ضريبة الاتصالات..

حماقة واتساب.. توحد سخط اللبنانيين من الأزمات الاقتصادية

ضريبة الاتصالات تهشم الاقتصاد اللبناني

لندن

لم يلتفت المحتجون اللبنانيون إلى إلغاء قرار فرض رسوم على الاتصالات عبر تطبيقات الإنترنت، واختزلوا غضبهم تحت عنوان “ثورة واتساب”، الذي أصبح يجمع سخطهم من جميع الأزمات الاقتصادية وعجز الأطراف السياسية عن حلها.

واختفت عناوين الاحتجاجات على نقص السيولة وتردي الخدمات وانقطاع الكهرباء وخطط زيادة الضرائب وتطبيق إجراءات تقشف قاسية، لتحل محلها حالة رفض لجميع الطبقة السياسة العاجزة عن إدارة البلاد.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الغضب والتشاؤم من الأوضاع الاقتصادية المتردية، أصبح يضم أكثر من 90 بالمئة من اللبنانيين، حيث يفكر معظم الشباب، وخاصة من ذوي التعليم الجامعي، بالهجرة.

ويقول ثلثا اللبنانيين، الذي شاركوا في استطلاع أجرته مؤسسة الباروميتر العربي للرأي العام، إن الأزمات الاقتصادية تسير نحو الأسوأ، في وقت أكد فيه 91 بالمئة استشراء الفساد في مؤسسات الدولة بدرجات متفاوتة.

ويرجح ذلك اتساع نطاق الاحتجاجات في ظل عجز الحكومة عن معالجة الاختلالات المالية وهروبها إلى فرض إجراءات تقشف غير مسبوقة، في ظل عجز الأطراف السياسية المتصارعة عن إيجاد الحلول.

ويجمع المحللون على أن الإعلان عن فرض رسوم على الاتصالات عبر الإنترنت كانت “حماقة” كبرى بسبب استحالة تنفيذها في ظل تعدّد التطبيقات وارتباطها بتقديم خدمة الإنترنت، وما يمكن أن يؤدي إلى مشاكل معقّدة تؤثر على النشاطات الاقتصادية.

ولم يسبق لأي دولة أن فرضت مثل تلك الرسوم، وعادة ما يكتفي بعضها بحجب الاتصالات عبر بعض التطبيقات من أجل دعم نشاط شركات الاتصالات.

وكشف إقدام الحكومة على التفكير بتلك الضريبة، التي تراجعت عنها بعد ساعات قليلة، عمق الأزمة المالية التي تعاني منها، وتخبّطها في إيجاد الحلول.

ويقول محللون إن خدمة الإنترنت والاتصالات عبر التطبيقات الإلكترونية أصبحت أكثر أهمية من جميع الحاجات الأخرى. وأشاروا إلى أن انقطاع الكهرباء وإضراب عمال المخابز لم يفجّرا احتجاجات مثل التي فجرها التلويح بتلك الضريبة.

ويعاني الاقتصاد اللبناني من أزمات شاملة في جميع القطاعات، وقد تراجع معدل النمو خلال السنوات الأخيرة بشكل حاد ليصل في العام الماضي إلى 0.2 بالمئة فقط، بسبب شلل الحكومات المتعاقبة نتيجة الصراعات السياسية.

وتعهدت الحكومة في العام الماضي بإجراء إصلاحات هيكلية وخفض العجز في الموازنة العامة، مقابل الحصول على مساعدات دولية بقيمة 11.6 مليار دولار، تعهد بتقديمها مؤتمر سيدر في باريس، لكن الحكومة لم تتمكن حتى الآن من الوفاء بتعهداتها.

كما تراجع الدعم الخليجي التقليدي للحكومة اللبنانية، بسبب تمدد النفوذ الإيراني المعطل لمحاولات إخراج البلاد من أزماتها الاقتصادية والسياسية العميقة.

وتفاقمت الأزمات المالية بسبب العقوبات والقيود الأميركية على القطاع المصرفي، التي تتعقب التعاملات المشبوهة لجماعة حزب الله المرتبطة بالأجندة الإيرانية، الأمر الذي زعزع الثقة بالاقتصاد اللبناني وقلص تحويلات المغتربين.

ودخلت أزمات الحكومة اللبنانية أمس مرحلة حرجة بعد ارتفاع تكلفة التأمين على الديون السيادية لتصل إلى 12.08 بالمئة على سندات 5 سنوات، وهي مستويات خطرة تهدد بانهيار النظام المصرفي.

ويعني ذلك ارتفاع تكلفة اقتراض الحكومة وفاتورة خدمة الديون الكبيرة، التي تصل إلى 86 مليار دولار وتعادل 150 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي واحدة من أعلى النسب في العالم.

وابتعدت الآمال الضئيلة لمعالجة الأزمة الاقتصادية بإلغاء رئيس الوزراء سعد الحريري لاجتماع الحكومة الذي كان مقررا أمس لمناقشة مسودة ميزانية السنة المالية للعام المقبل.

ويبدو أن الاحتجاجات ستفاقم أزمات الحكومة المالية وتمنعها من خفض عجز الموازنة وتطبيق إجراءات التقشف، بعد أن أعلن وزير المال علي حسن خليل أن الحكومة لن تفرض أي ضرائب أو رسوم جديدة.

86 مليار دولار حجم الدين العام اللبناني وهو يعادل 150 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي

وتختزل أزمة نقص الدولار، الذي ينتشر استخدامه بكثافة في معظم النشاطات الاقتصادية، حجم الأزمات اللبنانية، والتي تفاقمت بسبب إغراق البلاد بالليرة السورية لجمع الدولارات وتمويل الحكومة السورية. وتنهمك الأسواق والمستثمرون والمحللون في تقدير حجم المخاوف التي تواجه الليرة اللبنانية، وإمكانية تدهور قيمتها في ظل استمرار شح الدولار، واتساع الفجوة بين السعر الرسمي والأسعار المتداولة في السوق السوداء.

ويأتي ذلك بعد أن قلصت المصارف في الأسابيع الأخيرة عمليات بيع الدولار، الذي يستخدم بكثافة بالتوازي مع الليرة في كافة العمليات المصرفية والتجارية. وبات من شبه المستحيل سحب الدولار من أجهزة الصرف الآلي.

وأدت ندرة الدولار في المصارف إلى اتساع الفجوة بين سعر الصرف الرسمي المثبت عند 1507 ليرة للدولار، وأسعار السوق السوداء التي بلغت في الأيام الماضية نحو 1650 ليرة للدولار.

وأثار ذلك حالة هلع لدى المواطنين الذين ارتفع طلبهم على الدولار كونهم يسددون أقساطا وفواتير عدة بهذه العملة، ولدى الكثير من الشركات والمستوردين الذين التزاماتهم وفواتيرهم بالدولار.

ونظم أصحاب محطات الوقود والمخابز إضرابات بسبب عدم قدرتهم على الحصول على الدولارات التي يحتاجونها لاستيراد الوقود والقمح بالسعر الرسمي، وأكدوا أن ذلك يفرض عليهم زيادة الأسعار بنسب كبيرة.

وكان مصرف لبنان المركزي قد تعهد باستخدام احتياطاته لتوفير الدولار لمستوردي السلع الأساسية وسداد التزامات الحكومة، لكن وكالات التصنيف الائتماني حذرت من أن ذلك يقلص قدرة البنك على حماية ربط الليرة بالدولار، وهو ركن أساسي لمنع انهيار الاقتصاد.