ترجمة..

تقرير: هل تندلع حرب سيبرانية بين الولايات المتحدة وإيران؟

من الهجمات السيبرانية إلى الهجمات المادية

رؤية الإخبارية

اهتزّ العالم عندما انتشرت أخبار في مطلع شهر يناير الماضي، مفادها أن صاروخًا أطلقته طائرة استطلاع أمريكية أدّى لمقتل "قاسم سليماني"، أبرز جنرال عسكري في إيران، خارج مطار بغداد.

ووفقًا للبنتاغون، فإن الهجوم كان إجراءًا دفاعيًّا حاسمًا تنفيذًا لتوجيهات الرئيس دونالد ترامب لحماية الأفراد الأمريكيين في الخارج.

ودعا المرشد الأعلى الإيراني، على خامنئي، لتنفيذ "انتقام شديد" ردًّا على مقتل سليماني، وفي الثامن من يناير، أطلقت إيران صواريخ على قواعد عسكرية أمريكية في العراق انتقامًا.

كما أن هناك مخاوف كبيرة من أن تلك الأحداث ربما تؤجّج الصراع بين البلدين. ونظرًا لأهمية شبكة المعلومات والفضاء السيبراني لحياتنا اليومية، هناك خشية أيضًا من أن هذا الصراع قد لا ينحصر في العالم المادي، لكنه قد يأخذ أيضًا شكل هجمات سيبرانية؛ تلك الهجمات التي قد تكون لها تداعيات خطيرة، لا سيما أن إيران أظهرت زيادة في قدراتها السيبرانية منذ العقد الماضي.

القدرات السيبرانية

إن أبرز هجوم سيبراني بين إيران والولايات المتحدة كان هجوم فيروس "ستوكسنيت" الذي أصاب منشآت يورانيوم إيرانية؛ ما تسبب في تعطيل أجهزة طرد مركزية في عام 2010. ورغم عدم إعلان أي دولة مسئوليتها عن ذلك، بيد أنه يُعتقد على نطاق واسع أن الهجوم نفذه خبراء إسرائيليون وأمريكيون مدعومون من الدولة.

في اللحظة الراهنة، تتميز قدرات الحرب السيبرانية الأمريكية بأنها متعددة الجوانب ومنظمة وذات مستوى عالٍ. في أكتوبر 2019، أخبر مسئولون أمريكيون وكالة رويترز أن الولايات المتحدة شنّت عملية سيبرانية سرية ضد البنية التحتية الدعائية لإيران، عقب هجوم إيراني مزعوم بالصواريخ والطائرات المسيّرة على منشآت نفطية سعودية.

على الجانب الآخر، كُشف النقاب عام 2013 أن قراصنة إيرانيين، يُقال إنهم ينفذون أعمالًا لحساب الحكومة الإيرانية، اخترقوا أجهزة تحكم حاسوبية تابعة لسدّ صغير شمال مدينة نيويورك. كما شنّ هؤلاء القراصنة ذاتهم هجمات سيبرانية على عشرات المؤسسات المالية الكبيرة، ومنعوا العملاء من الدخول لحساباتهم على الإنترنت.

في هذا المناخ الراهن، يمكن لإيران أن تفكر في استخدام قدراتها السيبرانية الهجومية كجزء من ردّها على مقتل سليماني. وعقب اعتراف وزارة الأمن الوطني الأمريكية بإمكانية تنفيذ أطراف مرتبطة بإيران سلسلة من الهجمات السيبرانية على الولايات المتحدة، حذرت الوزارة الشركات الأمريكية وناشدتها بدارسة وتقييم التأثير المحتمل لهجوم مثل هذا على أعمالها.

وعلى النقيض من هذه المخاوف، قلل بعض خبراء الأمن السيبراني من قدرة إيران على شنّ هجمات سيبرانية كبيرة يمكن أن تؤثر على جزء كبير من الشعب الأمريكي. فيما جادل آخرون بأن الهجمات السيبرانية لا تمثل انتقامًا قويًّا بما يكفي بالنسبة لإيران التي تعد دولة ضعيفة وليست قوية في المجال السيبراني.

إن الحديث عن هجمات سيبرانية يشنّها قراصنة لديهم دوافع سياسية وقومية - وهي هجمات شهدت زيادة عقب مقتل سليماني - يختلف تمامًا عن الحديث عن هجمات قوية وهائلة قد ترقى لمستوى الحرب السيبرانية.

ولا شك أن الحرب السيبرانية أكثر خطورة ويمكن أن ترقى لمستوى الاستيلاء على بنى تحتية حساسة أو تعطيل أهداف عسكرية أو إلحاق ضرر كبير بقطاعات في المجتمع. إن الأعمال الحربية تشارك فيها دول وهي مرتبطة بأفعال تقودها حكومات أو قوات عسكرية، لكن غالبًا يكون من الصعب نسب هجوم سيبراني محدد إلى حكومة بعينها، ويمكن تنفيذ الهجمات عن بُعد بواسطة مجموعات قرصنة غير تابعة بشكل صريح للحكومة المتورطة في هذه الهجمات.

ووفقًا للقانون الدولي، يحق للبلدان الدفاع عن نفسها في حال تعرضت لهجوم مسلح - الذي يمكن أن يشمل هجومًا سيبرانيًّا على نفس القدر من الخطورة، وقد احتفظت الولايات المتحدة صراحة بحق الرد عسكريًّا على الهجمات السيبرانية، غير أن المبرر الذي تستند إليه أي ضربة مضادة سيضعف في حال لم يتضح ما إذا كانت الدولة المتهمة بتنفيذ الهجوم السيبراني كان لديها علم واضح بأن الهجوم كان يجري تنفيذه.

من الهجمات السيبرانية إلى الهجمات المادية

في الوضع الراهن، هناك خشية كبيرة من أن يؤدي أي هجوم سيبراني - حتى لو لم يكن ناجحًا - لردّ عسكري على الأرض. إذ إننا ما نزال نتذكر الهجوم الصاروخي الإسرائيلي في مايو 2019 على قراصنة تابعين لحماس اتهمهم الجيش الإسرائيلي بمهاجمة أهداف إسرائيلية. 

ولو ظنت الولايات المتحدة أن إيران كانت على وشك استهداف بنى تحتية حساسة بواسطة هجوم سيبراني، فإن هذا قد يوفر لها مبررًا شرعيًّا وفقًا للقانون الدولي لشنّ هجوم عسكري وقائي ضد أهداف إيرانية. لكن إصدار حُكم عن مدى فورية هجوم في الفضاء السيبراني هو أمر صعب: الهجوم السيبراني الخطير يمكن التخطيط له سلفًا أو يتم تنفيذه بسرعة شديدة.

وبالرغم من أن الخطر المحدق بوقوع المزيد من العنف بين الولايات المتحدة وإيران يبدو أنه يتراجع، إلا أن الآثار الناتجة عن مقتل سليماني باتت تحدث في عصر جديد للحرب الحديثة، حيث تتغير الأفكار الأساسية عن الحرب والقانون الدولي بصورة مستمرة.

ورغم أنه ما من دولة في العالم أقرّت حتى الآن بإطلاق هجوم سيبراني خطير لدرجة تدفع الدولة المستهدفة لاعتباره عملًا حربيًّا، غير أن هناك احتمالًا قائمًا بأن تحدث هجمات كهذه، حتى لو لم يجر استخدام مثل تلك القدرات، بيد أن خطرها يمكن أن يوفر مبررًا لشنّ هجمات عسكرية مضادة تكون لها تداعيات مدمّرة في الصراعات المقبلة.