صيغة مشتركة للعمل السياسي والمقاوم..

تقرير: لماذا فقدت فتح وحماس مرجعية القرار الفلسطيني؟

الاحتلال يشتد على صدور وكرامة وحياة الفلسطينيين بلا اهتمام من أرباب السياسة

مروان كنفاني

غالبية الشعب الفلسطيني، وأنا منهم، كانوا يعيشون منذ سنوات طويلة في وهم إمكانية اتفاق قادة حركتي فتح وحماس على صيغة مشتركة للعمل السياسي والمقاوم، من أجل تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني الشرعية في دحر الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.

كان قلب شعبنا يخفق بالسعادة والأمل كلما صرّح قائد من القادة الكثر نصّبوا أنفسهم لحكم شعبنا دون أن ينتخب أيّا منهم، بأن الاتفاق قريب، ثم يفشل الاجتماع ويتبادل الطرفان السباب والاتهامات والتخوين.

يشتد الاحتلال على صدور وكرامة وحياة شعبنا بلا اهتمام من أرباب السياسة أو المقاومة، وتعرف إسرائيل جيدا كيف تثير اهتمام الفلسطينيين وتعاونهم، فتعيد إرسال الأموال المخصصة للسلطة الوطنية، التي كانت قد احتجزتها، وتفتح معبر غزة للإسمنت والحديد والبضائع، وتسير الأمور كما سارت في العشرين عاما الماضية، ويعلن الطرفان عن موعد جديد لاجتماع جديد للتوصل إلى اتفاق حول المصالحة الوطنية. أربعة عشر عاما مضت وشعبنا ينتظر.

يتبلور في المرحلة الحالية نشاط كسول في كل من قيادة رام الله وقيادة غزة لعقد اجتماع آخر بينهما للتصدي للمبادرة الأميركية، المعروفة بـ”صفقة القرن”. ويدرك الجميع أن الأولوية في هذا التصدي يجب أن تكون لتوحيد الموقف الفلسطيني الذي تؤيده معظم دول العالم.

لن تكون السلطة الوطنية قادرة على تحمل مسؤولياتها لولا المساهمات الدولية والعربية المتحالفة معها، كما لم تكن حركة حماس قادرة على تحمل مسؤولياتها دون الدعم الإيراني والقطري وغيرهما

يحتم هذا التصدّي تبني موقف موحّد يستند إلى برنامج سياسي موحّد، مؤقت أو دائم. الأمر الذي لم يشرع فيه الفلسطينيون بعد. كما يجري الحديث الآن عن وفد جديد من رام الله ليزور قطاع غزة للتشاور حول الموضوع.

الجديد في هذه الجولة من اجتماعات فتح وحماس، هو التغيير الذي حصل في أشخاص الأعضاء الدائمين للوفد الفتحاوي، الذين كانوا دائما من الضفة الغربية، حيث تم تبديلهم بأعضاء من غزة، التي لم يتواجدوا فيها منذ عام 2007 أي منذ سيطرة حماس على القطاع، إضافة لكون الرئيس الحمساوي، السيد إسماعيل هنية، غير متواجد في الوقت الحالي في غزة، اللهم إلاّ إذا كان الاجتماع سيتم خارج غزة.

الحقيقة الأساسية في الأزمة الفلسطينية، هي أن حركة فتح منذ أن انطلقت في أوائل العام 1964 لم يكن في حسابها المشاركة في حكم الفلسطينيين مع أي تنظيم آخر، وحتى حين فرض عليها إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية عام 1996 استمرت في التمسك بالحكم المطلق والسيطرة على المراكز المفصلية في منظمة التحرير، ومن ثم السلطة الوطنية.

في المقابل فإن حركة حماس منذ قيامها وحتى انقلابها في منتصف عام 2007 لم يكن ضمن أهدافها مشاركة الحكم مع حركة فتح أو أي فصيل آخر، وهو ما تمسّكت به حتى وقتنا الحاضر. قد يكون هذا الموقف من التنظيمين الفلسطينيين سمة التنافس والأنانية السياسية المعهودة، لكن الأسلوب الذي انتهج لتحقيق هذه الأهداف كان مدمّرا للأهداف الوطنية.

أصبحت الخارطة السياسية منذ منتصف تسعينات القرن الماضي تعكس شرخاَ خطيرا على مجمل القوة الفلسطينية السياسية والتمثيلية والنضالية؛ انقسام في الأرض، تفرّد الفصيلين دون أن ينالا الثقة في بعضهما بحكم كل جزء منها. برنامجان سياسيان متعارضان ومختلفان.

كما أن العديد من الفصائل الوطنية تعتمد في تمويلها وتسليحها على الفصيلين الأكبر دون أن يكون لها مشاركة فاعلة أو تأثير ملموس في اتخاذ القرار الفلسطيني.

فقد الشعب الفلسطيني نتيجة ذلك ثقته بالفصائل، وبالذات الفصيلين الأكبر والأقوى (فتح وحماس)، كما ساوره الشك في صدقية وجدّية العمل السياسي القائم على التهديد والإدعاء بوقف التعاون والاتصال وتنفيذ بنود اتفاق أوسلو، كما اللجوء موسميّا للعمل المقاوم المخضب بدماء الشباب مقابل التسهيلات والغاز والإسمنت.

لم يعد الواجب الأول للفصائل، كبارها وصغارها، مساعدة الشعب المطحون بالخوف والمتعب بالضرائب والحصار. أصبح المجتمع الفلسطيني غابة من العنف والفقر والصدام والسلاح المخزّن لصدام حول ما هو آت من مجهول تخطط له إسرائيل.

يشكّل التوصل إلى إنهاء الانقسام حجر الزاوية في العودة إلى القرار الفلسطيني الواحد، وإلى تحقيق وحدة الأرض والشعب، وزيادة التأييد القوي لنا من الشعوب والدول العربية والإسلامية، ودول العالم المؤيدة لحقنا وشرعية مطالبنا وأهدافنا.

دفع الانقسام الفلسطيني الفصائل إلى السقوط في أحضان التحالفات المتعارضة، العربية والإقليمية والدولية. إن الذي يحكم الجزء الشمالي مما تبقى من بلادنا هو حركة فتح وليس السلطة الوطنية أو منظمة التحرير الفلسطينية، بينما من يحكم الجزء الجنوبي مما تبقى من أرضنا هم الإخوان المسلمون وليس حركة حماس.

يتبلور في المرحلة الحالية نشاط كسول في كل من قيادة رام الله وقيادة غزة لعقد اجتماع آخر بينهما للتصدي للمبادرة الأميركية، المعروفة بـ"صفقة القرن"

تنقسم دول الشرق الأوسط والعالم حول التعامل مع قضية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي بشكل عام وفق رؤيتها لهذا النزاع. بين مؤيد للقوى العالمية الأقوى، ومعارض لتلك القوى. وينقسم موقفنا كفلسطينيين بين جزء يؤيد القوى العالمية وجزء يدعم القوى المعارضة. وبين هذه وتلك فقدنا الموقف الموحّد الواحد.

التفسير المنطقي لالتحاق كل من حركتي فتح وحماس لأحد المحورين، هو ضمان الدعم السياسي والعسكري والمالي فحسب وليس لمبادئ أو قناعات، إن الأموال التي يحتاجها كل من الفصيلين للإنفاق على الأعضاء والموظفين وتلبية الاحتياجات الاقتصادية والعسكرية، تحتم عليهما تأييد سياسات الجهة التي تساهم في ذلك الدعم.

لن تكون السلطة الوطنية قادرة على تحمل مسؤولياتها لولا المساهمات الدولية والعربية المتحالفة معها، كما لم تكن حركة حماس قادرة على تحمل مسؤولياتها دون الدعم الإيراني والقطري وغيرهما.

لقد خرج قرار التوصل إلى اتفاق على برنامج سياسي فلسطيني موحّد، والعودة عن الانقسام بين فتح وحماس، من أيدي قادة التنظيمين الفلسطينيين الأقوى.

إن القيادة المؤهلة لاتخاذ القرارات المتعلقة بالحرب والسلام والحياة والموت، هي تلك التي يختارها الشعب الفلسطيني بحرية واقتناع. الانتخابات ونتائجها سوف تدعم الموقف الفلسطيني السياسي تجاه العالم وتكسب احترامه، وتوحّد مواقفه أمام الصديق والعدو، وهي التي سوف تطمئن الشعب وتحميه، وتطلق قدراته وإنجازاته المجتمعية والاقتصادية. وأهم من ذلك كله أنها ممكنة.