الفن عنوان للتواصل..

أزمة تواصل ثقافي بين شمال أفريقيا والشرق الأوسط

عالم واحد تقطعه عوامل كثيرة إلى عالمين (لوحة للفنانة غلناز فتحي)

أزراج عمر

تحت إشراف المدير العام لمعهد الدراسات الابستمولوجية في أوروبا الدكتور بيدي ومنسقة هذا المعهد الدكتورة داودي، انعقدت يوم الأحد الماضي بعاصمة الاتحاد الأوروبي بروكسل ندوة ثقافية شاركت فيها نخبة من الإعلاميين والكتاب والأكاديميين من شمال أفريقيا والشرق الأوسط وتدارسنا خلالها المحتوى المعرفي لأبرز البرامج التلفزيونية العربية التي يفترض أنها قد تأسست لتقديم الكتب والأفكار والأطروحات الفلسفية والفكرية.

 كما دار حوار طويل وعميق حول دور الوساطة الذي ينبغي أن “تلعبه هذه البرامج ونمط العلاقة الذي تخلقه بين من يفترض أنهم منتجو الأفكار والآداب والفنون في العالم العربي من جهة وبين مسارات الفكر والمعارف في العالم من جهة أخرى”.

وفي هذا السياق تركز النقاش حول ثلاثة أسئلة أساسية محورية وهي: هل هناك فضاء إعلامي وتواصلي بين المفكرين والأدباء في شمال أفريقيا والشرق الأوسط؟ وهل تمثل البرامج التلفزيونية تطويرا للبرامج بين الجامعات في العالم العربي أو مكملا لها أو موازيا لها؟ وهل توجد برامج إعلامية ثقافية تسمح بربط العاملين في المجال الثقافي في المنطقتين بكبريات مراكز إنتاج الأفكار والفنون في العالم؟

لا شك أن هذه المحاور التي ناقشتها هذه الندوة على مدى يوم كامل تكتسي أهمية بالغة خاصة وأنها تمسّ مباشرة إحدى أبرز المشكلات التي عانت ولا تزال تعاني منها مختلف أشكال التعبير الثقافي في الفضاء الجغرافي الممتد من شمال أفريقيا إلى عمق الشرق الأوسط وهي مشكلة ضعف، أو لنقل ندرة التواصل الجدي بين منتجي الفكر والثقافة والفن  في الفضاء المذكور آنفا.

 ومما يؤسف له أن وزارات الإعلام والثقافة في بلداننا لا تحرك ساكنا حتى الآن لكي تحاول أن تجد حلا مناسبا لأزمة انعدام التفاعل والتكامل الثقافي والفني والفكري سواء من خلال تنشيط المجتمعات المدنية أو عبر تفعيل مؤسسات الدولة التي تشرف عليها  الحكومات ومؤسساتها الثقافية والإعلامية. وفي ظل هذا الوضع غير الطبيعي  فقد افتقدت بلداننا إلى تنفيذ مشاريع العمل الفكري والثقافي والفني المشترك وتكريس تواصل الأجيال روحيا.

من الطريف جدا أن عدد الفضائيات في بلداننا كبير جدا فضلا عن كثرة الإذاعات العابرة للحدود والإذاعات المحلية في آن واحد في بلداننا، ولكن الملاحظ هو غياب نهضة ثقافية وفكرية تكاملية ومشتركة بين بلداننا، وأكثر من ذلك فإن هناك غيابا لأي حضور جدي ومستمر ومتطور للإنتاج الثقافي الذي ينتج عندنا في دول العالم في القارة السمراء وأوروبا والأميركتين وآسيا والعمق الأسترالي، ولهذه الظاهرة السلبية عدة أسباب سوف نناقش أهمها لاحقا.

 وفي الحقيقة فإن الحديث عن ضعف التواصل بين المفكرين والأدباء في شمال أفريقيا والشرق الأوسط هو حديث ذو شجون وله أسباب متشابكة منها البيروقراطية المتفشية التي تعرقل توزيع الكتاب والمجلة والإنتاج الفني في مختلف بلداننا فضلا عن تكريس الرقابة القاسية على أساس إخضاع الثقافي للسياسي ولتقلبات أمزجة الحكام الذين يتحكمون في مصير المثقفين بمختلف شرائحهم.

في هذا السياق ينبغي الإشارة أيضا إلى اتحادات الكتاب ببلداننا التي لم تتخلص من التبعية للسياسيين فضلا عن عدم قدرتها على أن تتحول إلى بؤر إشعاع فكري وثقافي مشترك، وهناك مشاكل تتخبط فيها دور النشر عندنا وفي المقدمة أشكال الوصاية السياسية والبيروقراطية عليها وكذا حرمانها من التوزيع الحر لمطبوعاتها من المحيط إلى الخليج. أما الجمعيات الثقافية والفنية التي تعد بالمئات في فضاءي شمال أفريقيا والشرق الأوسط فهي في الغالب تختزل نشاطاتها الثقافية في التظاهرات والمهرجانات التي يغلب عليها الطابع الفولكلوري أو الترفيهي الذي لا علاقة له بتوزيع المعرفة الفكرية والثقافة المتطورة. ففي الواقع فإن التنظيمات والمؤسسات المذكورة كانت وما تزال تجد أمامها كوابيس العراقيل التي تحول دونها ودون تطوير نفسها لتصبح بمثابة منصّات لتعميم التكامل والتفاعل الثقافيين والفكريين.

لا شك أيضا أن ضعف التواصل الثقافي والفكري والفني يعود أيضا إلى الدور السلبي الذي ما فتئت تلعبه مختلف وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية منها على سبيل المثال لا الحصر التمركز الوطني النرجسي الذي يؤدي بها إلى الاكتفاء بتقديم مظاهر الثقافة المحلية فقط وإدارة الظهر للتجارب الثقافية والفنية والفكرية لبلداننا.

 ويمكن أن يذكر في هذا السياق غرق وسائل الإعلام ودور النشر والمؤسسات الثقافية بالمشرق العربي في نمطية المركزية الشرقية على حساب ما يدعى اعتباطيا بدول الأطراف في شمال أفريقيا.

 أما ما يخص العلاقة بين برامج وسائل الإعلام الثقافية عندنا والبرامج الأكاديمية الجامعية مغاربيا ومشرقيا فما تزال في تقدير الرأي العام مجرد علاقة سطحية، ونخبوية مغلقة ومتقطعة وغالبا ما ينطبق عليها المثل القائل “جعجعة بلا طحين”. في ظل كل هذا المناخ الرمادي ينتشر فقر شديد في البرامج الإعلامية الثقافية في مختلف وسائل الإعلام عندنا، الأمر الذي لم يسمح إلى حد الآن بربط بلداننا ربطا تفاعليا واستيعابيا وتمثليا بمراكز إنتاج الأفكار الجديدة والفاعلة في الدول المتطورة على مستوى حقول الفكر والثقافة والعلم والاقتصاد والتقنية والسياسة والتنظيم العقلاني للمجتمع.