جهد محوري..

من طفل يتيم إلى أحد رجال الأعمال الإماراتيين.. من هو خلدون المبارك؟

رجل أعمال عصامي

أبوظبي

تناولت وكالة ”بلومبيرغ“ الأمريكية حياة الإماراتي خلدون خليفة أحمد المبارك، العضو في المجلس التنفيذي لإمارة أبو ظبي وجهاز الشؤون التنفيذية في الإمارة، والذي يمتلك الكثير من النفوذ على الرغم من أنه لا ينتمي إلى العائلة الحاكمة في أبوظبي، حيث يزين مكتبه بصور مع الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما والحالي دونالد ترامب.

وفي وقت إجراء وكالة ”بلومبيرغ“ للمقابلة معه في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، كان المبارك قد استضاف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتقى بوزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري والجنرال المتقاعد بالجيش الأمريكي ديفيد بترايوس.
ووفقًا للوكالة، يأتي المبارك من خلفية تراجيدية، إذ اغتيل والده عندما كان في الـ 8 من عمره، لكنه صعد ليصبح أحد أكثر مستشاري أسرة آل نهيان الحاكمة موثوقية، كما يعتبر خلدون (44 عامًا) الرئيس التنفيذي لشركة ”مبادلة“ للاستثمار، وهي شركة قابضة تملكها الإمارة بقيمة 229 مليار دولار ولها أهمية خاصة الآن بينما تسعى أبوظبي إلى تقليل اعتمادها على النفط وتعمل شركة ”مبادلة“ على تنويع استثماراتها.
وتلفت الوكالة إلى ارتداء المبارك للزي الإماراتي التقليدي وهو يرد على أسئلتها ”لن يحدث طلاق نهائي مع النفط والغاز، سيظل هذا دائمًا جزءًا أساسيًا من اقتصادنا، لكن هنا يكون السؤال كيف نحصل على أكبر استفادة من ذلك مع نظرة إلى المستقبل، بينما نتوسع في الوقت ذاته في بقية المجالات؟.. ينصب تركيزي على بناء البقية“.
ويقول كريستوفر ديفيدسون – وهو زميل مشارك في معهد ”رويال يونايتد“ للخدمات في لندن – إن المبارك ”يمثل الجيل الجديد من التكنوقراط الأذكياء الذين سعى ولي العهد (الشيخ محمد بن زايد) إلى إحاطة نفسه بهم“.
جهد محوري
وتمتلك أبوظبي، التي يبلغ عدد سكانها 2.9 مليون نسمة تقريبًا، حوالي 6 ٪ من احتياطي النفط بالعالم.
وفي الوقت الذي تتكيف فيه مع مستقبل أقل تركيزًا على النفط، بدأ القطاع المالي في الإمارة موجة من الاندماج شهدت اندماجًا هائلًا لاثنين من أكبر بنوكها و3 من صناديق الاستثمار الأربعة التابعة لها، وكان لخلدون دور محوري في هذه الجهود كرئيس لهيئة الشؤون التنفيذية في أبو ظبي، التي تقدم المشورة لولي العهد في القضايا الاستراتيجية.
وتمثل شركة ”مبادلة“ جزءًا من هذا التطور، حيث بدأت كوسيلة لتنويع الاقتصاد من خلال جذب الخبرة والوظائف للإمارة، قبل أن تصبح الآن قوة عالمية. وهذا العام وحده، استثمرت في المزارع السمكية اليونانية، وأكبر شركة لتشارك السكوتر الكهربائي في أوروبا، ومركز بيانات كندي.
وسعى المبارك إلى تغيير مظهر الشؤون المالية الإماراتية المتشابكة في بعض الأحيان، من خلال تأسيس شركة ”مبادلة“ في عام 2017 بدمج سلفها، شركة ”مبادلة للتنمية“، مع شركة ”الاستثمارات البترولية الدولية“، وفي ذلك العام تولى المبارك، الذي كان الرئيس التنفيذي للشركة السابقة منذ عام 2002، إدارة الشركة القابضة الجديدة، ولكنه بذلك، ورث متاعب شركة ”الاستثمارات البترولية الدولية“، إذ كانت شركة الاستثمارات البترولية الدولية قد تورطت في سلسلة من التحقيقات حول تدفق الأموال من شركة ”1MDB“ للتطوير، والتابعة للحكومة الماليزية، حيث اشتبه في أن هذه الشركة كانت تعمل كواجهة لمسؤولين فاسدين.
وسجلت شركة ”مبادلة“ للاستثمار إجمالي دخل شامل قدره 12.5 مليار درهم أي 3.4 مليار دولار لعام 2018، وهي زيادة بنسبة 21 ٪ عن العام السابق.
رجل أعمال عصامي
وتحت إدارة المبارك، قامت مبادلة ببيع بعض أصولها الناضجة وبدأت استكشاف قطاعات ناشئة، إذ أوضح خلدون: ”التكنولوجيا هي مجال ذو أولوية وأنا شخصيًا أقضي كثيرًا من الوقت في التركيز عليه“.
وفي عام 2017، تعهدت ”مبادلة“ بمبلغ 15 مليار دولار لـ ”صندوق رؤية“ البالغة قيمته 100 مليار دولار لشركة ”مجموعة سوفت بنك“. ويقول المبارك إنه يراقب أداء الصندوق قبل أن يقرر الاشتراك في الجولة التمويلية الثانية، وأوضح أن ”مجال التكنولوجيا محفوف بالمخاطر بطبيعته“، مشيرًا إلى أنه في نوفمبر، أعلن صندوق رؤية عن خسارة بلغت نحو 9 مليارات دولار في حصته في شركة ”We Co“ وشركات التكنولوجيا الأخرى.
وصعد رجل الأعمال العصامي إلى القمة رغم التحديات، فقد كان والده دبلوماسيًا، يعيش في باريس سفيرًا للإمارات لدى فرنسا عندما قُتل على يد مسلحين فلسطينيين في عام 1984، ما أدى إلى تربية خلدون على يد جده، وهو أول رئيس قضاة في الإمارات ، ومن ثم أصبح خلدون مقربًا من العائلة الحاكمة وفقًا للوكالة.
وبعد تخرجه من جامعة تافتس في ولاية ماساتشوستس في عام 1997، بدأ عمله كمدير تنفيذي للمبيعات لشركة أبو ظبي الوطنية للبترول، وفي النهاية وصل إلى شركة مبادلة للتنمية كأول رئيس تنفيذي لها، ومن هناك أشرف على عدة عمليات استثمارية بارزة في شركات مثل ”EMI Music Publishing“، وجنرال إلكتريك“، و“كارلايل جروب“.
صور وتذكارات
ومثل كافة المستثمرين والمديرين التنفيذيين، واجه المبارك عدة تحديات، ففي عام 2012، استثمرت مبادلة للتنمية 2 مليار دولار في إمبراطورية الأعمال التي يديرها البرازيلي ”إيكي باتيستا“، الذي كان في ذلك الوقت من أغنى رجال العالم.
وعندما انهارت أعمال باتيستا في وقت لاحق من ذلك العام، كانت مبادلة واحدة من المستثمرين القلائل الذين خرجوا سالمين نسبيًا، إذ باع الصندوق حصته في الشركة التي تملك سلسلة مطاعم ”برغر كينغ“، وهي شركة استحوذت عليها مبادلة من خلال صفقة مع باتيستا، وجنت ربحًا كبيرًا هذا الصيف، وقال خلدون: ”لولا الصفقة المنظمة جيدًا التي عقدناها، لكانت النتائج سلبية إلى حد كبير“.
وتشير الصور والتذكارات المتنوعة في مكاتبه، إلى أن اهتمامات خلدون تمتد إلى أبعد من العالم المالي، فهناك قميص لنادي ”مانشستر سيتي“ الذي أصبح أحد أفضل الأندية في العالم بفضل تمويل شركة مبادلة، وهناك نموذج مصغر لسيارة فيراري، التي امتلكت مبادلة حصة فيها، وتفاوض خلدون على الصفقة التي جلبت سباق الجائزة الكبرى لـ ”فورمولا وان“ إلى أبوظبي.
وتشير هذه العناصر جنبًا إلى جنب مع لوحتين مهيبتين، واحدة فرنسية والأخرى كورية، إلى رجل له علاقات عميقة داخل وخارج الخليج. وفي العام الماضي، أصبح المبارك مبعوثًا خاصًا للصين، وهو منصب جديد يشير إلى العلاقات المتنامية بين بكين والخليج في مجالات النفط والغاز، والخدمات المصرفية واللوجستية.
وكل هذا يعزز وظيفته اليومية في مبادلة، حيث يقول المبارك ”أنا على تواصل مع شركات المساهمة الخاصة في أمريكا، والشركات العامة الأوروبية، وأتعامل مع الشركات الصينية، وأستمع للشركات الروسية، وهذا يعطيني منظورًا مفيدًا جدًا في إدارة المؤسسة“.
وتشير الوكالة إلى أنه في النهاية، ربما تكون الصورة الأكثر أهمية هي صورة المبارك مع ولي العهد محمد بن زايد آل نهيان، حيث يقول، ”لقد حالفني الحظ في العمل مع أشخاص مذهلين وقادة رائعين طوال مسيرتي المهنية، بداية من سموه“