اقالت مديرها التنفيذي..

"ماكدونالدز" .. مَن الذي يقرر أين يجد الإنسان حب حياته؟

ستيف إيستبروك

وكالات

يرتبط الحب بين الجنسَين بهرمونَين أساسيَّين؛ “الأوكسيتوسين” و”الفاسوبريسين”، اللذين تنتجهما الغدة النخامية، ويتفاعل الهرمونان في ما بعد مع هرمون الدوبامين الذي يعمل على تحفيز نظام المكافأة في الدماغ؛ ما يضفي على الحب إحساسًا بالمتعة والإدمان والتبعية العاطفية، وبذلك يبدأ الحب بين الشريكَين نتيجة مجموعة تفاعلات هرمونية؛ إلا أن شركات كبرى حول العالم تعترض على هذا المنطق العلمي، وتحاول ردع أي تفاعلات تفضي إلى علاقة عاطفية من خلال سياساتها الداخلية التي “تمنع المديرين من إقامة علاقات مع المرؤوسين”.

ومن ذلك ما حصل قبل أيام مع الرئيس التنفيذي لشركة “ماكدونالدز”، إحدى أكبر سلسلة مطاعم وجبات سريعة في العالم، ستيف إيستربروك، الذي أُقيل من عمله نتيجة خوضه علاقة غرامية بالتراضي مع موظفة في العمل، بعد 20 سنة قضاها في الشركة، والتي بررت قرار الفصل، قائلةً: “إن إيستربروك انتهك سياستها وأظهر سوء تقدير من خلال الدخول في علاقة بالتراضي مؤخرًا مع إحدى الموظفات”، بعد أن اعترف الأخير بالعلاقة في رسالة بعثها عبر البريد الإلكتروني إلى الموظفين.

12 سنة إلى الوراء

وصلت قصة إيستربروك، التي تناقلتها وسائل إعلام عالمية، إلى رجل الأعمال الأسترالي غاري ليون، لتعيده بالزمن إلى أكثر من 12 سنة؛ حيث أقيل من عمله هو أيضًا نتيجة تجربة مشابهة، الأمر الذي دفعه إلى التواصل مع شبكة “BBC” البريطانية؛ لسرد قصته التي بدأت عندما فُصل من عمله كمدير العمليات في شركة لصناعة الأبواب والنوافذ، بسبب علاقة غرامية جمعته بزميلته تمارا التي كانت تعمل منسقة مشروع في الشركة ذاتها.

أعلن كلٌّ من غاري وتمارا علاقتهما، وبعد ثلاثة أشهر من بدايتها استدعت إدارة الشركة غاري وأعلمته بقرار فصله من العمل، في حين بقيت تمارا على رأس عملها. وفي هذا الصدد قال غاري، خلال حواره مع”BBC” : “إنك تمضي وقتًا طويلًا مع زملائك في العمل ويتسنى لك أن تعرفهم بشكل جيد”، واصفًا قرار الفصل بـ”التعسفي”، مضيفًا: “لا يمكن للشخص اختيار المكان الذي يجد فيه الحب، فلماذا يُعاقب الطرفان بطرد أحدهما؟”!.

تزوج غاري وتمارا وأنجبا طفلتهما التي تبلغ اليوم 11 عامًا، ويملكان شركة في مدينة بريسبن. وعن العلاقات العاطفية التي تحدث بين موظفيه، يقول غاري: “إن الفكرة لا تزعجني مطلقًا، ما دام ذلك لا يؤثر على عملهما”.

قد لا يكون حبًّا!

تبدو سياسات الشركات الكبرى المتعلقة بالعلاقات العاطفية بين الموظفين، وتحديدًا بين المديرين والمرؤوسين، جائرة وقد تتسبب في إنهاء علاقة حب حقيقية؛ إلا أن أهدافًا أخرى قد تنضوي تحتها، منها التقليل من التحرُّش في بيئة العمل، تحديدًا بعد حملة “#MeToo” التي ظهرت سنة 2017، بعد فضيحة المنتج الأمريكي هارفي واينستين، الذي اتهمته عشرات النساء بالتحرش بهن واستخدام سلطته كمنتج للأفلام لاستغلالهن جنسيًّا؛ الأمر الذي زاد من حساسية الشركات الكبرى تجاه تكوين علاقات عاطفية بين الموظفين، علمًا بأن هذه السياسات كانت متبعة قبل 2017.

لذلك يخشى بعض الشركات أن يستخدم مديروها مكانتهم الوظيفية المرموقة لاستغلال الموظفين جنسيًّا، وإرغامهم على الدخول في علاقات جنسية، تحديدًا إذا كان المرؤوس موظفًا حديثًا يخشى رفض أوامر مديره، وبناءً عليه تحرص الشركات على تطبيق هذه السياسات بصرامة؛ حتى إن كان المدير المقال واحدًا من أنجح المديرين التنفيذيين الذين عملوا في “ماكدونالدز”، فخلال فترة عمله كمدير تنفيذي ضاعف إيستربروك سعر سهم الشركة، بينما قال محللون إنه “قام بتجديد الشركة عندما كانت في خطر التراجع”.

وفي هذا السياق، تقول لوري وينجارت، أستاذة السلوك التنظيمي في كلية “Tepper” بجامعة كارنيجي ميلون: “إن سماح الشركة ببقاء إيستربروك على رأس عمله سوف يرسل رسالة مفادها أن سياسات الشركة غير مهمة، وأنه لا يتم التعامل مع جميع الموظفين بنفس مستوى العدالة، وهذه الرسالة تقوِّض كل الجهود الأخرى في الشركة لجعل بيئة العمل خالية من المضايقات وأكثر شمولًا وعدالة”.

وهنا نقع في معضلة: هل يجب إزالة هذه السياسات أم الإبقاء عليها؛ للحد من حالات التحرش؟ لابد من خلق توازن.. بيئة العمل هي مكان التقاء فيه تتشكل صداقات وعلاقات عاطفية، هذه حقيقة؛ لكن لابد من توعية الموظفين، تحديدًا الجدد منهم، للإبلاغ عن أية حالة تحرش، وإكسابهم الإحساس بالأمان من قِبَل الشركة.