تراجع نفوذ..

تقرير عربي: مستنقع العنف.. تركيا في ورطة ومكاسب قليلة لروسيا

تعقيد

أنقرة

مع التوغل التركي في منطقة سيطرة مقاتلين أكراد، في شمال شرق سوريا، اتخذت الحرب هناك منحى آخر. ورغم التحضير للعملية منذ وقت طويل، إلا أن معظم المعنيين بالقضية بدأوا في إعادة تقييم المخاطر والخسائر، عوض إحصاء الفوائد.

وهناك عنصر آخر معقد بالنسبة لموسكو يتمثل في هروب جماعي لسجناء حرب من معتقلات كردية، ما يعزز احتمال نهوض داعش

ويرى بافيل باييف، الزميل البارز غير المقيم المتخصص في السياسة الخارجية لدى معهد بروكينغز، أن الضرر الذي طال مواقف ونفوذ الولايات المتحدة كبير، ولا يمكن لهدنة أمكن التفاوض عليها بسرعة أن تستعيد مصداقية أمريكا، وإن صمدت.

مستنقع العنف
وفي رأي باييف، تردت تركيا في ورطة كبرى ستؤثر على حسابات رئيسها رجب طيب أردوغان لتعزيز دعم محلي للعملية العسكرية، التي كان يفترض تسميتها "مستنقع العنف" بدل "نبع السلام".

ومن جانبها، اعتبرت روسيا أكبر مستفيد من هذا التدافع الجيوسياسي الدقيق. ولكنها في الواقع، ناورت في زاوية ضيقة نوعاً ما، بسبب التزاماتها الثقيلة، وعوائدها غير المجدية.

وحسب كاتب المقال، لن تثمر العملية التركية المتوقفة حالياً عن إنشاء ما يشبه "منطقة آمنة" بعمق 32 كيلومتراً وطول 480 كيلومتراً، لكنها غيرت جذرياً توازن القوى متعدد الأطراف في شمال سوريا. 

لن تستطيع وحدات حماية الشعب الكردي، الصمود أمام الهجوم العسكري التركي، ولكنها لن تنسحب نهائياً من موطنها، وهي مهيأة لمواصلة هجمات ضد قوات العدو داخل هذه المنطقة، وعبر الحدود.

تعقيد
وفي اعتقاد الكاتب، من المؤكد أن وصول الجيش السوري، وهو ليس طرفاً في اتفاق الهدنة، سيضيف مزيداً من التعقيد للوضع القتالي. ومن المؤكد أيضاً أن تتصاعد الاشتباكات بين القوات التركية والألوية العسكرية السورية، التي تعرف كيف تتعاون مع وحدات حماية الشعب. وستحاول روسيا الفصل بين القوات التركية والسورية، ولكن الذي تستطيع روسيا عمله في منبج بالتحديد، يتجاوز قدرة قواتها الخاصة المحدودة العدد، حتى إذا عززتها بـ" مرتزقة واغنر".

ويقول كاتب المقال، إن أحد أهداف روسيا الرئيسية في سوريا، منذ ما لا يقل عن عامين، هو إنهاء سيطرة متمردين على محافظة إدلب، القريبين من قاعدة حميميم الجوية الروسية في اللاذقية. وقد عارضت تركيا بشدة  مثل هذه العملية، واليوم، و بعد أن ثار غضب أردوغان بسبب الشجب الدولي لعمليته، فإنه سيرفضه حتماً.

وعلاوة على ذلك، لن يكون الجيش السوري الذي ينشر حالياً قواته على طول المنطقة المتنازع عليها مع تركيا، قادراً على تجميع قوات تكفي لاستعادة إدلب، حتى في ظل الغارات الجوية الروسية.

تراجع نفوذ
وهناك عنصر آخر معقد لموسكو يتمثل في هروب جماعي لسجناء حرب من معتقلات كردية، ما يعزز احتمال نهوض داعش. ونجحت روسيا في منع عودة "مقاتلين من جيش الخلافة" إلى شمال القوقاز، ولكن اليوم يلوح في الأفق خطر موجة جديدة من الهجمات الإرهابية.

ويرى الكاتب أن مكسب النظام السوري، الذي وسع سيطرته المناطقية، وأخضع الأكراد دون إطلاق رصاصة واحدة، ليس بالضرورة مكسباً لروسيا التي تسعى للمحافظة على نفوذ إيجابي في سوريا.

وحاولت روسيا، على مدار عامين ونصف، تحويل سوريا إلى منطقة تعاون مع تركيا وإيران، وفق "صيغة استانة" التي تبخرت حالياً.

إلى ذلك، لن يقبل أردوغان بأي تمثيل كردي في اللجنة الدستورية المدعومة دولياً، وستنسف القيادة الإيرانية جميع المخططات السياسية الروسية، وستصر على نموذجها الثوري الإيراني.

ولا تملك روسيا موارد كافية تستثمرها في إعادة الإعمار بعد الحرب، فضلاً عن تنامي المعارضة الشعبية الروسية لمواصلة التدخل في سوريا. وتستطيع روسيا تقديم نفسها بوصفها تقف بثبات مع حلفائها، ولكن فكرة الولاء لقوة داعمة غير موجودة في سياسة الشرق الأوسط.

أزمة خطيرة
من جانب آخر، تستفيد روسيا دوماً من كل شجار ينشب داخل حلف الناتو، وقد أثار قرار أردوغان الأحادي بغزو سوريا أزمة خطيرة في علاقات تركيا مع الحلفاء.

وبذل الجنرال ينس ستولتينبرغ، الأمين العام لحلف الناتو، قصارى جهده لاحتواء الخلاف، ولكن لموسكو ما يدعوها لتوقع خلاف عميق.

وأصبح عملياً اليوم عرضها تقديم مقاتلات Su-35 بديلاً عن البرنامج الأمريكي لمقاتلات F-35. ولكن الأهم في التفكير الاستراتيجي الروسي النووي هو احتمال سحب الولايات المتحدة قنابل B61 النووية من قاعدة إنجرليك في تركيا.

وأوضح الكاتب أن خاصرة الناتو الجنوبية الآن في حالة من الفوضى، ولكن روسيا تحتاج للحصول على وسيلة لاستغلال هذه الفوضى.