أثناء الانتخابات..

تقرير: كيف عاقب الشعب التونسي مَن خان أحلامه؟

قيس سعيّد المرشح المفاجأة

تونس

أعلنت مؤسسات سبر الآراء، مساء الأحد 15 سبتمبر الجاري، في نتائج تقديرية للدور الأول من الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، عن تقدُّم كل من المرشحين قيس سعيد بنسبة 19.5 في المئة، ونبيل القروي بنسبة 15.5 في المئة، وحلّ عبد الفتاح مورو ثالثًا، وَفقًا للاستطلاعات، بنسبة تراوحت بين 11 و12 في المئة، ثم المرشح المستقل عبد الكريم الزبيدي الذي تحصَّل على 9.4 في المئة من الأصوات، بعيدًا عن رئيس الحكومة ورئيس حزب “تحيا تونس” يوسف الشاهد، الذي حلّ بين المرتبتَين السابعة والثامنة.

قيس سعيد ونبيل القروي تصدرا النتائج تبعًا لمؤسسات سبر الآراء
نتائج أثارت استغراب البعض واستنكار البعض الآخر، وكانت صدمة عند آخرين. ويبدو أن حركة النهضة لم تتقبل هذه النتائج وشكَّكت في صحتها ودقتها؛ حيث أكد سمير ديلو مدير الحملة الانتخابية لمرشح الحركة عبد الفتاح مورو، أمس الأحد، أن النتائج التي تحصلت عليها “النهضة” مختلفة عن تلك التي نشرتها إحدى مؤسسات سبر الآراء، في إشارة إلى “سيغما كونساي”.

وتعهَّد ديلو، في ندوة صحفية عُقدت بعد وقت قليل من بداية عمليات الفرز بمراكز الاقتراع، بنشر النتائج الواردة على “النهضة”، مبرزًا أن مصدرها عمليات الفزز، ومشددًا على أنه ليس من دور مؤسسات سبر الآراء توجيه الرأي وفرض الأمر الواقع.

من جانبه، أكد القيادي بحركة النهضة رفيق عبد السلام، في حوار تليفزيوني أدلى به إلى إحدى القنوات التونسية الخاصة، أن مرشح الحركة عبد الفتاح مورو، يتصدر حسب المعطيات الأولية التي بحوزته، عمليات فرز الأصوات، متبوعًا بقيس سعيد المرشح المستقل.

وأضاف عبد السلام أن عمليات تجميع أصوات الناخبين واستطلاعات الرأي تضع مرشح الحركة عبد الفتاح مورو، في الطليعة، ويليه المرشح المستقل قيس سعيد، وَفق المعطيات التي لديه.
قيس سعيّد المرشح المفاجأة

كان كثير من المراقبين يعتقدون أن سعيّد سيُهَمَّش ويُقصى من السباق؛ لضعف الدعم وتواضع الموارد التي يمتلكها، وهو الذي رفض كل أشكال الدعم؛ ومنها الدعم العمومي، فقد اعتمدت حملته الانتخابية على زيارات أجراها في الأسواق والأحياء الشعبية، وناقش مع التونسيين مشكلاتهم ومطالبهم وجهًا لوجه. بينما يقوم برنامجه على إعطاء دور محوري للجهات وتوزيع السُّلطة على السلطات المحلية عبر تعديل الدستور.

وكان سعيد قد صرَّح، في وقت سابق، بأنه “ليس في حملة انتخابية لبيع أوهام والتزامات لن يحققها”، مضيفًا أن “الوضع اليوم يقتضي إعادة بناء سياسي وإداري جديد، حتى تصل إرادة المواطن.. فهو يخلق الثورة للاستفادة منها”.

وبعد ساعات قليلة من إغلاق مراكز الاقتراع، وصدور النتائج التقديرية لشركات سبر الآراء التي أشارت إلى صعوده إلى الدور الثاني، قال قيس سعيد إنه يتعهد بالارتقاء بإرادة الشعب إلى مستوى سلطة القرار.

وأكد سعيد، في تصريحات إعلامية، أنه سيعمل على تحقيق مطالب “ثورة 17 ديسمبر 2010” والوفاء لشهداء تونس، مضيفًا أنه سيسعى لأن تكون دولة القانون حجر الأساس في إدارة الشأن العام، والالتزام بالإرادة العامة.


المرور إلى الدور الثاني من السجن

رغم إيداعه السجن على ذمة التحقيق بشأن قضايا فساد وغسل أموال؛ فإن المرشح عن حزب “قلب تونس” نبيل القروي، تمكَّن من ضمان المرور إلى الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية.

وكان القروي قد وجَّه رسالة إلى الناخبين من داخل السجن، على إثر رفض المحكمة إطلاق سراحه، أعلن فيها إضرابه عن الطعام بدءًا من الخميس 12 سبتمبر، وذلك قبل 3 أيام من الانتخابات.

واعتبر، حينها، حاتم المليكي الناطق الرسمي باسم القروي، أن عملية توقيف القروي، المرشح الرئاسي، هي “عملية سياسية بامتياز بدأت منذ محاولة إصدار قانون لإقصاء سياسيين تونسيين؛ خصوصًا القروي من الترشُّح إلى منصب الرئاسة”.

وعلى إثر الإعلان عن نتائح سبر الآراء، توجَّه المرشح نبيل القروي، في مناسبة ثانية، برسالة من السجن تَلَتها زوجته سلوى السماوي، في ندوة صحفية عقدتها، أكد فيها أن الشعب قال كلمته وعبَّر عن إرادته ورغبته في تغيير وضعه وحاجته إلى الأمل، متابعًا: “أنتم قُلتم بكل وضوح لا للظلم.. ولا للفقر.. ولا للتهميش.. نعم للدولة العادلة.. نعم لمستقبل أفضل.. نعم للأمل. شعب تونس العظيم، اليوم أنتم عاقبتم مَن حاولوا سرقة أصوات الناخبين والتلاعب بالانتخابات ووضعي في السجن دون محاكمة ومنعي من القيام بحملتي.. عاقبتموهم؛ لأن لكم مبادئ وإرادتكم حرة…”.

ويرى مراقبون أن نبيل القروي الذي عمل على إعداد الخزان الانتخابي له من خلال جمعيته الخيرية “خليل تونس”، قدَّم مساعدات إلى عدد مهم من المحتاجين وضعاف الحال في عدد من المحافظات التونسية، إضافة إلى تعاطف فئة مهمة من التونسيين معه إثر عملية وقفه وإيداعه السجن.

وبدا واضحًا أن عزوف فئة مهمة من التونسيين؛ خصوصًا الشباب، عن الانتخابات، قد أثر على النتائج المسجلة؛ حيث لم تتجاوز نسبة الاقتراع 45،02 في المئة، حسب ما أعلنت عنه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، مساء أمس الأحد.

ويفسر المتابعون تراجع نسبة الإقبال على الانتخابات مقارنة بانتخابات 2014 التي تجاوزت 60 في المئة، بأن هذه القطيعة؛ خصوصًا من قِبَل الشباب تعود أساسًا إلى فقدانه الثقة في الحياة السياسية والسياسيين عمومًا؛ فقد ملّ الوعود الواهية والخطابات الخشبية، فاختار أن يكون خارج دائرة الصراعات السياسية والحزبية بين المرشحين.

خروقات وُصِف بعضها بالخطير

رغم تأكيد رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات نبيل بفون، في عدة لقاءات صحفية، أنه لم يثبت وجود شراء أصوات من جانب المرشحين، دون نفيه إمكانية وجود بعض الشوائب في الانتخابات؛ فإنه قد أكدت رئيسة مرصد “شاهد” سعيدة العكرمي، انطلاق ما سمته عملية شراء الذمم عبر توزيع الأموال والأدوات المدرسية لمَن يصوت لمرشح لم تسمِّه .

وأشارت العكرمي إلى أن من بين التجاوزات التي تم تسجيلها من قِبَل ملاحظي المرصد، ترويج مرشحة لقائمة تشريعية ووزيرة سابقة لأحد المرشحين، منوهةً بأنه تم تحرير محضر في هذا الصدد، واصفة الحادثتَين بالخطيرتَين، ولافتةً أيضًا إلى تسجيل عملية نقل للناخبين عبر الحافلات.

وفي انتظار النتائج الأولية للانتخابات، ستكون الجولة الثانية إما في 29 سبتمبر وإما في 6 أكتوبر إذا حصلت طعون في الدور الأول، وإما في 13 أكتوبر في حال تسجيل حالات استئناف.