فضاءات سردية بتجليات شعرية..

سرير أبيض

نوافذ متعددة في الكتابة السردية

ميلانو

صدرت حديثا عن منشورات المتوسط في إيطاليا، مجموعة قصصية هي أولى إصدارات الكاتبة الإماراتية عفراء محمود، بعنوان "سرير أبيض". 
ووفقا للناشر فإن قصص المجموعة تنحاز للبوح والمكاشفة الذاتية، وخصوصاً تسريبِ صورِ ومشاهد وحكاياتِ الذاكرة، تنفتحُ القصص كذلك على نوافذ عديدةٍ، تقتنصُ لحظةً شعرية، مشهداً عابراً، وتُدخل كلَّ شيءٍ إلى معسكر الحكي، ليتسرب كما النمل من جديد ويتشعب بين مدنٍ وأناسٍ وتفاصيل صغيرة تحكي المكانَ وقاطنيه، وتستعين أحياناً بخيالٍ يتسع لأمكنة وحكاياتٍ أخرى، وأناسٍ آخرين، في أوطان قريبة تسقط أمامها معايير الجغرافيا.
سنجدُ أنفسنا، عبر صفحات الكتاب، في مواجهة مرآة متحرّكة، تتنقَّل بين فضاءٍ وآخر، لتجعل من صورتنا عليها، صورةً لكل الأبطال الحقيقيين أو المتخيلين، بين طفل ومجنون وغريق ومريض ولاجئ وقاتل وغير صالح للحياة وقط مثير للريبة وسيارة صفراء وغرفة مستطيلة وباب مخلوع، وحيثُ لن نكون بحاجةٍ إلى تغيير ملامحنا لتنسجم مع ملامح راوي القصة أو بطلها، ذلك أن عفراء محمود تقف بضمير الأنا أمام تلك المرآة، لتكتب قصصها ولا تداري انكساراتها كما أحلامها في حشدِ أسئلة الوجود وما يعيشُه إنسان الألفية الثالثة من حروبٍ وصراعات وتناقضات كبيرة.
الأسِرَّةُ البيضاء، هي فضاء مفتوح على كلِّ شيء، كما هو نص عفراء محمود القصصي: "سرير أبيض"، كتجربة أولى لها أن تنفتح هي الأخرى على نوافذ متعددة في الكتابة السردية.

عفراء محمود تقف بضمير الأنا لتكتب قصصها ولا تداري انكساراتها كما أحلامها في حشدِ أسئلة الوجود وما يعيشُه إنسان الألفية الثالثة من تناقضات كبيرة

أخيراً، "سرير أبيض" مجموعة قصصية للكاتبة عفراء محمود، جاءت في 112 صفحة من القطع الوسط، ضمن سلسلة "براءات" لسنة 2019، التي تصدرها الدار وتنتصر فيها للشعر، والقصة القصيرة، والنصوص، احتفاءً بهذه الأجناس الأدبية.
من الكتاب:
صرخة مهزوزة ترتدُّ إليَّ:
- ماذا؟!!
جبال من النمل. كل واحدة تُمسك حبَّة رمل، تُكدِّسه فوق بعضه بترتيب غريب أشبه بمخبأ عسكري، لتُغلق به مدخل الكهف.
- ماذا؟!!
يتورَّم جسدي من قرصات لا أعرف أين بدأت أو انتهت. كل جسدي مهتاج، محمرّ، ومُدمَّى. أستند على الظلام لتنغرس بعض الحجارة الحادَّة في يدي، وأدفع نفسي نحو المدخل الذي يكاد يُغلق، لأُحطِّمه.
- أجل!
يندفع النور بقوَّة ألف حصان مخترقاً جمجمتي. تبيضُّ عيناي من الوهج المباغت. أُغمضهما. أسكن. أفتح عينَيَّ على هجوم مباغت يشدُّني للأعلى. وجيش النمل في الأسفل يعيد ترتيب صفوفه ويشدُّني للأسفل.
آه، بين البَيْنَيْن أقف. أتمزَّق. من كل جهة أُسْحَب. أنشطر. لا أعرف ماذا أختار. أحبُّه ويكرهني. أكرهه فيحبُّني. لا أعرف كيف أُلَمْلِمُنِي. عظيمٌ بجناحَيْه الذَّهبيَّيْن، يمدُّهما فيغطِّي ازرقاق الأفق. يجذب ذراعي اليسرى لسمائه. ويدي اليمنى تلتهمها جيوش نمل، وتجرُّها إلى جُحْرها لموسم قادم. أصرخ لنفسي:
- الآن.
أهشُّ النمل عن يدي اليمنى وأحفظ مكان الجُحْر. أتمسَّك به جيِّداً. يُحلِّق.
عفراء محمود: كاتبة إماراتية، تحمل شهادة البكالوريوس في العلوم البيئية والاستدامة، تشغل منصب نائبة مديرة مبادرة "استراحة سيّدات" بشكل تطوعي منذ عام 2017. شاركت في أنشطة ثقافية وأدبية عدَّة، منها: ندوة الثقافة والعلوم، بحر الثقافة. أدارت العديد من الجلسات الحوارية مع كُتَّابٍ وكاتبَاتٍ من الوطن العربي.