جملة الحقائق..

تقرير: لماذا علينا التوقف عند الاحتجاجات الإيرانية الحالية؟

لا يمكن عزل تأثير الانتفاضة العراقية على الاحتجاجات الإيرانية فكافة المعطيات تدل على فشل الأحزاب الم

عمر الرداد

ربما لا نبالغ إذا قلنا إنّ المتابع للحركة الاحتجاجية التي اجتاحت إيران مؤخراً، على خلفية قرار الحكومة زيادة أسعار المحروقات، تحديداً البنزين، ليصبح ثلاثة أضعاف سعره قبل الزيادة، أن يتجاوز جملة من الحقائق حول تلك الاحتجاجات:
الحقيقة الأولى: هذه الحركة الاحتجاجية غير معزولة عن حركات احتجاجية سابقة، كانت ذروتها تلك الاحتجاجات التي انطلقت في نهاية عام 2017، على خلفية مطالبات بتحسين الأوضاع الاقتصادية، وقد شملت حينها طبقة التجار "البازار" في طهران، وكان شعارها الأبرز: "الموت للشيطان.. الموت لروحاني"، في رسالة شعبية واضحة ترفض ثنائية السلطة بين المرشد ورئاسة الجمهورية، وتحميلهما مسؤولية تردّي الأوضاع، إضافة إلى رفض الدعم الذي يقدمه المرشد الأعلى والحرس الثوري الإيراني لـ "العراق، وسوريا، وغزة، ولبنان، واليمن"، وتعامل وتمكّن الحرس الثوري حينها من إخماد تلك الحركة بأساليب وحشية.

لا يمكن عزل تأثير الانتفاضة العراقية على الاحتجاجات الإيرانية فكافة المعطيات تدل على فشل الأحزاب الموالية لطهران في قيادة العراق

القيادة الإيرانية لم تستفد من رسائل تلك الحركة الاحتجاجية؛ فبدلاً من مواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية على الطبقتين؛ الوسطى والفقيرة، جاءت موازنة الدولة الإيرانية، في آذار (مارس) 2018، لتؤكّد عمق الانفصال عن الواقع الذي تعيشه القيادة الإيرانية بشقّيها؛ المتشدّد والإصلاحي؛ إذ غابت معالجات الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار عن تلك الموازنة، وذهبت غالبية مخصصاتها لمؤسسات الحرس الثوري الإيراني ومؤسسات المرشد الأعلى التي تنفذ مشروع تصدير الثورة.

الحقيقة الثانية: هذه الاحتجاجات تردّ على الشكوك التي طرحت على خلفية انسحاب الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، من الاتفاق النووي مع إيران، وفرض حزم من العقوبات الاقتصادية التي وصفها ترامب بـ "القاسية وغير المسبوقة في التاريخ"، وإمكانية تأثير هذه العقوبات على النظام الإيراني، ورغم الحملات الإعلامية التي مارستها القيادة الإيرانية بأنّها لم تتأثر بالعقوبات، وأنّ الاقتصاد الإيراني قادر على الصمود والمواجهة، إلا أنّ إقدام الحكومة الإيرانية على زيادة أسعار المحروقات، يؤكّد حجم تأثير العقوبات الأمريكية، ونجاح رهاناتها بأنّ العقوبات ستدفع الشعب الإيراني لثورة ضدّ النظام، وهو ما لم تدركه القيادة الإيرانية؛ بأنّ إحصاءاتها تقول إنّ ثلثَي الشعب الإيراني (حوالي ستين مليوناً) هم من الفقراء.

الحقيقة الثالثة: لا يمكن عزل تأثير الانتفاضة العراقية الحالية ضدّ السلطات الحاكمة منذ عام 2003؛ حيث تقود "ترويكا" أحزاب شيعية موالية لإيران حكم العراق، تدلّ كافة المعطيات على فشلها في قيادة الدولة العراقية، ورهنها لأجندات القيادة الإيرانية، باستثمار المذهبية وصياغة الصراع على أساس مواجهة السنّة، وعنوانهم وفق الدعاية الإيرانية "داعش"، فيما استفاق العراقيون من قواعد تلك الأحزاب "الشيعية"، واكتشفوا أنّ الخدمات التي كان يقدمها النظام السابق، أفضل بكثير مما هي عليه بعد حوالي 17 عاماً، وأنّ شعارات المظلومية تستثمرها طبقة حاكمة بالعراق، مارست أبشع صور الفساد والاستبداد.

الحقيقة الرابعة: القيادة الإيرانية لا تملك إلا الخطاب والأساليب التي تمارسها اليوم لمواجهة الحركة الاحتجاجية، فعلى صعيد الخطاب؛ ما يزال يدور في عناوين ثابتة، تستهدف شيطنة الحركة الاحتجاجية، فأمريكا تقف وراء الاحتجاجات، والقائمون عليها عملاء الداخل والخارج، عملاء للرجعية، ومندسون ومخربون يستهدفون الأملاك العامة والخاصة، وهم أعداء الثورة الإسلامية، فيما الأساليب ذاتها: استخدام القوة المفرطة؛ بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، والاعتقالات الواسعة التي طالت النشطاء، وقطع الإنترنت لعرقلة اتصالات قادة المظاهرات ببعضهم والحشد للتظاهر، والحيلولة دون وصول صور القمع الذي تمارسه أجهزة الأمن ضدّ المتظاهرين.

القيادة الإيرانية لا تملك إلا الخطاب والأساليب التي تمارسها لمواجهة الاحتجاجات حيث تشويه الحراك واتهام المتظاهرين بالخونة وقمعهم وقطع الانترنت

الحقيقة الخامسة: الانتفاضة الإيرانية ستنعكس على انتفاضتي العراق ولبنان؛ ففي حال استمرار الانتفاضة الإيرانية وتصاعدها؛ فإنّ ذلك سيشكل دافعاً لانتفاضتَي العراق ولبنان؛ إذ إنّ ما تشهده المدن العراقية واللبنانية تشكّل إيران عنواناً رئيساً له، وباتجاه رفض تدخلها بالعراق ولبنان، فيما سيكون تأثير "إخماد" ثورة إيران الحالية أقلّ وقعاً في بغداد وبيروت، دون التهوين من تأثير ذلك، وهو ما يقود لطرح تساؤلات حول مستقبل الثورة الإيرانية الحالية، التي لا يستطيع أن يرسم سيناريوهاتها المستقبلية أيّ كان، خاصة في ظلّ "نجاحات" القيادة الإيرانية بإخماد ثورات سابقة، فيما يشكّل الاتفاق المعلن بين تياري التشدّد والإصلاح على مواجهة الثورة الحالية، إلى جانب غياب ظهور قيادة معلنة للثورة الإيرانية، سبباً من الأسباب التي تجعل احتمالات استمرارها محفوفة بالمخاطر، ويسهل على القيادة الإيرانية القضاء عليها.
ومع ذلك، فلا يمكن التهوين من مفاعيل وتداعيات الثورة الإيرانية، فقادة النظام الإيراني يدركون اليوم حقيقة أنّ الحلّ الأمني لا يمكنه قمع الثورة، وأنّ القمع الذي مارسته حكومات شاه إيران، لم يحل دون قيام الثورة الإيرانية، التي تحوّلت بين عشية وضحاها إلى ثورة إسلامية، وأنّ ليس هناك ثورة تنجح بالوصول إلى سدّة الحكم وتبقى ثورة، وأنّ هذه المقاربة كان مصيرها الفشل في كلّ الثورات.