المشاركة باتت مكلفة..

المعارض الدولية في اختبار الصمود بعد انسحاب علامات شهيرة

شركات السيارات المساهمة في دورات 2020 تطلق شرارة التشويق لملء فراغ المتغيبين.

دبي

تواجه معارض السيارات خلال الدورات المقررة العام الجاري في عواصم ومدن عالمية كبرى اختبارا حقيقيا لقدرة الصمود مستقبلا بعد أن فضّلت شركات عملاقة الابتعاد عن هذه الأحداث السنوية لأنها لم تعُد تجدي نفعا في نظرها بسبب التكاليف الباهظة نتيجة تراجع المبيعات، والصداع المزمن الذي بات يرهق المصنعين في ظل هواجس حماية المناخ.

 أنهت معظم شركات صناعة السيارات آخر اللمسات قبل مفاجأة الجماهير خلال فعاليات النسخ المرتقبة من معارض هذه السنة رغم الأنباء المزعجة حول انسحاب علامات شهيرة عن أول حدث ستستضيفه مدينة جنيف السويسرية في مارس المقبل، ولتتالى بذلك الانسحابات المتوقعة.

ورغم أن مجموعة من عمالقة التصنيع ستغيب عن بعض المعارض كخيار استراتيجي في ظل تراجع المبيعات أو بسبب الضغوط البيئة، ستقود علامات معروفة وأخرى مغمورة تحوّلا في عمليات الابتكار ومن المرجح أن تطلق شرارة التشويق مع الطفرة التكنولوجية السائدة حاليا.

ولعل المفاجأة الأكبر هي مقاطعة فولكسفاغن الألمانية، التي تعتبر أكبر صانع للسيارات في العالم، لمعرض باريس المقبل للعام الثالث على التوالي.

ولا يزال الحديث يدور داخل أروقة الصناعة حول أزمة التلاعب في انبعاثات العوادم، والتي تعاني الشركة من تداعياتها منذ العام 2015 وعدم رغبتها في مواجهة زبائنها بشكل مباشر، رغم أنها تتوسع شرقا وفق خطة لتوسيع قاعدة إنتاجها المتعلق بالمركبات الخضراء.

وبعد أن قررت شركة لامبورغيني الإيطالية مقاطعة معرض جنيف، وشركة أودي الألمانية مقاطعة معرض نيويورك، ومجموعة بيجو ستروين الفرنسية مقاطعة معرض فرانكفورت، تدرس فولكسفاغن بالفعل الانضمام لموجة العازفين عن المشاركة بمعارض السيارات الدولية خلال عام 2020.

باتريك كولر: معارض السيارات تحتاج إلى نهج جديد وإلا ستختفي

ونقل موقع موتور وان الأميركي المتخصص في عالم السيارات عن مصادر مطلعة في الشركة قولها إن “فولكسفاغن في سبيلها للانسحاب من معرض باريس الدولي للسيارات في دورته المقرر انطلاقها منتصف شهر أكتوبر المقبل”.

وكانت تقارير قد كشفت أن فولكسفاغن لن تشارك كذلك في معرض باريس الدولي للسيارات المقرر نهاية العام الجاري.

وقال عضو مجلس إدارة فولكسفاغن يورغن ستاكمان في تصريحات للصحافيين لتوضيح موقف الشركة من المشاركة بمعرض باريس، إنه “من المحتمل عدم مشاركة فولكسفاغن بالمعرض وأنه لا توجد خطط لذلك”.

وقبل فولكسفاغن، أعلنت أودي عدم مشاركتها بمعرض نيويورك الدولي، توفيرا للنفقات التي يتم صرفها على التحضيرات للمشاركة بالمعرض، واستثمارها بشكل آخر مع التركيز على عرض سياراتها باحتفاليات تنظمها أودي بنفسها.

كما فضلت لامبورغيني عدم المشاركة بمعرض جنيف في دورته التسعين، رغبة منها في الاحتفال بسياراتها الجديدة ضمن احتفاليات عرض تنظمها بنفسها وليس عبر حدث دولي.

وكانت مجموعة بيجو ستروين قد أعلنت الخميس الماضي أنها لن تشارك بمعرض فرانكفورت لهذا العام لتوفير النفقات.

عزوف جماعي

ليست المرة الأولى، التي تشهد عزوف شركات سيارات عن المشاركة بمعارض دولية كبرى، كما هو الحال في السابق مع تزايد زخم معارض التكنولوجيا على ما يبدو.

وكانت فولفو أول شركة لصناعة السيارات تتخذ مثل هذه الخطوة “الصعبة” وبشكل لا رجعة فيه، والتي من الواضح أنها غيّرت حسابات الجهات المنظمة للمعارض الدولية.

وشكّل قرار فولفو، أحد أبرز عمالقة صناعة السيارات، مقاطعة المعارض الدولية نهائيا منذ الدورة السابقة لمعرض جنيف، مفاجأة كبيرة لخبراء القطاع.

ويعتقد البعض أن الرتابة، التي باتت تطبع تلك الأحداث وعدم قدرتها على جذب الزبائن كما هو الحال في السابق مع تزايد زخم معارض التكنولوجيا، كانت كفيلة لاتخاذ صناع القرار في كبرى الشركات مثل هذا القرار.

وقال نائب رئيس الشركة بورن أنوال خلال مؤتمر صحافي عقده بمقر الشركة إن “مسؤولي التخطيط في شركة فولفو يعتقدون أن طرح السيارات الجديدة في المحافل الدولية لم يعد طريقة عملية وليست ذات جدوى في ما يتعلق بالتسويق”.

وأوضح أن المعارض صارت مقتصرة فقط على الخبراء ووسائل الإعلام والمستثمرين في مجال صناعة السيارات ولم تعد بذلك الزخم الكبير الذي كانت عليه قبل أعوام لاستقطاب الجماهير الشغوفة بمتابعة الأطرزة المختلفة من المركبات.

فولكسفاغن وأودي ولامبورغيني وبيجو ستروين تنضم إلى موجة العازفين عن المشاركة في المعارض الدولية للسيارات المقررة هذا العام

ويبدو أن مسألة تغيير نمط التسويق جزء من خطة متكاملة لفولفو تهدف لخفض الإنفاق، إذ أن تكلفة المشاركة في المعارض والتي تقدر بالملايين من الدولارات سنويا سبب جوهري للمقاطعة، لاسيما وأن الترويج الإلكتروني للمنتجات الجديدة يعتبر أرخص مقارنة بالترويج المباشر.

وكانت شركات عملاقة قد فضلت العام الماضي مقاطعة عدة معارض دولية بشكل مؤقت مع اختلاف ظروف كل منها.

وفي العام 2018، شهد معرضا فرانكفورت وباريس عزوفا واضحا من قبل شركات التصنيع العملاقة، التي أبدت مواقف مختلفة في اتخاذ خطواتها.

وقبل أسابيع قليلة من معرض فرانكفورت في سبتمبر 2018، أحاط سوء الطالع بالحدث السنوي بعد أن ألغت 9 من عمالقة صناعة السيارات مشاركتها، وهو ما عكس الوضع الذي يعاني منه المصنعون.

وإلى جانب غياب شركة تسلا وسيارتها الإلكترونية موديل 3 عن ذلك المعرض، تنامت في الوقت نفسه قائمة أسماء الشركات الكبيرة، التي لم تشارك في معارض السيارات، التي أقيمت العام الماضي، ومنها نيسان وميتسوبيشي وإنفينيتي اليابانية وبيجو الفرنسية وفيات وغيرها.

وتعتقد جهات عالمية مختصة في أبحاث السيارات، من بينها كي.بي.بي اﻷميركية، أن المصنعين باتوا يواجهون أزمة حقيقية في تبرير عدم مشاركتهم في المعارض الدولية، على نطاق واسع خاصة مع رغبتهم في تقليص النفقات والتكاليف.لامبورغيني ستحتفل بسياراتها الجديدة في عرض منفرد

لامبورغيني ستحتفل بسياراتها الجديدة في عرض منفرد

ويشير خبراء إلى أن المصنّعين بدأوا بالفعل في التشكيك في المعارض، كأنشطة تسويقية تحقق عائدا اقتصاديا، لاسيما مع ارتفاع التكاليف، وتحكم منظمي المعرض في الطرازات التي تظهر في العروض الرئيسية للمعرض.

ونظرا إلى هذا الاتجاه، قد يبدو من الطبيعي أن تركز الشركات اليوم على جانب آخر للحفاظ على نجاحها واستمراريتها باتخاذ مسار آخر يحقق القيمة المضافة لمنتجاتها التي تتسابق بحدة للظفر بأكبر عدد من الزبائن.

ويحذّر المختصون من اندثار المعارض الدولية للسيارات خلال السنوات القليلة القادمة، إذا استمر الوضع على ما هو عليه اليوم وعدم الإسراع في تغيير الشكل الحالي لهذه الأحداث السنوية باهظة التكلفة.

ويقول باتريك كولر، الرئيس التنفيذي لشركة فوريسيا الفرنسية موردة أجزاء السيارات، والتي تبلغ مبيعاتها سنويا قرابة 19 مليار يورو، إن معارض السيارات تحتاج إلى نهج جديد وإلا ستختفي.

تراجع أعداد الزوار

تستضيف مدينتا فرانكفورت وباريس اثنين من أكبر معارض السيارات على مستوى العالم، بالتبادل عاما بعد عام يتخللهما معرض ديترويت في يناير ومعارض أخرى في الصين واليابان والولايات المتحدة وسويسرا.

ولكن الكثير من المعارض التقليدية شهدت تراجعا في أعداد الزوار منذ بداية القرن الحالي عندما كان يتم الكشف عن أغلب السيارات الجديدة تحت أضواء هذه الأحداث حيث تكون محاطة بالعارضات الجميلات لجذب زبائن جدد.

وربما بدأ التراجع يتسارع ويظهر بالفعل منذ أن تراجع عدد الحضور بنحو 14 بالمئة في معرض باريس الذي أقيم في العام 2016، بعد أن أثرت المخاوف من شن هجمات إرهابية على السياحة، في حين اجتذب معرض ديترويت في ذلك العام أعدادا أقل بمقدار 9 آلاف زائر قبل عام.

ويرجع متابعون وخبراء في القطاع ذلك الأمر إلى أن المصنعين صاروا في مواجهة شديدة مع التغيرات التي يحدثها عمالقة التكنولوجيا مثل أبل وغوغل وسامسونغ وهذا ربما يؤثر على صناعتهم بشكل أو بآخر، بالإضافة إلى الدعوات والقرارات التي أطلقت من أجل الحد من استخدام السيارات التي تعمل بالوقود.

وأدى زخم التكنولوجيا كساحة للمنافسة الرئيسية بين المركبات ذاتية القيادة المستقبلية، على سبيل المثال، إلى جذب شركات السيارات إلى معارض منافسة تقام سنويا في عدة دول مثل معرض الإلكترونيات الاستهلاكية بمدينة لاس فيغاس الأميركية وموبايل وورلد كونغرس في مدينة برشلونة الإسبانية.

ومع أن معرض جنيف، الذي يعتبر أول حدث أوروبي هذا العام، قد يكون واحدا من أصغر الفعاليات الخاصة بصناعة المحركات على مستوى العالم، لكنه سيضم بعض أقوى العلامات الشهيرة في القطاع.

ولذلك من غير المفاجئ أن يتابع زوّاره خلال فعاليات الدورة تدشين العشرات من الموديلات الجديدة. وبحسب المؤشرات الأولية، فإن هناك علامات جديدة ستظهر للمرة الأولى من خلال تقديم موديلات صديقة للبيئة وبتصاميم فريدة، في محاولة لانتزاع حصة من السوق.

ويتوقع أن يحضر مديرو الشركات المعرض وسط قلق يرخي بظلاله على القطاع في ظل انخفاض الطلب في العديد من الأسواق وتراجع أرباح المصنعين نتيجة الاضطرابات، التي تعرض لها القطاع خلال الأشهر الماضية والحروب التجارية وتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي.

وتبدو الشركات في مواجهة شديدة مع التغيرات التي يحدثها عمالقة التكنولوجيا في العالم وهذا يؤثر على صناعتهم بشكل أو بآخر، بالإضافة إلى الدعوات المستمرة من أجل الحد من استخدام السيارات التي تعمل بالوقود.

وتعتزم مرسيدس الألمانية إزاحة الستار عن الموديل الجديد من سيارة الفئة إي خلال فعاليات معرض جنيف، حيث يمتاز الموديل الجديد بكشافات أمامية جديدة ومؤخرة جديدة، بجانب الحصول على خدمات نظام الاستعمال أم.بي.يو.إكس المزود بشاشة لمسية ونظام التحكم بالأوامر الصوتية، فضلا عن العدادات الرقمية.

وأكدت شركة جيب الأميركية أن سيارة رانغلر فور إكس.إي ستظهر لأول مرة في معرض جنيف مع ظهور رينيجاد خلال الشهر الموالي، في معرض نيويورك للسيارات ومعرض بكين للسيارات على التوالي.

وبدأت جيب بالفعل في تنفيذ خطتها للتحول إلى السيارات الكهربائية، مع نظام تورك-إي الهجين الجديد للشركة من خلال موديل رانغلر، بالإضافة إلى المجموعة الجديدة من طرز إكس.إي فور.

واستنادا على تقرير نشره موقع سنت الأميركي، فمن المتوقع أن تطرح جيب سيارة كهربائية بالكامل أو اثنتين أيضا خلال العامين القادمين.