كسر طوق العزلة..

تقرير: قاعدة العديد الأميركية.. تزدهر في تربة الهوس القطري

إلى الأمام

الدوحة

قطر تتجاوز في حماسها لتوسيع قاعدة العديد الجوية الأميركية وإعلان ذلك على الملأ، التحفّظ والحذر الأميركيين في التعاطي مع الموضوع، ذلك أنّ الدوحة في خضمّ فوبيا العزلة التي تعيشها والهوس بكسر طوقها تريد إبلاغ رسالة مفادها أنّ لها أيادي بيضاء على القوة العظمى الأولى في العالم، وأن بينهما من المصالح المشتركة ما يجعل واشنطن تقف في صفها ولا تتخلّى عنها تحت أي ظرف.

يتجاوز تشبّث قطر بالاحتفاظ بأكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط، على أراضيها وتطوّعها للإنفاق عليها بسخاء لتوسيعها وتحسين ظروف إقامة وعمل القوات داخلها، البعد العسكري والأمني بحدّ ذاته، إلى أبعاد سياسية يربطها مراقبون بحالة العزلة التي تعيشها الدوحة في محيطها والتي تجسّدت عمليا حين أقدمت أربع دول عربية قبل أكثر من سنتين على مقاطعتها بسبب صلاتها بالجماعات المتشدّدة والإرهابية وانتهاجها سياسات توصف بالمضادّة لأمن المنطقة والمهدّدة لاستقرارها.

ويلفت المراقبون إلى ما يعتبرونه “حالة فصام” في التعامل القطري مع موضوع قاعدة العديد، في إشارة إلى العلاقات الوثيقة التي تحاول قطر الاحتفاظ بها مع إيران الجارة المثيرة للقلاقل في المنقطة، وفي نفس الوقت تمويل وجود عسكري قوي للولايات المتحدة القائدة لجهود التصدّي للأنشطة الإيرانية، في موضع لا يبتعد عن الأراضي الإيرانية سوى بضع عشرات من الكيلومترات.

وأوردت صحيفة واشنطن بوست الأميركية تقريرا لها بعنوان “بينما يحاول ترامب إنهاء الحروب التي لا تنتهي.. أكبر قاعدة أميركية في الشرق الأوسط تزداد كِبرا” عرضت فيه تطوّع قطر للإنفاق على توسيع قاعدة العديد، مشيرة إلى أنّ قطر لا تسمح فقط بتوسيع القاعدة، بل تموّل التوسيع أيضا وتدير أعمال البناء بتكاليف تصل إلى 1.8 مليار دولار.

كما أوردت نقلا عن دبلوماسيين بدول الخليج القول إنّ الجهود الحثيثة التي تبذلها قطر لتوسيع القاعدة الجوية الأميركية، إلى جانب مشتريات الدولة من المعدات العسكرية التي تقدّر قيمتها بعشرات المليارات من الدولارات، ما هي إلا محاولات لاستغلال ثروات البلاد الهائلة من الغاز الطبيعي لكسب تأييد إدارة الرئيس دونالد ترامب في وقت عُزِلت فيه قطر من قبل حلفاء الولايات المتحدة الآخرين في المنطقة.

وكانت القيادة المركزية الأميركية قد نقلت في العام 2003 قاعدة عملياتها المتقدّمة إلى قطر من قاعدة الأمير سلطان الجوية في المملكة العربية السعودية لـ”يتحول الوضع من استطلاعي مؤقت في السعودية إلى دائم في قطر” وفق الجنرال دانييل تُولّي، قائد الجناح الجوي 379 في القوات الأميركية.

وتقع قاعدة العديد الجوية على بعد نصف ساعة بالسيارة من كورنيش وسط مدينة الدوحة الذي يتميز بالنخيل والمياه الزرقاء الصافية، في بيئة قاسية بالصحراء القطرية، حيث تصل درجات الحرارة إلى ما يقارب الخمسين درجة مئوية صيفا.

وقال تولّي عن “شغف” الدوحة بتوسيع قاعدة العديد “إن حجم البناء في العديد ودور قطر الإشرافي في المشروع غير عاديَّين”، مضيفا “أنه شيء جديد تماما”.

وخلال زيارة أمير قطر الأخيرة إلى الولايات المتحدة أثار الرئيس دونالد ترامب على طريقته أمام الشيخ تميم بن حمد آل ثاني موضوع توسيع قاعدة العديد، قائلا بنبرة من الزهو والافتخار إنّ قطر أنشأت “واحدة من أعظم القواعد العسكرية في العالم”، مشيرا إلى أنّ الدوحة أنفقت نحو ثمانية مليارات دولار لبناء وتطوير القاعدة الضخمة.

وخاطب الشيخ تميم بحضور وزير المالية الأميركي ستيفن منوتشين “حسبما أفهم تمّ توسيع القاعدة باستثمار ثمانية مليارات دولار، والحمد لله كانت أغلبها من أموالكم وليست من أموالنا.. وفي الحقيقة، الأمر أفضل من ذلك، حيث كانت كلها من أموالكم”.

وفي ما يمثّل كشفا عن طبيعة الرسالة التي تريد قطر إبلاغها لجيرانها من خلال مساعدتها الولايات المتحدة على التمركز بقوّة على أراضيها، تحرص الدوحة وفق الواشنطن بوست على التصريح بأن ما يجري في قاعدة العديد إنّما هو عملية توسيع لاستيعاب المزيد من الجنود الأميركيين الذين يمكن أن يصل عددهم إلى عشرة آلاف، وذلك في وقت يلتزم فيه مسؤولون أميركيون الحذر في اللغة التي يستخدمونها لوصف العمل في موقع العديد بالإشارة إلى أنّه مجرّد تطوير.

وتريد قطر القول لمحيطها بأنّ علاقاتها مع الولايات المتحدة متينة وبأنّها محمية من قبلها، وسياساتها مرضي عنها من قبل واشنطن، متجاهلة وجود دوائر أميركية كثيرة غاضبة من دعم الدوحة للإرهاب.

وقال الجنرال تولّي إن العمليات العسكرية الأميركية في قاعدة العديد الجوية معقّدة للغاية بنفس قدر التعقيد الذي كانت عليه في أحلك فترات الحروب في العراق وأفغانستان، مع وجود معدات عسكرية عالية الجودة وغالية الثمن، مثل مقاتلات أف 22، وقاذفات بي 52 التي أُرسلت إلى قطر هذا العام.