي تعرّضت لها السفن الأربع قبالة السواحل الإماراتية أو الهجمات التي استهدفت منصتي ضخ النفط السعوديتين بواسطة سبع طائرات حوثية مسيّرة إيرانية الصنع والأهداف.

إلى جانب الرسائل السياسية التي خرجت بها قمم مكة الثلاث، أعادت تلك القمم رسم خارطة التحالفات في المنطقة، من خلال فرز القوى التي قررت الوقوف في الضفة الإيرانية من الخليج العربي، مثل دولتي العراق وقطر، اللتين اعترضتا على البيانات الختامية للقمم، وبين دول أخرى حسمت موقفها الرافض للأجندة الإيرانية في المنطقة.

وضيقت القمم والمواقف الصادرة عنها من هامش المناورة السياسية والمنطقة الرمادية التي ألفت العديد من دول عربية وإسلامية التموضع فيها، مع ازدياد واضح في الدول التي فضّلت الهروب بعيدا عن أعباء التحالفات مع طهران التي فقدت ثقة حلفائها وعمّقت القمم من عزلتها.

رسائل قمم مكة

يقرأ العديد من المحللين السياسيين رسائل قمم مكة السياسية على أنها باتت فاتحة لمرحلة جديدة في التعامل مع طهران وأذرعها العسكرية في المنطقة كحزمة واحدة من المخاطر، إضافة إلى اعتبارها مؤشرات تطابق بين الموقفين الدولي من جهة والخليجي والعربي والإسلامي من جهة أخرى إزاء إيران وحلفائها.

وفي تأكيد على مخرجات قمم مكة، وجه سيف العسلي وزير المالية اليمني الأسبق المتواجد في صنعاء حاليا، عبر سلسلة تغريدات في حسابه على تويتر، رسائل مفتوحة للحوثيين حذرهم فيها من التحولات التي ستطرأ على الموقفين السياسي والعسكري عقب قمم مكة الثلاث. وكتب العسلي أن “على الحوثيين أن يقرأوا ما حدث في قمم مكة بدقة وموضوعية بعيدا عن التشنجات فإن له ما بعده؛ فلم تعد حرب اليمن حربا داخلية بين شرعية وانقلاب وإنما تهديد للأمن القومي السعودي، ومن ثم فإن السعودية يحق لها أن تقوم بما تراه مناسبا تحت مبدأ الدفاع عن النفس والذي لا يحتاج إلى تفويض من مجلس الأمن”. وفي تغريدة أخرى خاطب الحوثيين قائلا “قبل قمم مكة كنتم تواجهون السعودية والإمارات أما الآن فإنكم تواجهون العالم وستتغير المعادلة”.

سيف العسلي وزير المالية اليمني الأسبق: على الحوثيين أن يقرأوا ما حدث في قمم مكة بدقة. قبل قمم مكة كنتم تواجهون السعودية والإمارات أما الآن فإنكم تواجهون العالم

حول دلالات قمم مكة الثلاث، قال عبدالناصر مجلي رئيس تحرير مجلة العربي الأميركي اليوم، إن “أهمية القمم تكمن في مكان وتوقيت انعقادها في ظل ظروف سياسية بالغة الخطورة بعد التصعيد العسكري الخطير الذي شهدته دول الخليج بالقرب من مياهها الدولية”.

وأضاف مجلي في  تصريح لـ”العرب” أن “القمة الخليجية كانت واضحة وصريحة في القول إن دول الخليج العربي تقبل بحسن الجوار وترفض رفضا قاطعا منطق إرهاب الدولة الذي يمارسه النظام الايراني. وكذلك كان الحال بالنسبة للقمة العربية التي أوضحت ودون مواربة بأن الأمن القومي العربي خط أحمر لا يمكن السماح لأحد بتجاوزه. كما دعت عبر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك فهذا وقتها”.

وعن قراءته لنتائج القمة الإسلامية، أشاد مجلي برفضها لقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة واعتبار هضبة الجولان العربية تابعة لإسرائيل، إضافة إلى الإشارة المهمة التي حملها البيان الختامي والمتعلقة بالإسلاموفوبيا التي تنتشر في العالم، حيث شددت نتائج القمة على رفضها المطلق لتسويق ثقافة الكراهية ليست ضد المسلمين فحسب بل وضد أي أمة أو شعب. واعتبر مجلي أن “هذه المواقف القوية والشجاعة لم تكن لترى النور لو لا وجود إرادة واعية بالأخطار التي تحدق بالأمة سياسيا واقتصاديا وعسكريا وإعلاميا، وقد أثبتت السعودية أنها فعلا قلب الخليج والعرب والأمة الإسلامية الذي إذا تعافى تعافت معه الأمة بأكملها”.

كشف الأقنعة

وصف الباحث السياسي السعودي علي عريشي نتائج القمم الثلاث بأنها تأتي امتدادا للسياسة السعودية القائمة على وضع الدول الخليجية والعربية والإسلامية في صورة التطورات التي تشهدها المنطقة والتحديات والمخاطر التي تحدق بها.

واعتبر عريشي في تصريح لـ”العرب” أن القمم الثلاث جاءت طارئة نتيجة لتمادي النظام الإيراني، مشيرا إلى تضمنها لرسائل بالغة الأهمية تؤكد على قدرة السعودية على جمع الكلمة الخليجية والعربية والإسلامية.

وأضاف أن القمم الثلاث تأتي في وقت شديد الحساسية لدول الشرق الأوسط، قلب العالم العربي والإسلامي، ومخرجاتها توحي بنفاد صبر السعودية وحلفائها على خلفية التدخلات الإيرانية في الدول العربية واستهدافها المصالح التجارية النفطية للسعودية والإمارات.

ونجحت في توجيه إدانة دولية كبيرة لإيران وعزلها عربيا وإسلاميا، وإن كانت كشفت في المقابل حالة الارتهان السياسي التي يعاني منها النظام القطري والحكومة العراقية، وهو الأمر الذي أكدته محاولات وفدي قطر والعراق تسجيل اعتراضهما على إدانة إيران بتدخلاتها في الدول العربية.

لكن، هذا لم يغير شيئا، وفق عريشي، الذي يؤكد أن بعض الأصوات التي غردت خارج المجموعة لم تؤثر في القرارات الجماعية، لاسيما والجميع يتفهم واقع أن العراق وقطر دولتان مسلوبتا القرار تتحدد مواقفهما وفق إملاءات خارجية معروفة.

لا شك في أن القمم الثلاث تمثل نقطة في منتصف السطر وما بعدها لن يكون كما قبلها، خاصة وأن السعودية وحلفاءها من العرب والمسلمين عازمون على مواجهة التهديدات ورصف الصف لمجابهة التحديات، كما أشار عريشي “مثلما نجحت القمم في إدانة الاعتداءات والتدخلات الإيرانية، نجحت أيضا في إسقاط الأقنعة الأخيرة التي كانت تغطي بعض الوجوه وهذا أمر جيد لمعرفة كيف ستكون الأمور في المستقبل”.