حديث عن طرح ملف عودة سوريا للجامعة العربية..

اهتمام مصر بالتطورات في سوريا: نكاية في أنقرة أم حبا في دمشق

العملية العسكرية التركية لإقامة {منطقة آمنة} في شمال سوريا

محمد أبوالفضل

تتشعب الزوايا الإقليمية والدولية التي يمكن من خلالها قراءة المعاني التي ينطوي عليها التدخل التركي في الأراضي السورية، لكن هناك زاوية يمكن أن تتبلور ملامحها في الفترة المقبلة، وتتعلق بدور مصر الإقليمي وتوظيف هذه الأزمة المعقدة في التخلي عن توجهات جامدة، كبّدتها والعرب خسائر باهظة.

لم تخف القاهرة غضبها من تصرفات أنقرة في شرق المتوسط وسوريا وليبيا ودعمها لجماعة الإخوان والتنظيمات المتشددة.

وظهرت مؤشّرات ذلك في محطات متباينة وصلت إلى حدّ التعبير عنها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. ولم تخف مصر أيضا تعاطفها مع النظام السوري في مواجهة تحديات تهدّد وحدة الدولة، بما يرخي بظلال قاتمة على الأمن القومي المصري، المرتبط تاريخيا بالأمن السوري.

اعتادت القاهرة التعامل مع الأزمات التي تمسّ مصالحها الحيوية بحذر شديد، يعتبره البعض غير مبرر. وجعلتها هذه السياسة أحيانا بعيدة عن التفاعلات الإقليمية. ربما تكون قد جنّبتها في لحظات حاسمة مواجهة بعض المشكلات، لكن لن تكفي لدرء الشرور عنها في المستقبل، خاصة عندما تكون قريبة من الطرق على أبوابها.

تتجاوز أزمة التدخل التركي في سوريا بالنسبة إلى مصر مسألة إطلاق المزيد من الإرهابيين نحوها، أو الانتقام من الرئيس رجب طيب أردوغان الذي درج على مهاجمتها، وتصل إلى مستوى الفرصة التي يمكن أن تستثمرها القاهرة للخروج من العباءة التقليدية للتريث السياسي المبالغ فيه، والذي كان مفهوما عندما شرعت الدولة في لملمة مؤسساتها وخوض معركة ضارية ضد المتشددين والإرهابيين، تراجعت مخاطرها الآن.

تدخل عاجل

لم تعد التطورات تحتمل الكمون، لأن التدخل التركي قد يكون، إضافة إلى فرض الأمر الواقع بالنسبة لحاجتها لما تصفه بالمنطقة الأمنية في شمال شرق الفرات، بروفة لما بعده في ليبيا أو غيرها. وإذا كانت هناك حسابات دولية تتجاوز التقديرات المصرية بشأن مصير سوريا، فإن الدلالات الإقليمية التي يحملها نشر آليات عسكرية وجنود أتراك قد تستمر فترة طويلة ستكون إفرازاتها بعيدة المدى، وحتما لها ارتدادات سلبية على القاهرة.

وتفتقر الدول العربية إلى التأثير المباشر في الأزمة السورية لطبيعة تشابكاتها الدولية، غير أن ثمة فرصة مواتية لتغيير جانب من قواعد اللعبة المستمرة منذ سنوات. وجزء من ذلك يقع على عاتق مصر التي دعت إلى عقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب في مقر الجامعة العربية السبت.

واستقبلت القاهرة  العاهل الأردني عبدالله بن الحسين الخميس، بحكم التفاهمات الواضحة بين البلدين في الكثير من مقاطع الأزمة السورية، والتي تجلت في لقاءات سابقة.

لا يتوقع الكثيرون أن يخرج الاجتماع الوزاري العاجل بقرارات تتجاوز حدود التنديد والشجب والرفض للتدخل التركي، لكن من الممكن أن تضخ الدماء في عروق الجامعة العربية التي شاخت في مكانها من خلال تبني إحدى الدول العربية (العراق مثلا) الدعوة إلى عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة.

باتت الأجواء مهيّأة لتقبل هذا القرار، عقب رفع دول كثيرة الاعتراض على العودة وفتح سفارات عربية في دمشق، والحصول على ما يشبه الموافقة الجماعية، وعدم ممانعة قوى دولية له، كانت قد ضغطت، حسب كلام سابق لمصدر رفيع بالجامعة لـ”العرب”، لأجل عدم الإقدام على خطوة من هذا النوع منذ سنوات، وكبح الدول التي حاولت التطرق لهذه القضية.

وفقا لتلميحات المصدر نفسه، يكاد يكون “الفيتو” العربي والدولي قد جرى رفعه الآن، وبالتالي أصبحت الفرصة مناسبة للكلام بقوة عن إعادة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية، وهو حديث لا يجد اعتراضا واضحا في الوقت الراهن، وربما العكس هو الصحيح، حيث تريد غالبية الدول العربية عدم تحمل مسؤولية ما تقوم به أنقرة في سوريا، وعزل دمشق عن فضائها العربي، وأضعف الإيمان أن تستغل هذا التوقيت لتمرير تحرك مؤجل منذ سنوات.

قد تكون الخطوة رمزية أو بلا فاعلية حقيقية على الأرض، لكنها مهمة في ظل عدم وجود بدائل أو خيارات عسكرية عربية. وتأتي الأهمية من إمكانية منح النظام السوري مشروعية سياسية في هذه اللحظات الحرجة، ودعم موقفه في مواجهة مخططات تركيا ورسمها لخرائط وهمية، فمن المرجح عدم توقف تغوّلها عند حدود المنطقة الآمنة، لأن تشييدها بسهولة وبالطريقة التي تريدها أنقرة يؤدي إلى تغيير ديموغرافي تتخطى تداعياته حدود الأكراد في سوريا، وتصل إلى دول عربية متعددة.

تدخل تركيا قد يكون، إضافة إلى فرض الأمر الواقع بالنسبة لحاجتها لما تصفه بالمنطقة الأمنية في شمال شرق الفرات، بروفة لما بعده في ليبيا أو غيرها

أجرت القاهرة اتصالات واسعة خلال الأيام الماضية شملت الكثير من الدول العربية المعنية، بما فيها سوريا. وصححت جملة من الأخطاء التي ارتكبت في عهد حكم جماعة الإخوان. لكن ملامح التقارب المعلن اتخذت طابعا هامشيا، غير أنه لا يخلو من مضامين أمنية محدودة، بما يجعل أطر التفاهم في الوقت الحالي على أجندة عملية ليست هينة وتحتاج إلى بلورة رؤية محددة، كما أن غالبية القوى المتحكمة في الحل والعقد في سوريا تمتلك القاهرة علاقات جيدة معها.

يبدو المحور التركي السلبي في الحسابات المصرية للأزمة واضحا، ولا يحتاج إلى المزيد من التحليل، لكن من الضروري التشديد على أن الانخراط العسكري التركي في الأراضي السورية بصورة واسعة، يخفف الأعباء عن الساحة الليبية التي ساهمت أنقرة في زيادة تعقيداتها.

استثمار الحدث

بصرف النظر عن الأسباب التي أفضت إلى الانخفاض، وما يؤدي إليه التدخل التركي في سوريا من خمول في مستوى التوتر في شرق المتوسط، فأمام مصر فرصة لاستثمار الحدث التركي من نواح عدة، أبرزها استعادة دمشق للحضن العربي وما تحمله الخطوة من عافية معنوية للأمن القومي
العربي في مواجهة إيران التي تصورت أن علاقتها القوية مع النظام السوري لن تتزحزح.

وهذه الأوضاع يمكن أن تكون ملائمة لسحب دمشق بعيدا عن طهران، ومنح الأولى شبكة أمان عربية بديلة.

ويحظى هذا التوجه بقبول أميركي وروسي للحد من نفوذ إيران في سوريا والمنطقة العربية، وهو ما تباركه دوائر إقليمية غاضبة من تصرفات طهران.

ويمكن أن تلعب القاهرة دورا محوريا في دائرة تضم دولا مختلفة وتحتفظ معها بعلاقات تمكنها من البناء على هذه الخطوة مستقبلا، وتصبح مدخلا لتقويض بعض الأذرع الإيرانية في المنطقة.

تملك مصر مبررات عديدة للتخلي عن انكفائها الزائد على الداخل، ورغبة بدت إرهاصاتها مع التصعيد المفاجئ ضد إثيوبيا في أزمة سد النهضة مؤخرا، بعد أن أدى تقصيرها في أداء دورها التاريخي في منظومة الأمن القومي العربي إلى زيادة أوجه العجز، ضمن أوجه خلل متباينة، تمثلت في الصمت طويلا على رهن إرادة العراق بإيران، وتراكم الأزمات في لبنان، والصراع الساخن في ليبيا واليمن، وانهماك دول المغرب العربي في مشاكلها السياسية.

ساعد الانكماش العربي على زيادة نفوذ وجموح إيران، ومنح تركيا جرأة عالية للدخول والخروج في العراق، وأصبح حلمها الاستقرار في شمال شرق الفرات، وربما العبث بمجموعة من الثوابت الإقليمية التي يمكن أن تصبح ذريعة، حال تكريسها، لقطع أجزاء من دول عربية أخرى من قبل تركيا أو غيرها.

ولذلك تتجه القاهرة إلى زيادة وتيرة الحوارات العربية والتباحث مع الحلفاء الأساسيين للتوصل إلى طريقة مشتركة للتعامل مع التدخل التركي، لاسيما أن المؤشرات الأولى للتعاطي العربي مع الأزمة كشفت عن تقارب كبير في تشخصيها، ما يفتح الباب على تقارب آخر في آليات التعامل معها، بما يسمح في النهاية بتبني موقف جماعي يمكن البناء عليه لمواجهة أزمات وتسويات إقليمية أخرى.

إدانات عربية

بدا ذلك واضحا من خلال البيانات التي صدرت عن عدة دول عربية، فقد حذّرت السعودية  من انعكاسات العملية العسكرية على أمن المنطقة واستقرارها، واعتبرتها “تعد سافر على سوريا”.

وعلى غرار السعودية، أدانت الإمارات، في بيان، العملية العسكرية التركية، وقالت إنها “تطور خطير واعتداء صارخ غير مقبول على سيادة دولة عربية شقيقة”. ووصف الرئيس اللبناني ميشال عون، التطور العسكري على الحدود السورية التركية، بالـ “التطور الخطير لمسار الحرب”.

وطالبت البحرين مجلس الأمن الدولي بـ”الإسراع في الاضطلاع بمسؤولياته في التصدي لهذه العملية العسكرية، حفاظا على الأمن والسلم”. وقالت الكويت، في بيان، إن العملية “تعد تهديدا مباشرا للأمن والاستقرار في المنطقة”، وطالبت كافة الأطراف إلى “الالتزام بضبط النفس والبعد عن الخيار العسكري”.

كما عبرت عدة دول في العالم عن قلقها، فيما يعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعا الخميس لبحث العملية.