فكرة فقدان النفس..

انهيار الحب

نهاية رواية الحب

لمياء المقدم

بعد سبعين سنة من صدور “الجنس الآخر” لسيمون دي بوفوار ما تزال رغبات النساء غامضة وغير معبّر عنها. هل هذا ما يحدث حقا؟ أم أن الرغبات والألم مرادفان لبعضهما؟

منذ أيام قرأت كتابا صغيرا بعنوان “The end of the novel of love” أي نهاية رواية الحب، لكاتبة أميركية اسمها فيفيان غورنيك، تتناول فيه أعمال كتّاب وكاتبات نسويين قبلها مثل كايت شوبان، جان رايس، وويليام كاثر بالدراسة والنقد.

ويسرد الكتّاب قصص وتجارب قضت على هالة الحب ورومانسيته التقليدية، وفي اللحظة التي كان يجب أن تذوب فيها من الغرام والعشق، تصلّبت القلوب فجأة واصطدمت بالفزع والخوف من فقدان حريتها.

ترى غورنيك، أن النساء يخلطن في كثير من الحالات بين الانجذاب الجنسي والحب ويفسرن كل انجذاب نحو الجنس الآخر، أيا كانت طبيعته، بأنه حب، على نحو ما، أو درجة من درجاته. وهو ما يسبب لهن الكثير من المشاكل لاحقا، على عكس الرجال الذين يأخذون أدمغتهم، مأخذ الجد، أكثر من أعضائهم التناسلية حتى، ويفرقون جيدا بين الرغبة الجنسية وبين الحب.

تميل المرأة إلى فقدان نفسها بالكامل في رغبات لا قاع لها، وتعلّق وجودها كله على ذلك الطموح الأوحد الذي سيقودها إلى النهاية. بل إن خطورة الانهيار نفسها هي ما تمنح ذلك الطموح الأنثوي لذته الحقيقية.

نفس المخاطرة هي ما تقود المرأة في الغالب إلى الشخص الخطأ، أو بمعني أدق، الشخص القادر على حملها إلى قاع أبعد تفقد فيه نفسها بشكل أفضل.

فكرة فقدان النفس أو الذوبان في الحب فكرة أنثوية، تكاد تكون نقطة المركز الذي تدور حوله حياة المرأة. واختفاء المرأة داخل علاقة حب يعادله وجودها الموضوعي، وهو ما يجعل العدم يصبح مرادفا للكينونة. تذهب المرأة بالكامل، وتتحوّل إلى عدم من أجل أن تكون.

لكن كاتبة “نهاية رواية الحب” وكاتبات أخريات مثل الأميركية ليزا تاديو، صاحبة “ثلاث نساء” يتحدثن في كتاباتهن الأخيرة، عن انهيار “الحب” بمفهومه التقليدي، وينظرن لحبّ مختلف تتساوى فيه قيمة الجمال مع قيمتيْ الرغبة والألم. هل الألم قيمة؟ نعم! تقول الكاتبة.. قيمة وركيزة أساسية من قيم الحب.

“أينما وجد الحب، وجد الألم” هي الفكرة التي يدور حولها كتاب “ثلاث نساء”، وهي فكرة ليست أصيلة، إذ سبق لكثيرين الإشارة إليها، لكن الجديد فيها هو دعوتها للاعتراف بالرغبة والألم كقيمتين أساسيتين في الحب. تروي الكاتبة حادثة وقعت لأمها دفعتها لتركيز وقتها وجهدها في دراسة علاقة الرجل والمرأة بالحب.

وملخص الحادثة أن رجلا لاحق أمها أثناء ذهابها للعمل على مدى أيام طويلة. وكان يمشي خلفها ممارسا العادة السرية، ويختفي بمجرد أن ينتهي من فعلته، ليعود بعد أيام للقيام بنفس الشيء. وهي حادثة، تؤكد من وجهة نظر الكاتبة، قدرة الرجل على التعامل مع الحب بوصفه “فعلا جنسيا” بحتا. وفي الوقت الذي تنتهي فيه نشوة الرجل وتخفت، تبدأ رغبات المرأة، وآلامها، ولذتها في التشكل.

سبقت سيمون دي بوفوار في “الجنس الآخر” هؤلاء الكاتبات جميعهن إلى نفس الفكرة، حيث فرّقت بين تعامل الرجل والمرأة مع مفهوم الحب، وأشارت في واحد من فصول كتابها الشهير، إلى أنّ الرجل يعد الحبّ عنصرا من العناصر المكوّنة لحياته، بينما تجد المرأة أن الحبّ هو كل حياتها.

وهي صدمة حقيقية أن نجد بعد سبعين سنة، من هذا الاكتشاف أن المرأة لا تزال تتعامل مع وجودها على نفس النحو ومن دون أي تجديد أو ابتكار رغم كل المحاولات التي تبذلها كاتبات عصريات في زحزحة هذا التصوّر عن المرأة، والذي أصبح، من وجهة نظرهن يعدّ تهمة ومصدرا للخجل، لكنه خجل لا يصل إلى مرتبة خجل المرأة من التصريح بشكل صريح عن رغباتها الجنسية، والتفريق بينها وبين الحب وتحويل الحب إلى عنصر من عناصر حياتها بدل إقصار كل حياتها عليه.