صخرة صماء..

تقرير: كيف فشل النظام الإيراني في إيقاف الانتفاضة العراقية؟

الانتفاضة العراقية

موسى أفشار

تمثل انتفاضة الشعب العراقي دليل دامغ وقوي على إمكانية تحدي نظام الملالي الإرهابي، الذي يصدر الموت بأنواعه إلى الشعب العراقي، بهدف الانقضاض على الثورة العراقية، مستخدماً في ذلك جميع أنواع الأسلحة من مليشيات إرهابية وخطف واعتقال وقتل بالقناصات، إلا أنه وبالرغم من ذلك يبدو الفشل ملازما لنظام الملالي والهزيمة تلازمه مع إصرار صلد للشعب العراقي على التغيير.

ومنذ بدء انتفاضة الشعب العراقي ضد نفوذ النظام الإيراني والطبقة الحاكمة التابعة لسيطرة ونفوذ إيران، اتبع النظام الإيراني خطين متوازيين اثنين: فمن جهة، سعى لحرف مسار الانتفاضة ضد النظام نحو التحرك ضد الولايات المتحدة، ومن جهة أخرى، سعى لتفكيك صفوف المنتفضين وإرهاقهم وإرعابهم.
ممثل الولي الفقيه الإيراني، وصف في أحد وسائل الإعلام الإيرانية المسماة بكيهان، سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في العراق بوكر التجسس، موصياً الشعب العراقي باحتلال هذه السفارة، كما فعل الثوريون الإيرانيون الذين سيطروا على السفارة الأمريكية في طهران.

وتطرق حسين شريعتمداري في مقالة نشرت في ٥ أكتوبر على صحيفة كيهان، للحديث عن الاحتجاجات الحالية في العراق، وأشار لبعض الشعارات المنددة بإيران ومليشيات الحشد الشعبي، معتبراً إياها صادرة عن من وصفهم بـ «عملاء الأمريكيين والإسرائيليين والوهابيين السعوديين».

كان نظام ولاية الفقيه القائم على العقائد الدينية المتخلفة والظلامية غير قادر على تلبية الاحتياجات الاقتصادية والثقافية لشعب بلده منذ بداية قدومه للسلطة، ولكنه استطاع حشد مختلف الشرائح الاجتماعية حوله من خلال الشعارات ضد الولايات المتحدة وإسرائيل.
وبسبب فكره المتطرف دينياً، فإن على خصومة وعداء مستفحل مع الولايات المتحدة الأمريكية وعالم الحضارة والتمدن والرقي، فسلوك هذا النظام مع النساء في داخل إيران هو أفضل دليل على هذا الأسلوب من الفكر الديني المتطرف.
واستطاعت شعارات الموت لأمريكا، التي كان يتم النداء بها يومياً في صلوات الجمعة، جمع ذات الطبقات والشرائح المتخلفة، بالإضافة للطبقات المتطفلة من الوصوليين حول هذا النظام، سواءً أكانوا داخل إيران أم خارجها.

ومع احتلال السفارة الأمريكية، سعى النظام للتهرب من الوعود التي قدمها للشعب في أعقاب سقوط نظام الشاه، وذلك بسبب طبيعته المتخلفة ذاتها، جاهداً نحو إقصاء القوى التقدمية للمجتمع عن الساحة، وبهذا الشكل استطاع الخروج من المأزق السياسي في الوقت الذي كانت فيه الجمهورية الإسلامية لا تتمتع بقدر كبير من القوة.
ولطالما استخدم هذا النظام شعارات الموت لأمريكا كدرع دفاعي له، فيما تتضح تلك الشعارات أنها فارغة من كل مضمون تماما، حيث أكد مسؤول استخباري تابع للنظام ذات مرة، أن عمل شعار الموت لأمريكا بالنسبة لنا أكثر من وزارة الاستخبارات.

وسعت القوات التابعة للنظام الإيراني، في مظاهرات الأربعينية هذا العام، لاستبدال شعار "إيران بره بره" بشعار "الفاسد بره بره"، وعندما لم تنجح مساعي استبدال ذاك الشعار، وفشلت بعدها مقترحات سليماني لقمع المظاهرات، كقتل المحتجين من خلال قنصهم، وخطفهم واغتيالهم، لجأ النظام لاستخدام طرق أخرى.

كما سعى النظام من خلال هجماته المختلفة على السفارة الأمريكية، أو على القواعد الأمريكية، لحرف الانتفاضة نحو ما يسمى بالنضال ضد أمريكا من جهة، ومن جهة أخرى لإيقاع ترامب في فخ الانتخابات، ليتمكنوا من تكرار الكارثة التي حدثت مع جيمي كارتر مع ترامب هذه المرة، وجعل ترامب يأخذ موقفاً دفاعياً من خلال تنفيذ هذا النوع من العمليات العدائية والعسكرية، لعلهم يتمكنوا من التخلص من شر العقوبات الخانقة.

الهجوم على قاعدة k1 الأمريكية، صحيح أنه كان تخطياً للخط الأمريكي الأحمر، حيث قتل فيه جندي أمريكي واحد، لكن الولايات المتحدة ردت بهجمة على المليشيات التابعة لإيران كالحشد الشعبي، وكتائب حزب الله، ليقتل في هذه الهجمة عدد من قيادات وجنود الحشد الشعبي. ومن ثم سعى النظام لتحويل موضوع مقتل عدد من عناصر المليشيات الموالية له لحملة دعائية حاشدة أمام السفارة الأمريكية.

الهدف الأول للنظام كان ذات الهدف "حرف الانتفاضة"، وفي ذات الوقت كان يعمل على تنفيذ أعماله العدائية والعسكرية، وعاد قاسم سليماني أيضاً للعراق من أجل المضي قدماً بأجندة النظام، بما في ذلك تنفيذ خطة احتلال السفارة الأمريكية في بغداد، وهذا هو بالضبط نفس اليوم الذي استهدفته الولايات المتحدة فيه.

وفي خطأ حسابي لم يتصور النظام الإيراني أنه بعد قيامه بالحركات العدائية والعسكرية المتعددة، من الهجوم على ناقلات النفط في بحر عمان والبحر الأحمر، حتى الهجوم على القواعد الأمريكية، أن يواجه ردة فعل أمريكية حادة وشديدة.

ومثل هلاك قاسم سليماني أثر الهجوم الأمريكي أفشل تماماً استراتيجة النظام الإيراني، فقد كان قاسم سليماني أيقونة سياسة نشر الحروب التي كان يتبعها النظام الإيراني في المنطقة، فلطالما كانت استراتيجية النظام للبقاء على قيد الحياة تعتمد على أساسين اثنين:السعي لنشر الحروب في المنطقة والقمع الداخلي، وهكذا فقد النظام أحد دعامات حفظ حكمه.

في المرحلة الجديدة، سعى النظام الإيراني للاستفادة من مقتدى الصدر من أجل حرف هذه الانتفاضة عن الأهداف التي بدأت من أجلها، واستخدامه كحصان طروادة، فخلال مظاهرات 2015 و 2016، التي اشتعلت بسبب نقص الخدمات والفساد المستشري في النظام الحاكم في العراق، لعب مقتدى الصدر الدور نفسه مع اقتحام البرلمان العراقي.

مقتدى الصدر والتيار الصدري ادعى مقاومة الاحتلال الأمريكي في العراق، وأسس من أجل ذلك ما يسمى بجيش المهدي، وبسبب قتاله الولايات المتحدة سابقاً، حاول دوماً تصوير المشكلة الرئيسية للشعب العراقي على أنها تكمن في الولايات المتحدة، لا النظام الإيراني.
المظاهرة الأخيرة التي قام بها مقتدى الصدر، وعمد النظام الإيراني على استثمارها، وبثتها شبكات النظام الإيراني بشكل حي ومباشر، كانت يوم الجمعة 24 يناير / كانون الثاني، لكنها لم توصل النظام الإيراني لمراده منها، والدليل على ذلك هو المظاهرات الواسعة التي قام بها الشعب العراقي في اليوم التالي.

ومع ذلك، استخدام النظام الإيراني لمظاهرات مقتدى الصدر وترويجه لها لم يساعده في تحقيق هدفه المتمثل في حرف الانتفاضة العراقية عن أهدافها، من خلال فرض شعار طرد الولايات المتحدة، بدلاً من طرد النظام الإيراني من العراق، ليتأكد بوضوح أن الانتفاضة العراقية تتخذ خطوات قوية وثابتة لتشكيل حكومة نابعة عن إرادة العراقيين في بلدهم العراق.