متحف أثري..

"القاهرة عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي": إنقاذ بلا خطط

قبة مسجد السلطان برقوق من الداخل

سناء أمين

تُمثّل القاهرة متحفاً أثرياً حافظ على معظم معالمه منذ تأسيسها عام 969م كرابع مدينة بناها المسلمون في مصر بعد الفسطاط والعسكر والقطائع، خلافاً لمدن إسلامية أخرى تعرّضت العديد من مبانيها للهدم أو التدمير على مدار التاريخ، وبذلك تتراكم معظم الآثار التي تعود إلى العصور الفاطمية والأيوبية والمملوكية والعثمانية في فضاء واحد.

باتت الشكوك تحاصر هذه الحقيقة التاريخية مع تراكم حوادث السرقة والحرائق والإهمال المتعمّد خلال السنوات الأخيرة، ما يشكّل تهديداً خطيراً بتشوّه أو فقدان أجزاء كبيرة من القاهرة جعل رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، يصرّح في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي بأنه "سنتعامل في تطوير هذه المناطق التاريخية كـ "عمليات جراحية" لإنقاذ الآثار الموجودة فيها من أي تعدّيات قائمة".

تتشابه هذه الوعود مع سابقاتها ولا تجد طريقها إلى أرض الواقع، خاصة أنها سبقت انطلاق الاحتفال بـ"القاهرة عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي" التي ستُفتتح في نيسان/ أبريل المقبل، بالتوازي مع إقامة التظاهرة في كلّ من بُخارى في أوزبكستان، وباماكو في مالي.

"
لم تعثر وزارة الثقافة المصرية على جديد فعادت للبحث في الدفاتر العتيقة
"
التظاهرة التي أطلقتها "منظّمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة" (إيسيسكو) عام 2001 باختيار ثلاث مدن كل عام كعواصم ثقافية عن المنطقة العربية والمنطقة الأفريقية والمنطقة الآسيوية، لم تترك أثراً يُذكر في الحواضر التي جرى اختيارها خلال العقدين الماضيين.

بل إن أغلبية هذه الاحتفاليات عمدت إلى تقديم برامجها الثقافية المعتادة في الأعوام التي سبقتها وستعقبها، مع إضافة فعالية أو فعالتيين تأخذ شكل ندوة أو مؤتمر يتطرّق عادةً إلى قضايا أو ظواهر حساسة مثل "الإسلاموفوبيا" و"التطرّف" و"تجديد الخطاب الديني"، وتحتاج إلى مقاربات أصيلة ومبتكرة لمناقشتها، لكن المنظّمين يفضّلون قراءات تتسق مع الرؤى الرسمية.

بالعودة إلى "العمليات الجراحية" التي وعدت بها الحكومة المصرية لإنقاذ القاهرة، فإن مشروع إحياء العاصمة التاريخية أُعلن عام 1998، لكن عوامل عديدة أعاقت إتمام مراحله الأربع التي عادت السلطات مؤخّراً لتبنيها من جديد، لعلّها تؤهّل البنية التحتية التي تتطلّب من دون شكّ رؤية عصرية لإدارتها تتخلّص من الفساد والترهّل والجهل بالقيمة الحضارية للمدينة.

من جهة أخرى، تبدو انعكاسات ذلك في الثقافة والفنون والفكر هي المسألة الأهم، التي أصبحت رهينة لإرادة النظام المصري وتوظيفاته السياسية، حيث اختزال الإرث الإسلامي في معادلات "التسامح" و"الاعتدال" و"التنوير" التي لا تزيد عن كونها مفردات تُردّد في المناسبات من دون أن تحوي مضموناً أو أثراً.

يحضر في هذا السياق، المؤتمر الصحافي الذي أقامته وزيرة الثقافة المصرية، إيناس عبد الدايم، قبل أسبوعين للإعلان عن برنامج "عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي"، وركّزت فيه على "ضرورة الحوار وإبراز قيم العيش المشترك" من دون التفات حقيقي إلى مضمون البرنامج الذي نُظّم المؤتمر لتقديمه.

ربما بدا لافتاً أن الفعالية الوحيدة التي أُعلن عنها كانت إعادة إنتاج المسرحية الاستعراضية "القاهرة في ألف عام" من تأليف عبد الرحمن شوقي وإخراج روبير صايغ، والتي شارك في أدائها أحمد زكي وسعيد صالح ويونس شلبي وأحمد ماهر، وأشاد بها عدد من النقّاد حين عُرضت لأوّل مرة عام 1969. يبدو أن الوزارة لم تعثر على جديد فعادت للبحث في الدفاتر العتيقة.