احتجاجات لبنان..

جهود تشكيل حكومة جديدة تدخل دائرة الانسداد السياسي

لا مؤشرات على انفراجة قريبة في تشكيل حكومة جديدة

بيروت

انتهى اجتماع بين رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري والرئيس ميشال عون اليوم الخميس دون إحراز أي تقدم يذكر في مشاورات تشكيل حكومة جديدة على وقع احتجاجات تطالب برحيل كل المنظومة السياسية القائمة على نظام المحاصصة الطائفية.

وعلى مسار مواز يواصل الحريري عقد اجتماعات مع قوى منضوية في الائتلاف الحكومي الذي انهار تحت ضغط الشارع، لكن لا توجد حتى الآن أي بوادر على انفراجة قريبة للأزمة أو تحقيق توافق باتجاه تشكيل الحكومة الجديدة.

ومن الصعب في ظل الظروف الراهنة التوصل سريعا إلى تشكيل حكومة تقطع مع نظام المحاصصة الطائفية وهو مطلب شعبي بات ملحا أكثر من أي وقت مضى كترياق لمعالجة الفساد المستشري والمتغلغل في مفاصل الدولة اللبنانية.

ويتهم المحتجون المنظومة الحاكمة بأنها أساس الفساد وأن استنساخها يعني ترسيخا للفساد ودفع بلبنان الذي يئن تحت وطأة أسوأ أزمة اقتصادية إلى الهاوية.   

ولم يخرج لبنان من متاهة أزمة تفاقمت منذ فوز حزب الله المدعوم من إيران وحلفاؤه بالأغلبية في الانتخابات التشريعية التي جرت في مايو/ايار الماضي وأدخلت لبنان في مأزق تشكيل حكومة إلى أن عقد الحريري مع عون بدعم من حزب الله صفقة جاءت بالأول رئيسا للوزراء والثاني رئيسا للجمهورية، ما أنهى الشغور الرئاسي الذي استمر لعامين ونصف العام.

ولم يكن الوضع السياسي والاقتصادي بالسوء الذي هو عليه اليوم مع شلل تام ضرب مؤسسات الدولة ونظامها المالي وعمق الأزمة الاقتصادية، ما يشير بلا أدنى شكّ أن الأزمة الأخيرة ستطول أكثر مما يتوقعه الجميع.

ودخل الحريري الذي استقال لقطع الطريق على تحويل حزب الله ساحات الاعتصام لحمام دم بعد أن اقتحم أنصاره وسط بيروت واعتدوا بالضرب على المحتجين وأحرقوا خيامهم، في سباق ضد الساعة لإيجاد مخرج للأزمة السياسية مع اتجاه لبنان إلى حافة الانهيار المالي.

وترهن الجهات المانحة الإفراج عن حزمة قروض ومنح تقدر بنحو 11 مليار دولار كانت تعهدت بها في مؤتمر سيدر، بتنفيذ الحكومة حزمة إصلاحات قاسية.  

وأصر رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري على ترشيح الحريري لرئاسة الوزراء قائلا "مصر كل الإصرار على تسمية سعد الحريري لرئاسة الحكومة لأنه مع مصلحة لبنان وأنا مع مصلحة لبنان".

ولم يبدأ الرئيس اللبناني بعد عملية المشاورات مع النواب بشأن تعيين رئيس الوزراء الجديد. وقالت الرئاسة إن عون بحث الاتصالات الهادفة إلى حل وضع الحكومة الحالي.

واستقال الحريري في 29 أكتوبر/تشرين الأول، قائلا إنه استجاب للمحتجين الذين شملت مطالبهم تشكيل حكومة خالية من الساسة المتهمين بالفساد.

وعقد رئيس الوزراء اللبناني المستقيل اجتماعين هذا الأسبوع مع جبران باسيل صهر عون ورئيس التيار الوطني الحر، الحزب السياسي الذي أسسه.

وهاجم الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي كان لديه وزيران في الحكومة المنتهية ولايتها، الحريري وباسيل على ما يبدو، قائلا على تويتر إنه رغم الاحتجاجات والمخاطر الاجتماعية والاقتصادية "يتشاورون ويجتمعون في كيفية تحسين وتجميل التسوية السابقة التي خربت البلاد" والتي توصلا إليها في 2016.

أما السياسي الماروني سامي الجميل الذي لم يكن حزبه 'الكتائب' مشاركا في تلك الحكومة، فذكر أن الأطراف الرئيسية لم تدرك عمق حركة الاحتجاج الحالية.

وقال في مقابلة مع رويترز عبر الهاتف إنه لا يرى أي تغيير في سلوك الأطراف الرئيسية بعد كل ما حدث، مضيفا أنهم ما زالوا يحاولون تشكيل حكومة تروق لهم جميعا، لكن هذا ليس ما يطالب به الناس.

وحذر الجميل من أن النظام المالي على شفا الانهيار وحث على تشكيل حكومة محايدة سياسيا على الفور، بينما أفادت مصادر مصرفية اليوم الخميس باستمرار منع معظم التحويلات المالية خارج البلاد.

ويواجه لبنان أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية بين 1975 و1990 ويشهد المزيد من الاضطرابات منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول بعد موجة احتجاجات لم يشهد لها مثيل على النخبة الحاكمة، مما دفع الحريري إلى الاستقالة من رئاسة الوزراء الأسبوع الماضي.

وعاودت البنوك فتح أبوابها يوم الجمعة بعد أسبوعين من الإغلاق، لكن العملاء واجهوا قيودا على التحويلات خارج البلاد وسحب الأموال بالعملة الصعبة.

وذكر مصدر مصرفي أن جميع التحويلات الدولية بشكل عام لا تزال ممنوعة مع بعض الاستثناءات مثل مدفوعات الرهون الأجنبية ورسوم الدراسة. وقال مصدر مصرفي ثان إن القيود زادت تشديدا.

وكان رئيس جمعية مصارف لبنان ذكر هذا الأسبوع أن البنوك لا تطبق سياسة القيود، لكن يتم ترتيب الأولويات بعدما أدى الإغلاق لأسبوعين إلى تراكم الطلبات.

ويئن الاقتصاد تحت وطأة أحد أكبر أعباء الدين في العالم نتيجة سنوات مع عدم الكفاءة والهدر والفساد، فيما يدنو النمو من الصفر على وقع أزمات متراكمة منذ سنوات.

وتشهد التدفقات الرأسمالية الحيوية لميزانية الحكومة اللبنانية وعجزها التجاري تباطؤا منذ سنوات، مما أسهم في الآونة الأخيرة في شح النقد الأجنبي وظهور سوق سوداء لليرة اللبنانية المربوطة بالدولار.

وقال الجميل إن لبنان في بداية انهيار مالي ونقدي هائل، مضيفا أن البلاد تتجه إلى مشكلة ضخمة تتمثل في القوة الشرائية ومشكلة التضخم الهائلة ومشكلة الفقر الهائلة.

وذكر أنه يتوقع زيادة القيود على التعاملات المالية مع سعي البنوك للاحتفاظ بأموالها النقدية، بينما أشار مستوردان إلى أن الوصول إلى التمويل لم يتحسن.

وقال هاني البحصلي المدير العام للبحصلي فودز ونقيب رابطة مستوردي المواد الغذائية والاستهلاكية والمشروبات "لا نزال حتى الآن نجد صعوبة في إيجاد بعض السيولة لإبرام بعض الصفقات. نشعر بالقلق على المدى الطويل"، فيما قال مستورد ثان إن بنكه لن يسمح له بالقيام بالمزيد من التحويلات الدولية.