الإنتفاضة الرومانسية والإعلام الشاعر..

براح عشقك

الحس الشعبي في القصيدة

خالد جودة أحمد

هناك اتجاه معاصر للقراءة حول نص إبداعي يسير في اتجاه البحث عن الموضوعات الرئيسة الكامنة في النص الأدبي، وهي الأفكار الملحة في العمل الفني، وهنا قد يحضر التأويل لاكتشاف هذه الأفكار عبر حشد من الشواهد النصية من العمل الأدبي، مع تجلية التبرير الممكن لهذه الأفكار، وهو المنطق الشعري في القصيدة.
وفي ديوان "براح عشقك" للشاعر زكى محمد، نجد أنواعًا منوعة من هذا العشق، ومفردة "البراح" مفردة جيدة لأنها تكشف عن حالة الرضا، والفوز بالسعادة، لدى الذات الشاعرة وهي تسكن براح هذا العشق المنسوب إلى المعشوقة. وهنا علاقة لازمة عبر كاف الملكية، فهذا البراح لا يكون إلا في مظلة هذا العشق.
والتنوع هذا في حالات العشق يتفق مع فكرة البراح التي تعني الراحة والإتساع الذى يشمل هذه الأنواع، ويمكن لها، فعشق الحبيبة ورد بالديوان في جميع حالاته المحتملة لدى الحلم ولدى الخوف والتردد أمامه، ولدى الشغف باللقاء، ولدى اللقاء ذاته، ولدى الفراق، ولدى لوعة الفراق. ثم تأتي حالات عشق الوطن وعشق العروبة. فكأن القارئ يتجول في رحاب أطلس للعشق، سيجد نفسه موصوفًا في حالة منها.
وهذا التنويع يخبر من جانب آخر أن منتهى عشق الذات الشاعرة هو حالة العشق نفسها، لذلك لمست في مطالعتى المشروع الشعري هنا، أن هذا الشغف دفع الشاعر لإعلان انتفاضته الرومانسية، وسعى للإعلام عن حقيقة هذا العشق المعشوق.

مقاومة العصف العاطفي، هى ذات الثيمة الموضوعية التي سبق للذات الشاعرة نحتها في قصائد الديوان، تدور حول الكشف والإعلان عن فوران العشق

وفي نص معنون "ونسيت أقولك" للشاعر زكي محمد جاء فيه (بتصرف): 
"ونسيت اقولك في وسط زحمة حبك / اني والله بحبك / وان الحياه ملهاش لزوم لو في بعدك / ... / بس والله انت حلمي وبيكي بحلم / فاعذريني / انت شكه في الكلام / طب ورحمة قلبي / اللي مات في حبك / تقري علي قلبي السلام / وتبدائي صلاة ركعتين / للي ميت جوه ننك / من سكات / واللي شايف نفسه فيكي / جزء منك / جزء عاش رغم الممات / دقة القلب اللي فيا بتنطق اسمك / نقشة الفرحه في كياني فيها رسمك / ... أمي انت ايوه جايز / حب متأصل وقلبك اسره
جايز / بس بعدك هي اخر حاجه ممكن / ابقي عايز".
في هذا النص نجد جملة من خصائص بثتها الذات الشاعرة دائرة في نطاق  النسيان، أدت إلي انتفاضة شاعرية رومانسية فكانت اللافتة الشعرية –القصيدة -  تمارس دور إعلام للمحبوبة أو بيان ثوري رومانسي. 
ونلمح الحس الشعبي في القصيدة والذي جاء عبر صيغ التأكيد بالقسم وبالتكرار المستمر "طب ورحمة قلبي" والتي حصل عنها تداعي آخر في الصورة "وتبدائي صلاة ركعتين"، وتبدو المفارقة بين النسيان والتذكر والشرود والعودة، وبين الموت والحياة (واللي شايف نفسه فيك / جزء منك / جزء عاش رغم الممات(.
ثم يعمد الشاعر لإشباع المعني بتدفق شاعري يعلن عنه أن القلب والكيان جميعًا للمحبوب: "دقة القلب اللي فيا بتنطق اسمك / نقشة الفرحه في كياني فيها رسمك"، ويبدو المنطق الشعري عن سر هذه العاطفة نحو الأنثي "الرمز" أنه يجد سكنه ووطنه فى حضن هذه المحبة "بس لما بتوه بلاقي وطني حضنك".
ثم تكشف الشفرة الشاعرية عن نفسها بإلقاء مفتاحًا مهمًا للتلقي: "أمي انت ايوه جايز / حب متأصل وقلبك اسره / جايز". وتمنح مفردة "جايز" أفقًا للتأويل من خلال طرح الأسئلة، ويختم الشاعر بيانه الشعري الموضح لموقفه ومطالبه الثورية الرومانسية "بس بعدك هي آخر حاجه / ممكن / ابقي عايز".
وفي نص آخر معنون "وارب قلبك"، تقول القصيدة: 

"وارب قلبك / للى يحبك / وما تحضنش هواه على طول / واما تلاقى الغدر فى قلبه / أقفل قلبك / قبل ما ليل الهجر يطول / وارب قلبك مش هتموت / اى جراح بتعدى تفوت / واما تحس الحب فى قلبك / إياك تنطق / خلى كلام الحب سكوت / وارب قلبك وما تضعفش / لما عيونك تيجى فى عيونه / ماتسهمش / واما بيسأل ويجيب سيرتك / إياك ترمى القلب عليه / متسلمش / لوبيحبك مش هيسيبك".  
نجد في هذا النص الإنتفاضة الرومانسية من طريق الحكمة القائلة أحبب حببيك هونا ما"، والحذر العاطفي، وحالة الترقب والإنتظار القلق. ويظهر فى القطعة الشعرية "التطريب" و"الإيقاعية" المركوزة في الشعر الغنائي. 
ونجد التوتر الداهم بين الإقبال والإحجام، والإندفاع والتروي، فماج الشعر بفكرة الصراع باعتباره صدام الإرادات، لكنها إرادات ليست لشخوص متعددة، بل هي إرادات متباينة في انقسام وداخل الذات الشاعرة نفسها، لذلك استعمل الشاعر "المناجاة الدرامية" في خطابه الشعري، والمناجاة تعني حديث النفس داخلها، والدرامية تعني هنا النصيحة الموجهة لشخصية متخيلة هي جانب آخر في الحوار الداخلي، ظهر هذا في حرارة الخطاب ولوعته، وتأكيده المتكرر بتنويعات المداهمة سواء بخوف الهجر، أو خوف الوصال بأفراحه المذهلة، لذلك كان النداء الداخلي بالتثبيت والمقاومة: 
"وارب قلبك"، "ما تسهمش"، "ما تسلمش"، "لم جراحك"، "وما تحضنش"، "إقفل قلبك"، "إياك تعشق"، "إياك تنطق"، "إياك ترمي القلب"، "خلي كلام الحب سكوت"، 
هذا التكرير نجم عنه حداء نفسي واشتعال التطريب المنسرب في أنحاء القطعة الشعرية. ومقاومة العصف العاطفي، هى ذات الثيمة الموضوعية التي سبق للذات الشاعرة نحتها في قصائد الديوان، تدور حول الكشف والإعلان عن فوران العشق.