الرغيف البني..

الخبز "سلطان" الموائد العربية وبوابة للحميات الغذائية

الإنسان في حاجة إلى النشويات في نظام الأكل الصحي

محمد اليعقوبي

النشويات الموجودة في الخبز بكثرة اكتسبت في السنوات الأخيرة سمعة سيئة، ولا تضاف إلا نادرا إلى أي حمية لإنقاص الوزن، وبالرغم من ذلك، لا يزال هناك شيء لم يتغير وهو أن الإنسان في حاجة إلى النشويات في نظام الأكل الصحي، لأنها إحدى أهم مجموعات الأغذية الأساسية.

يعتبر الخبز الغذاء الأكثر استهلاكا لدى مجتمعات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلا أن معظم الناس لا يعرفون الفرق بين القيمة الغذائية للخبز الأبيض الخالي من النخالة أو الأسمر المعد من القمح الكامل ومدى تأثيرهما على الصحة.

ولكن الأشخاص المولعين بالحميات الغذائية والراغبين في الحصول على أجساد رشيقة يفرقون بين ألوان أرغفة الخبز التي يتناولونها ويختارونها بعناية فائقة من أرصفة المتاجر.

وفي السنوات الأخيرة، أعرض الكثيرون عن تناول الخبز الأبيض مستعيضين عنه بالخبز البني المصنوع من نتاج القمح الكامل، بسبب كم الرسائل التي أمطرهم بها الخبراء عن فوائد تناول الخبز الأسمر للحفاظ على الصحة ومد الجسم بالطاقة وإنقاص الوزن وحتى الوقاية من بعض الأمراض.

وتؤكد الأبحاث أن الخبز الأسمر يحتوي على ألياف أكثر بثلاث مرات ونصف مرة من الخبز الأبيض، إذ أن شريحة واحدة من الخبز الأسمر تزود الشخص البالغ بنحو 15 بالمئة من كمية الألياف المطلوبة للجسم. كما أنه يشكل مصدرا أفضل أيضا للمعادن مثل المغنيسيوم والبوتاسيوم والزنك.

ويصنع الخبز الأسمر من الحبوب الكاملة، وهو من أقدم الأطعمة التي صنعها الإنسان قبل حوالي 14 ألف عام. ولم يعرف البشر الخبز الأبيض الذي يصنع اليوم من الدقيق المنزوع القشرة، إلا في القرن التاسع عشر مع ظهور الجيل الأول من آلات العجن والمطاحن الأوتوماتيكية.

واكتسب الخبز الأبيض سمعة سيئة في الأعوام الأخيرة رغم مظهره الحسن، ولا يضاف إلا نادرا إلى أي حمية لإنقاص الوزن.

ويصنع الخبز الأبيض أيضا من القمح الكامل ولكنه منزوع القشرة، ولا يحتوي على كمية جيدة من الألياف الصحية. ولذلك فهو لا يعطي الإحساس بالشبع لفترات طويلة، فبعد تناوله بمدة زمنية قصيرة يبدأ الأشخاص في الشعور بالجوع، ويكون الحل الوحيد هو استهلاك المزيد منه. أما الخبز الأسمر فيكون غنيا بالألياف التي تعطي الشعور بالشبع لفترات أطول.

ويؤكد غالبية أخصائيي التغذية على ضرورة تناول ثلاث وجبات من الخبز الأسمر وبكميات لا تزيد على ثلاث شرائح في اليوم وعلى مدى متوسط تتراوح مدته بين شهرين أو ثلاثة، بهدف خفض وزن الجسم والمساعدة على إذابة كمية الدهون المترسبة في جلدة البطن وأعضائه.

ونصحت دراسة قامت بها جامعة تافتز كل من يرغب في إزاحة الدهون بتناول الخبز الأسمر وتجنب الخبز الأبيض.

شريحة واحدة من الخبز الأسمر تزود الشخص البالغ بنحو 15 بالمئة من كمية الألياف التي يحتاجها الجسم

وحسب النتائج التي توصلت إليها الدراسة فإن الخبز الأسمر المصنوع من الحبوب بما في ذلك قشورها أو ما يعرف بالنخالة لا يتسبب في تكوين الدهون في البطن إلا بقدر قليل وأقل بكثير من الخبز الأبيض الذي يتكون في غالبيته من النشويات.

والنشويات هي عادة ما يعني للبعض الكربوهيدرات نفسها، وهي توجد في أطعمة مثل الخبز والمكرونة والبطاطس والأرز، وكل هذه الأصناف ذات اللون البيج ليست جيدة ويجب تجنبها.

وحتى الكربوهيدرات ذات اللون “الأبيض” ليست مفيدة، وتوجد في الأطعمة السكرية مثل المشروبات الغازية، والحلويات، والأطعمة المصنعة والمكررة، بما في ذلك الكعك والبسكويت.

وتتحول معظم النشويات في هذه الكربوهيدرات ذات اللون البيج وذات اللون الأبيض إلى الغلوكوز للحصول على الطاقة، وإذا كان الشخص يأكل أكثر من اللازم، فانه سيتم تخزين الغلوكوز كدهون في الجسم ويبدأ الوزن في الزيادة.

ونوّه الخبراء إلى حقيقة مهمة وهي أن الإفراط في تناول الخبز الأبيض يمكن أن يزيد الدهون في البطن، فيما يحتوى الخبز الأسمر على عناصر لا تتسبب في السمنة وعلى العديد من الفيتامينات منها ب12 وب14، وعلى الكثير من الأملاح التي قد تساهم في تذويب الدهون بسهولة.

غير أن البعض من الدراسات نبه أيضا إلى أن الخبز الأسمر يمكن أن يملك آثارا سلبية تخص عملية إنقاص الوزن، إذا تم إدخال بعض التعديلات عليه أثناء عملية التصنيع، من أجل إطالة صلاحيته، وهي التعديلات التي تشمل مواد غنية بالدهون المشبعة، تجعل تناوله بكثرة لا يقل خطورة عن تناول الخبز الأبيض.

ولكن هناك نوعا آخر من الألياف الكربوهيدراتية، الموجودة في الفاكهة والخضروات والتي يمكن أن تحمل العديد من الفوائد إذا تم إضافتها للأنظمة الغذائية، ويسميها الخبراء “الكربوهيدرات الخضراء”. وتمنح الشعور بالشبع، وتبطئ إفراغ المعدة، وعادة ما يكون هذا هو الجزء من النبات الذي يزود الجسم بالفيتامينات والمعادن.

وهي جيدة للأسنان واللثة وجيدة للأمعاء، وتحافظ على حركتها وتطعم البكتيريا الموجودة فيها.

وهناك أيضا النشا المقاوم، ويوجد في الأطعمة الغنية بالألياف مثل العدس والفاصوليا والحبوب الكاملة غير المصنعة، ويصعب هضمها بطريقة جيدة، فهي تصل إلى أسفل الجهاز الهضمي السفلي (القولون) ووظيفتها الرئيسية هي إطعام بكتيريا الأمعاء.

ولبكتريا الأمعاء الصحية مجموعة كبيرة من الفوائد، البدنية والعقلية.

وشدد خبير التغذية نيكولا ميكون من جامعة تافتز على أهمية التنويع الغذائي أثناء تناول الخبز الأسمر ومراعاة الكمية التي يتم تناولها يوميا حتى لا يتسبب ذلك في إعياء أو إتعاب أعضاء الجسم ولاسيما المعدة والقولون.

واعتبر ميكون أن دهون البطن غير صحية ويجب التخلص منها، إذ أنها تلتف حول الأعضاء الداخلية في جوف البطن فضلا عن أنها تفرز عناصر وجزيئات تلحق أضرارا بالصحة مثل ارتفاع ضغط الدم وزيادة مستوى الدهون الثلاثية والتسبب في مرض السكري والارتباك في الدورة الدموية، مشددا على ضرورة تجنب تناول الدهون بكثرة بشكل عام.

ويوجد العديد من العوامل الأخرى التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار، وفق ما أكد الكثير من الباحثين، فالتنويع في الأنظمة الغذائية بهدف إنقاص الوزن ومحاربة السمنة، دون الاهتمام بممارسة الأنشطة البدنية والرياضية، لن يؤدي تماما إلى النتائج المطلوبة، فالكربوهيدرات الموجودة مثلا في الخبز الأسمر ستتحول أيضا إلى دهون متراكمة يصعب تخفيضها للأسف.

وفي النهاية، يؤكد هذا الأمر أن الاعتماد على نظام غذائي معين للفوز بالفوائد الصحية، يعد علامة أخرى على البحث الذي لا ينتهي عن وصفة سحرية لحل مشكلات البدانة. وهذا التفكير، يتجاهل الطبيعة ذات العوامل المتعددة من المشكلات الصحية المرتبطة بالنظام الغذائي.

ويتفق معظم العلماء على أن إعطاء قاعدة عامة للناس لاختيار النظام الغذائي الأنسب لأجسامهم لا معنى له، إلا أن البعض يرون أن النظام الغذائي الصحي يتطلب تحولا هائلا، عن ما يكدسه الكثيرون فوق أطباقهم، إلى الأطعمة التي بالكاد يأكلونها.