دراسة حول تأثر النزعة المركزية للدول..

"الدولة": تحوّلات السلطة والحكم

عبد القادر بن شما/ الجزائر

الدوحة

تضيء العديد من الدراسات الحديثة حول تأثر النزعة المركزية للدول وسيادتها بالتحولات المتسارعة في نفوذ الشركات متعدّدة الجنسيات والتوّجهات التي تفرضها داخل وبين البلدان، وما يتصل بذلك من تغيرات في ثقافات المجتمعات وسلوكات الأفراد فيها.

من ذلك الكتاب الصادر حديثاً عن سلسلة "ترجمان" في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، بعنوان "الدولة: نظريات وقضايا"، والذي يضمّ مجموعة دراسات حرّرها بالإنكليزية كولِن هاي ومايكل ليستِر وديفيد مارش، ونقلها إلى العربية المترجم أمين الأيوبي.

يعرض الكتاب نطاقاً واسعاً من آراء مجموعة من المرجعيات الأكاديمية في مضمار العلوم السياسية، ومقاربات نظرية رئيسية متباينة لدراسة الدولة، إضافةً إلى القضايا البارزة المتنازع عليها في ما يتعلق بالعولمة، والأشكال الجديدة للحكم، والتغيير الحاصل في الحدود ما بين العمومي والخصوصي، علاوة على التغيرات التي طرأت على سلطة الدولة وقدراتها، فضلاً عن تعريفها ومفهومها والتطورات الأخيرة التي طرأت على نظرية الدولة.

في المقدمة، "نظريات الدولة"، يعرض هاي وليستِر تعريفاً للدولة ومفهومها، والتطورات الحديثة في نظرية الدولة، وما بعد الدولة، كما يقدمان عرضاً موجزاً للكتاب. ويشدد مارتن سميث، في الفصل الأول، "التعددية"، على أن نظرية التعددية كانت، ولما تزل، منظوراً عظيم التأثير في التحليل السياسي عموماً، وفي نظرية الدولة خصوصاً، مشيراً إلى أن التطورات الحديثة في الفكر التعددي وجوهر الاستقرار من صميم المقاربات التعددية.

أما في الفصل الثاني، "النخبوية"، فيسعى مارك إيفانز إلى استطلاع كيفية تطوُّر جوهر نظرية النخبة، محدداً سلسلة اقتراحات أساسية، منها: يمثل الحكام مجموعة متماسكة ويُنتقون على أساس إمكان حصولهم على موارد اقتصادية أو سياسية أو أيديولوجية، ويعملون ضمن منطقة، وهم معزولون عن المحكومين.

يتحدث كولن هاي في الفصل الثالث، "(ما المقصود بالماركسية) نظرية ماركسية للدولة؟"، عن النظريات الماركسية الخاصة بالدولة، منطلقاً من أن كارل ماركس لم يطوّر بنفسه نظرية دولة متماسكة ومنهجية، ويقول أندرو هندمور في الفصل الرابع، "نظرية الاختيار العام"، إن نظرية الاختيار العام ترى الدولةَ من منظور الفشل، باستخدام طرائق اقتصادية وبالاعتماد أساساً على افتراض أن الأفراد استغلاليون ونفعيون.

ترى يفيان شميت في الفصل الخامس، "النظرية المؤسساتية"، أنه ربما يمكن اعتبار النزعة المؤسساتية الجديدة ردة فعل على افتراضات نظرية الاختيار العام وثورة السلوكيين في ستينيات القرن الماضي، بينما تتحدّث يوهانا كانتولا في الفصل السادس، "النظرية النسوية"، عن النسوية، مشيرةً إلى أنه كثيراً ما عاب الحركةَ النسوية موقفُها الغامض من الدولة.

كان لمنظّري حركة الخضر في الفصل السابع، "النظرية الخضراء"، مثل نظرائهم في الحركة النسوية، موقفٌ غامض بعض الشيء تجاه الدولة، ويجادل ألن فينلايسون وجيمس مارتن، في الفصل الثامن "ما بعد البنيوية" بأن هدف ما بعد البنيوية هو التحقيق في اللغة السياسية وفي الخطاب السياسي لجمع بعض مكوناته وقواعده وكيفية إضفاء الطابع المؤسسي عليه، لفتح ما كان مغلَقاً، وبذلك تتمّ إتاحة مجموعة من البدائل.

يعاين نيكولا هوثي وديفيد مارش ونيكولا سميث في الفصل التاسع، "العولمة والدولة"، كيفية تأثير العولمة في الدولة، إذ يُزعَم على نطاق واسع أن العولمة قادت إلى إضعاف الدولة القومية؛ ففي عالم يزداد تشابكاً، يُزعَم أن الأعمال التي تؤديها الدولة باتت محصورة على نحو مطّرد.

وفي الفصل العاشر، "تحوُّل الدولة"، يعرض غيورغ سورنسن النقاشات الدائرة بين أولئك الذين يرون أن الدولة في طريقها إلى الانحسار والذين يرون أنها ستبقى قوية، وبين موقف مركَب ثالث يشير إلى تغيُّر الدولة وفقدانها بعضاً من نفوذها واستقلاليتها وترسُّخ نفوذها في نواحٍ أخرى في الوقت عينه.

يرى براينارد غاي بيترز وجون بيير في الفصل الحادي عشر، "الحوكمة والحكومة والدولة"، أن ما يحصل هو تحوُّل في مركزية الحكومة في الحوكمة، وفي كيفية عمل الحكومة، ضمن هذا الترتيب الجديد. أما في الفصل الثاني عشر، "العام/ الخاص: تخوم الدولة"، فيشير ماثيو فلندرز إلى أن الدولة موسومة بالانقسام والتفكك، ويتطرق إلى الأخطار المحتملة إذا نظرنا إلى الدولة باعتبارها كياناً متجانساً.