تطوير السبل التدريسية والتعليمية والبحثية..

ترجمة: دراسات الإرهاب.. ما هي؟ وكيف تُدرَّس؟ ولمن؟

هجومُ سوق عيد الميلاد في ألمانيا عام 2016 .. المصدر: سبوتنيك

وكالات

تشكِّل دراساتُ الإرهاب أحدَ مجالاتِ العمل الأكاديمي التي تطورت بصورةٍ فاقت مجالاتٍ أخرى، خلال العقدين الماضيين. فقد دفعت هجماتُ الحادي عشر من سبتمبر 2001 إلى النمو المتسارع لمجالٍ بحثي، كان ينمو، حتى تلك اللحظة، بصورة مترددة، وعبر منظور الأثر الرجعي في أغلب دراساته.

فقد شهدت هذه الدراسات، في السابق، الاعتمادُ على التحليل التاريخي والاجتماعي المتعلق بتحليل موجات الإرهاب فيما يشبه إعداد سيرة ذاتية عنها. غير أن الظهور المثير لتنظيم القاعدة، كعدو عالمي جديد غيّر ذلك كله، مطالبًا هذا الحقل بتقديم أجوبه فورية على العديد من الأسئلة المطروحة، حول دوافع هذه الجماعات العنيفة ذات التطلعات العالمية، وأهدافها وهياكلها التنظيمية وأساليب عملها. وقد أدى هذا الشعور الملح إلى إعادة توجيه دراسات الإرهاب نحو هدفين رئيسيين: الأول تنظيم المعلومات الشحيحة المتاحة عن الإرهاب الجهادي وفهمها، وثانيها إجراء “تحليلات الاحتمالات” على المدى القصير، لمعرفة كيف سيتطور هذا التهديد.

إضافة إلى ذلك، أثارت هجمات الحادي عشر من سبتمبر، التي وقعت في واشنطن ونيويورك، ردود فعل دولية غير مسبوقة، أسفرت عن تعبئةٍ هائلة لجميع أنواع الموارد ضد الإرهاب. وفي غضون وقت قصير، أصبح هناك طلب ضخم على التدريب المتخصص، ليس فقط بين الهيئات الجديدة التي سرعان ما أدمجت في الهيئات التي كانت مخصصة تقليديًا لمكافحة الإرهاب، بل أيضًا بين القطاعات العامة، والخاصة الأخرى، التي لم تكن تمارس، حتى وقتها، أيَّ دورٍ في مجال منع العنف الإرهابي، ومكافحته.

ولم يعد يُنظر إلى هذه المهمة على أنها عملية قمعية بحتة يُعهد بها إلى قوات الشرطة والجيش ووكالات الاستخبارات. وبدأت تترسخ في المجتمع نظرة أكثر تطورًا حول الأسباب المتعددة التي تغذي المشكلة الإرهابية ومن ثم كم التعقيد الذي يكتنف معالجتها. لذا، فإن أولئك الذين انضموا إلى هذا الطلب الجديد على التدريب والمعرفة، قد جاءوا من مجالاتٍ متنوعة مثل العاملين في المجال الاجتماعي، والدبلوماسيين، والصحفيين، والقطاع المالي، والعاملين بالسجون، وكثيرين غيرهم.

منذ ذلك الوقت، لم يتوقف مجال دراسات الإرهاب عن النمو، وذلك من خلال تطور السبل التدريسية والتعليمية والبحثية، والتي جاءت في شكل برامج الدراسات العليا، والدبلومات المتخصصة، والدورات الصيفية، والمؤتمرات، التي ترعاها الهيئات العامة، والجامعات، والمراكز البحثية، والمؤسسات، والشركات، والجمعيات الأهلية. لكن يبدو أنه، وعلى الرغم من تعددِ وكثرةِ ما هو متوفر من هذه السبل، فإن القاسم المشترك بينها أنها نادرًا ما تلبي توقعات الطلاب. وهناك أسباب عدة لذلك، يمكن توضيحها كما يلي:

أولًا، أدى تباين سمات الطلاب في هذه البرامج إلى تقديم منظورٍ عام، غير محدد، بحسب كل فئة من الدارسين. ففي القاعة الدراسية نفسها، من الشائع أن تجد أشخاصًا لديهم اهتمامات مهنية مختلفة جدًا، بل أحيانًا متضاربة. وكل منهم يتوقع الحصول على معرفة تكون قابلةً للتطبيق، ويكون لها مردود مباشر في تحسين مهاراته في العمل، وهذا أمر يصعب تحقيقه عندما يتم تناول المحتوى نفسه في الوقت ذاته من قبل هؤلاء مجتمعين، على سبيل المثال، حينما يكون في الدورة ذاتها مسؤول حراسة أمنية، مكلفٌ بمراقبة الركاب في مطار، واختصاصي اجتماعي في مركز احتجاز للقُصّر، فإن هذه الفجوة في التخصص تلقي بظلالها وتوجد أيضا فجوة في الاستفادة.

ثانيًا، الكثير من المهتمين بهذه البرامج لديهم توقعاتٌ غير واقعية بشأن طبيعة المعرفة التي يأملون في اكتسابها. وقد وصمت الدراسات المتعلقة بالإرهاب بنفس “الكلاشيهات” الشائعة التي يُنظر بها إلى عالم التجسس. فمن ناحية، هناك اهتمام كبير بمعرفة سلسلة كاملة من الإجراءات التنفيذية من حقل أجهزه الاستخبارات ووكالات الشرطة. ومع ذلك، ونظرًا لطبيعته الحساسة، لا يمكن الإفصاحُ عن هذا النوع من المعرفة في هذا النوع من البرامج المفتوحة، كما أنه عندما يشكِّل جزءًا من برامج التدريب الداخلي لموظفي هذه الوكالات، فإن هذه البرامج تُنفَّذ في إطارٍ انتقائي، وبطريقةٍ مجزأة، لضمان سرية المعلومات.

ثالثًا: يأملُ كثيرٌ من طلابِ هذه الدراسات في الحصولِ على بياناتٍ قوية حول ظاهرة الإرهاب. غير أن عددًا ليس بالقليل منهم يشعر بالإحباط، عندما يجدون أن ما يقدَّم لهم -كما هو الحال مع أي ظاهرة معقَّدة- عبارة عن معرفةٍ تقريبية، وناقصة، وخاضعة، للمراجعة المستمرة. ولسوء الحظ، هناك أشخاص وجدوا في هذه التوقعات غير الواقعية فرصة تجارية، أو وسيلة لتضخيم الأنا والرغبة في الشهرة. ومن ثم، يقدِّم هؤلاء الانتهازيون عرضًا احتياليًا، يعد، من بين أمورٍ أخرى، بتعليمهم كيفية اكتشاف الشخص الإرهابي -الذي يختبئ في وسط الحشود- من أول نظرة، وتوقع تحركاته، أو معرفة ما يدور في ذهنه. وتتفاقم الأضرار التي يتسبب فيها هؤلاء الخبراء الزائفون عندما يتمكنون عبر “شهاداتهم” كمدربين، من الوصول إلى وسائل الاعلام.

ورغم مما قيل، لا تزال دراساتُ الإرهاب مهمة. فهي، من ناحيةٍ، تشكِّل أحدَ مجالات البحث الأكاديمي، التي يسهل نقل منتجاتها إلى مجالِ الأمن العام، وصياغة السياسات الدفاعية. ومن ناحيةٍ أخرى، تسهم، كجزءٍ من المناهج التدريبية، بشكلٍ كبير، في تحسينِ القدرات التحليلية لأي شخص محترف يرتبط عمله بطريقة ما بهذه الظاهرة. كما تُسهم دراسات الإرهاب، بصورةٍ ما، في تأطير العنف السياسي، في الوقت الحاضر، في سياقٍ تاريخي أوسع نطاقًا. ذلك أن أحد الأخطاء الرئيسة في الرد على الإرهاب الجهادي هو تفسيره على وجه التحديد بأنه ظاهرة مختلفة تمامًا عن أي عنف إرهابي سابق. فالميل إلى الإفراط في تفسير كل ما هو جديد، وتجاهل عناصر الاستمرارية يؤدي إلى تطوير سياسات عامة رديئة. وتسهم دراسات الإرهاب في إضفاء الطابع المنهجي على الدروس المستخلصة على مدى عدة عقود من الكفاح ضد الجماعات ذات الدوافع المختلفة، وفي جميع أنواع السياقات الجغرافية والثقافية، ومن ثم تحويلها إلى معرفة قيّمة.

وختامًا، لعل الإسهام الأكثر أهمية الذي تقدمه دراسات الإرهاب هو حقيقة أنها تعوِّض القصورَ التحليلي الذي تقع فيه وكالات مكافحة الإرهاب. ورغم أن لدى تلك الجهات اهتمام واضح يتمثل في القدرة على إجراء تحليل استراتيجي للظاهرة الإرهابية، ما يسمح لها بتحديد الاتجاهات وإعداد خطط طويلة المدى. لكن ما يحكم أجندتها، في الواقع، مثل غيرها من الوكالات الحكومية، هو الاحتياجات العاجلة والملحة.

وبالتالي، يصبح تحديد الإرهابيين وتحييدهم، لا سيّما إذا كانت الدولة قد تعرضت لهجوم مؤخرًا، هو الأولوية، ما يؤدي إلى استنزاف جهود الموارد البشرية كافة، ويضر بقدرتها على تطوير منتجات تحليلية أكثر طموحًا. ونتيجة لذلك، لا يزال الكثير من البيانات الناتجة عن التحقيقات المتعلقة بمكافحة الإرهاب غير مستغلة؛ لأنه ليس لها تأثير مباشر على تحديد مواقع الإرهابيين الجدد ومحاكمتهم. على الجانب الآخر، نجد أن الباحثين والأكاديميين المشاركين في دراسات الإرهاب لا يتأثرون بهذه الحاجة الملحة للعمل على المدى القصير. وهذا يسمح لهم بالاقتراب من هذه الظاهرة من منظور أوسع وأكثر هدوءًا، وإعداد أُطرٍ تفسيرية ونظرياتٍ بديلة، تساعد على تكملةِ العملِ التحليلي الذي تقوم به الأجهزةُ الأمنية وإثرائِه.

Qposts