انتزاع دعم سياسي وديبلوماسي..

تقرير: كيف ساعد الإعلام القطري في زعزعة استقرار الشرق الأوسط؟

مقر الجزيرة في الدوحة

الدوحة

فصّلت المحللة السياسية والمستشارة الاقتصادية في الشؤون الآسيوية والشرق أوسطية، جويس توليدانو، كيفية استغلال قطر ثروتها لنشر أجندتها التخريبية على المستوى الإقليمي.

هنالك طبعاً استغلال قطر المتكرر للنفوذ المالي لانتزاع دعم سياسي وديبلوماسي حول العالم على حساب التحالف الإقليمي

واستهلت توليدانو مقالها في موقع "هيومن إيفنتس" الأمريكي باستذكار الحرب الإيرانية-العراقية والنزاعات المتتالية في الخليج والتي أدت إلى نشر الفوضى الاقتصادية على امتداد الشرق الأوسط، معتبرة أنّ التيارات الدينية مثل الإخوان والتيارات القومية مثل حزب البعث لصدام حسين سجنت المنطقة في نزاع مستمر. لقد كانت فترة فوضى ومذبحة.

في هذه الأثناء، تمكن مجلس التعاون الخليجي من تأسيس نفسه كقوة استقرار في المنطقة. وتابعت توليدانو أنّ مدناً مثل دبي وأبو ظبي أصبحت مراكز تجارية كوزموبوليتية وسهلت التجارة الدولية والتنمية الاقتصادية في شبه الجزيرة العربية. تأسس مجلس التعاون الخليجي سنة 1981 وضم السعودية والإمارات والكويت والبحرين وعمان وقطر. كان هدف التكتل الأساسي تعزيز الوحدة والتعاون على المستويات الدفاعية والسياسية والثقافية. تضمن ذلك تاريخياً جهود إغاثة دولية وتطوير البنية التحتية الأساسية. كذلك، حافظت الولايات المتحدة على علاقات وثيقة مع مجلس التعاون بالنظر إلى المنافع الاقتصادية والأمنية في هذه الروابط.

يجسد الأردن كدولة تستفيد بشكل أساسي من رعاية مجلس التعاون مثلاً قوياً حول كيفية مساهمة المساعدات الإقليمية في تحسين الاستقرار. وتم استخدام 1.36 مليار دولار من صندوق الخليج للتنمية من أجل تعزيز الاستقرار الاقتصادي للأردن. وكانت عمّان واحدة من وجهات استثمارية عديدة محتملة لعشرات المليارات الدولارات من المساعدات الخليجية والتي لا يتم الإعلان عن معظمها.

الإصلاحات ومحاربة التطرف
أدخلت دول مجلس التعاون إصلاحات شملت تحويل وظيفة المساعدات من استثمار آيديولوجي إلى استثمار يتخذ أكثر طابعاً مدنياً واقتصادياً. دعم القادة الشبان في مجلس التعاون هذا التحول عبر تكتيكات القوة الناعمة. تشكل محاربة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للتطرف مثلاً على ذلك. وتضيف الكاتبة أن من بين الإصلاحات تولي المرأة 30% من المناصب الوزارية في الإمارات كما تدوين البحرين سجلاً حافلاً في ترشيح النساء إلى مراكز حكومية بارزة بدءاً بتعيين هدى عزرا ابراهيم نونو كسفيرة إلى واشنطن بين 2008 و2013. ومع ذلك، لا تزال هنالك استثناءات على مسارات الإصلاح.

الجزيرة والمشاكل.. منذ إطلاقها
بقيت قطر مصرة على الوقوف ضد الأخلاقيات الاقتصادية الجديدة المنتشرة في مجلس التعاون. بدأت الاحتكاكات بين دول المجلس وقطر سنة 2017 بعدما فرضت السعودية والإمارات والبحرين مقاطعة اقتصادية متهمة الدوحة بخرق اتفاق تم توقيعه سنة 2014 لمناهضة الإرهاب. بدأت هذه التصدعات سنة 2011 خلال الربيع العربي بسبب شبكة الجزيرة الناطقة باسم العائلة القطرية الحاكمة وأجندتها. على الرغم من أنها واحدة من القنوات الأساسية لتغطية ملفات كثيرة، تسببت الجزيرة بالجدال في الشرق الأوسط منذ تأسيسها سنة 1996.

ازدواجية الجزيرة وببغائيتها
خلال مؤتمر أوروبي-متوسطي حول الاقتصاد استضافته باريس في وقت سابق من السنة الحالية، تحدث الباحث في معهد الأبحاث الإعلامية جوناثان كاردوزو عن دقة الأسلوب الذي تتبعه الجزيرة لنشر أجندتها: "تروج الشبكة غالباً لأجندات غربية-ليبيرالية تبدو غير مؤذية في تغطيتها كوسيلة لتمرير رسالة سياسية دقيقة إلى جمهور واسع".

تشرح الكاتبة أنه فيما تعمد الجزيرة بنسختها الإنكليزية العالمية إلى تبني قيم ليبيرالية غربية فإنها لا تبث أي أفكار علمانية في نسختها العربية. تنشر الشبكة مواقف متطرفة في هذه النسخة وهي تنتقد غالباً جيران قطر الإماراتيين والسعوديين وتناقض علناً الولايات المتحدة وتردد ببغائياً البلاغيات اللاسامية.

تمويل المتطرفين وإشادة بالإرهاب
تُتهم الشبكة أيضاً بإثارة التوترات والتحريض على العنف عبر نشرها وإشادتها بالهجمات الإرهابية إلى جانب تغطيتها الأحادية الجانب. والأهم أن تمويل قطر للمتطرفين مثل الإخوان وحماس وتنسيقها مع حزب الله والحرس الثوري أثارا غضباً هائلاً من جيرانها العرب. إنّ دفع قطر للأموال إلى الميليشيات الشيعية لإطلاق سراح رهائن قطريين تسبب بمخاوف في الولايات المتحدة وبتوتر ديبلوماسي. وهذه فقط بعض المظالم التي رفعتها دول مجلس التعاون ضد قطر، كما أكدت توليدانو.

فاقمت التوتر الإقليمي
إنّ الادعاءات حول فضيحة الرشاوى القطرية في ما يتعلق ببطولة كأس العالم 2022 واستخدامها حملات التأثير السياسي في واشنطن لم تغضب مجلس التعان فقط بل تغضب الغرب أيضاً بشكل متزايد. وهنالك طبعاً استغلال قطر المتكرر للنفوذ المالي لانتزاع دعم سياسي وديبلوماسي حول العالم على حساب التحالف الإقليمي. لقد طالب مجلس التعاون قطر بإيقاف تلك النشاطات وقطع دعمها للتيارات الإسلامية. بقيت قطر متمردة وفاقمت التوترات الإقليمية فيما يضحّي جيرانها من أجل الاستقرار الإقليمي.

إمكانات الخليج واهتمامات قطر

من خلال ثروته وتحديثه المتزايد، بإمكان مجلس التعاون العمل كقوة مؤمنة لاستقرار المنطقة بشكل فعال. مع ذلك، ليست قطر مهتمة إلا بالترويج لنفوذها السياسي على حساب التعاون والاندماج الأعظم. إن دعمها للإسلاميين والذي يضعها على موقف متناقض مع سائر دول مجلس التعاون والبروباغندا التي تستخدمها الجزيرة يواصلان تقويض أمن المنطقة. وتأسفت توليدانو لكون قطر تفضل استغلال هشاشة الشرق الأوسط لنشر نفوذها على حساب المنطقة.