لتحقيق معدلات عالية للإنجاز..

الفرصة في كل صعوبة

عندما يذوق الطفل طعم النجاح فإنه سيصبح أكثر ثقة بنفسه

يمنية حمدي

"يرى المتشائم الصعوبة في كل فرصة، أما المتفائل فيرى الفرصة في كل صعوبة" مقولة شهيرة لرئيس الوزراء البريطاني الراحل ونستون تشرشل، أسوقها ليس للتحدث عن شخصية تشرشل، بل حول معنوياته العالية التي مثلت مبدأ ارشاديا له في حياته الشخصية والسياسية، وتفكيره الإيجابي الذي دفعه إلى تحقيق العديد من الانتصارات، رغم صعوبة المعارك التي خاضها هذا الرجل مع هتلر والزعيم الفاشي الإيطالي بينيتو موسوليني، ومجابهته لساسةً حزب المحافظين الذي كان هو نفسه ينتمي إليه.

على أية حال، لن يشكل تشرشل محور مقالي كما ان ما سأكتبه في السطور التالية لن يكون شرحا مستفيضا، لمعنى التفكير الايجابي بل ساترك المهمة لخبيرة التنمية الذاتية ومديرة الأكاديمية الدولية للتدريب والكوتشينغ آية خانجي، التي ستتناول هذا الموضوع بأكثر عمق وتحليل في “أمسية الإيجابية من المنظور الواقعي” يوم الجمعة 13 سبتمبر على الساعة الخامسة مساء بفندق هيلتون في كينزيغتون بلندن.

لكن موضوع محاضرة خانجي نبهني إلى درس مهم يحتاج لأن تعلمه كل أسرة اليوم لأبنائها، خاصة بعد أن أصبحنا نعيش في عالم اختلت فيه نظرة الشباب للجوانب المشرقة من الحياة، وسيطر على عقولهم التشاؤم.

إذا أردنا أن نضمن لأبنائنا مستقبلا مزدهرا وحياة ملؤها السعادة، فيجدر بنا أن نهتم بتعليمهم منذ مراحل مبكرة كيفية تقدير الأشياء من حولهم والاعتماد على النفس في القيام ببعض المهام التي تخصهم، وهكذا نساهم في تنشئة شخصيات مرنة فكريا وقادرة على مواجهة عالم دائم التغير ومليء بالعقبات.

أدمغة الأطفال مهيأة للتفكير بشكل إيجابي، ولديهم استعداد فطري للتأثر بشيئين، وهما التجارب التي يعيشونها والعواطف التي يستقونها ويطورونها انطلاقا مما يتعلمونه من محيطهم الأسري والمدرسي والاجتماعي منذ مراحل مبكرة.

يمكن على سبيل المثال للتربية الأسرية الداعمة لثقة الطفل في نفسه والعلاقات الإيجابية بين الزوجين وصداقات الطفولة أن تساهم جميعها، في ضخ المزيد من الشعور بالتفاؤل وتحفز الأطفال على النجاح والتفوق، وتعلمهم الكثير من المعاني التي تؤثر في حياتهم بصورة إيجابية، ما يجعلهم أكثر قدرة على التعامل مع خيبات الأمل ومشاعر القلق.

التفكير الايجابي ليس مجرد صفة ذاتية جذابة يتبناها المرء ويسير عليها في حياته، وإنما هو نوع من التدريب النفسي لتحفيز الوعي الداخلي، والأهم من هذا كله أنه بإمكان كل إنسان يكتسب ذلك من البيئة التي يتربى فيها من خلال ثنائية التأثير والتأثر.

يمكن للطفل حسب ما أكدت الأبحاث النفسية أن يصبح أكثر تفاؤلا وثقة بنفسه في حال كانت نظرة أبويه للحياة إيجابية والعكس صحيح، وأيضا عندما يتيحان له الفرصة للقيام ببعض شؤونه الخاصة من دون الاتكال عليهما بشكل كلي، حتى وإن تطلب الأمر منه المزيد من المحاولات والكثير من الجهد والوقت، فعندما يذوق الطفل طعم النجاح في الصغر، فإنه سيصبح أكثر ثقة بنفسه، وسيسعى في كل مرة لتحقيق معدلات عالية للإنجاز، ولا يكف عن تجربة الجديد والبحث عن الحلول للمشاكل التي قد تعترضه.

وحث مؤسس الاتجاه الإيجابي في علم النفس الايجابي مارتن سليغمان الأسر على النظر إلى كل ما يفعله الطفل على أنه من الأمور العظيمة، وتشجيعه بدلا من توبيخه أو تعنيفه.

وأشار سليغمان في كتابه الذي حمل عنوان “الطفل المتفائل”  إلى أن التفكير الايجابي يمثل نوعا من الحصانة النفسية ضد مشاكل الحياة، وعلى العكس من ذلك فإن التشاؤم لا يمثل أسلوبا سلبيا للتفكير فحسب، وإنما أحد أكثر التهديدات جسامة لصحة الأطفال في العصر الحالي، مشددا على أن الأبحاث قد أثبتت أن طفل اليوم أصبح أكثر عرضة للاكتئاب بواقع عشر مرات ما كان عليه الحال في الماضي.

ويذكِّرنا سليغمان بضرورة أن نبدي التقدير للمتع الصغيرة في الحياة أأثناء بحثنا عن المتع الكبيرة، ونحاول التمتع بفرص السعادة، التي من حولنا ولكننا لا ننتبه إليها. وهذا ما أكدت عليه أيضا مجموعة متنامية من الأبحاث، أظهر ت أن الناس المتفائلين هم الأكثر سعادة والأفضل صحة ورضاء عن الحياة.

“التفاؤل هو الإيمان الذي يؤدي إلى الإنجاز، فلا شيء يمكن أن يتم دون الأمل والثقة”، هذه المقولة لصاحبة الإرادة القوية الكاتبة الأميركية الراحلة هيلين كيلر، التي استطاعت ان تجعل من الأمل نورا ينير درب حياتها المعتمة، فتغلبت بنور الأمل على ظلمة العيون وصمم الآذان، واستمتعت بالأشياء الجميلة في الحياة، رغم أنها كانت محرومة من نعمة البصر.