ظاهرة تنتشر في مناطق يهيمن عليها التيار السلفي..

كيف تحول زواج السُنة في مصر سلب لحقوق النساء؟

زواج السنة لا يعترف بدور المأذون

أميرة فكري

انتشار “زواج السنة” في مصر في المناطق التي تخضع لسيطرة السلفيين، لا يؤشر فقط على تجاوز القوانين المدنية، ولا ينفتح فقط على الآثار الاجتماعية والقانونية الوخيمة المترتبة على هذا الصنف من الزواج، بل يدلّ أساسا على الأثر الاجتماعي التي يمكن أن تتركه التيارات الإسلامية في البلاد. أثر اجتماعي أخطر من الكثير من التحركات السياسية التي تخوضها التيارات الدينية، وهو ما يتطلبُ عملا فكريا ودينيا طويلا ودؤوبا لتداركه والحيلولة دون المزيد من انتشاره بين الطبقات الشعبية.

 ما زالت فرحة نصر، ابنة الـ17 عاما وصاحبة أشهر قضية إثبات نسب في صعيد مصر، تعاني مرارة قبولها بـ”زواج السُنّة” من شاب كان يكبرها بعشرة أعوام، وتنصل من ابنته التي أنجبتها منه بعد أشهر من انفصالهما بسبب تكرار التعدي عليها وإيذائها بدنيا، لمجرد أنها طلبت توثيق الزواج في السجلات الرسمية.

لا تنسى الفتاة المصرية يوم تقدم الشاب لخطبتها بحضور كبار عائلته، وقبلت أسرتها بإتمام الزيجة بطريقة السُنة، أي دون عقد رسمي موثق، واكتفى الطرفان بإعلان إتمام الزواج على طريقة “اتفاق الكبار أقوى من أي وثيقة”، وفوجئت بعد بضعة أشهر بأنها تُعامل بطريقة غير آدمية حتى طلبت الطلاق ووافق الزوج على ذلك، وذهبت للإقامة بمنزل أسرتها.

لم تمرّ أيام على الطلاق حتى شعرت بآلام في المعدة، وأبلغها الأطباء بأنها حامل، وعقب إنجاب طفلتها طلبت من طليقها توثيق عقد زواج حتى تتمكن من إثبات نسب ابنتها والحصول على اللقاحات الطبية وإلحاقها بالمدرسة، لكنه رفض وقال “لا أدري إن كانت هذه الطفلة ابنتي أم لا”.

صحيح أن القضاء أنصفها بعد وقت، لكن الابنة لم يتم تسجيلها مبكرا لأن مصلحة الأحوال المدنية تشترط وجود الأب.

قالت فرحة لـ”العرب”، إن زواج السُنة تجارة باسم الدين في أجساد الفتيات، فلا تملك المرأة حق الاعتراض عليه كي لا تُتهم بأنها عاصية لعائلتها، لأنه يقوم على التوثيق الشفهي بطريقة “كلمة شرف” بين العائلتين دون وجود أوراق رسمية.

البعض يصف هذا الزواج بأنه "دعارة مقننة"، وتحايل على القانون باستغلال جهل بعض الأسر وتقديسها للعادات والتقاليد البالية، والأفكار الرجعية

وما زالت أغلب المناطق التي يسيطر عليها الفكر السلفي تقوم بتزويج الفتيات صغيرات السن على طريقة السُنة، بعد أن نجح هؤلاء الشيوخ في إقناع الناس بأن “الزواج الحقيقي والشرعي يقوم على الإشهار فقط دون اشتراط وجود مأذون يوثقه”.

ولأن الكثير من المناطق الحدودية والريفية والقبلية متدنية في المستوى التعليمي وترتفع فيها نسبة الأمية، فقد تعاملت الأسر مع هذه القناعات بطريقة عمياء.

يتأسس هذا الزواج على توسط أحد كبار المنطقة، وغالبا يكون من أصحاب التوجه السلفي، للقيام بمهمة الإشهار وإعلان إتمام الزيجة، ويعيش الزوجان معا دون أوراق رسمية، وهو ما حدث في حالة فرحة والآلاف من الفتيات الأخريات، وعند وقوع أول مشكلة يتنصل الزوج من المسؤولية ويخفق كبير المنطقة في الحل بإقناعه أو إقناع عائلته بتوثيق الزواج، ويهرب الشاب تاركا الفتاة تعاني، فهي لا تملك ما يثبت زواجها أو حتى طلاقها.

وتزداد خطورة هذا النوع من الزواج في حالة وفاة الأب أو الأم، أو في حالة وجود أبناء ولم يتم تسجيل العقد، وهنا يدفع الأولاد فاتورة باهظة.

أقرّ محمود يونس، وهو شاب يعيش في إحدى قرى محافظة البحيرة بشمال القاهرة، في حديثه مع “العرب” بأنه أنجب ثلاثة أبناء من زوجته التي عاش معها على طريقة السُنة، لكنها فارقت الحياة قبل بلوغها السن القانونية (18 عاما) ولم يوثق العقد أو يسجل الأبناء، وما زال يواجه أزمة كبيرة في كيفية إلحاقهم بالمدارس.

تقدم أحد أعضاء مجلس النواب مؤخرا بطلب إحاطة عاجل لرئيس الحكومة، كشف خلاله ارتفاع معدلات زواج السُنة في مناطق يسيطر عليها الفكر المتشدد الذي يوهم الناس بأنه يضفي صبغة إسلامية على الزواج، ويخدعهم بأن المأذون بدعة، ما جعل الكثير من العائلات تقتنع بذلك حتى سقطت مئات الزوجات ضحايا لهذه الخرافات.

الزواج المدني حماية للمرأة والطفل

يصف البعض هذا الزواج بأنه “دعارة مقننة”، وتحايل على القانون باستغلال جهل بعض الأسر وتقديسها للعادات والتقاليد البالية، والأفكار الرجعية، حتى انتهى الأمر إلى وجود نسبة كبيرة من الأطفال خارج حقل التعليم، لأن الآباء رفضوا توثيق عقود الزواج أو حتى تسجيلهم في المدارس، نكاية في الأم التي لا يعطيها القانون أحقية تسجيل أولادها، وهي ثغرة خطيرة يستغلها الأزواج لإذلال الأمهات.

يترتب على زواج السُنة أن تُحرم المرأة من الميراث، أو من الحصول على المعاش إذا توفي زوجها حتى أنها لا تستطيع أن تشاركه السفر إلى خارج البلاد، أو استقلال عربات النوم في القطارات لأنها لا تمتلك وثيقة للزواج، ولا يحق لها تلقي المساعدات المخصصة للمرأة المعيلة أو التي تعيش في أسرة فقيرة. يعني ذلك، أن الفتاة التي تتزوج بهذه الطريقة تسقط حقوقها بمجرد قراءة الفاتحة بين عائلتها وأسرة الشاب.

وفي هذا الصدد قالت فرحة “في بعض المناطق، إذا طالبت الزوجة بتوثيق العقد مستقبلا، يكون ذلك مقدمة لإعلان تمردها أو خروجها عن الأعراف، وإن دافعت عن حقها بأن يتم تسجيل أولادها قد يُفهم ذلك على أنها تطالب بميراثها الشرعي، ويكون مصيرها العقاب الجسدي”.

في حال كان الزوج أكثر عقلانية، فإنه يقوم بتوثيق الزواج عند المأذون في سجلات خاصة تحمل اسم “زواج التصادق”، وتدوّن فيها أسماء الذين تزوجوا بشكل غير رسمي ومر على زواجهم بضعة أعوام.

تكون المعضلة في تسجيل الأولاد وهم في سن كبيرة، ويتم اللجوء إلى دفع مبالغ مالية لموظفي مكاتب الصحة نظير تسهيل المهمة، وفي المناطق النائية والريفية يتم تمرير الأوراق بالمعارف والعلاقات الودية.

تجارة باسم الدين في أجساد الفتيات

تكمن الأزمة في أن بعض رجال الدين يدعمون زواج السُنة بشكل غير مباشر، فتراهم يقولون “صحيح شرعا مئة في المئة”، لكنه خطأ قانونا، ولأن غالبية الأسر غير المتعلمة أو التي تعيش في مناطق يسيطر عليها الفكر السلفي تعتبر هذه الآراء بمثابة صك ديني يشرعن الزواج غير الموثق بغض النظر عن انعكاساته الخطيرة على الأمهات والأبناء.

قالت مروة عبدالرحيم، وهي محامية في الشؤون الأسرية، إن “زواج السُنة لا يمكن أن ينتهي طالما تعاملت معه الأسر باعتباره الوحيد الذي يطابق الشريعة، والأهم من ذلك، تعديل القانون المصري ليشمل عقوبة الزواج المبكر، الأب والأم ولا يقتصر الأمر على المأذون فقط، لأن زواج السُنة ليس فيه مأذون من الأساس”.

وذكرت لـ”العرب” أن إحدى السيدات لجأت إليها لتوثيق زواجها رغم أن عمرها 60 سنة، وتوفي زوجها ولا تستطيع الحصول على معاش أرملة.

وقالت مروة، وهي أيضا رئيسة جمعية “مناهضة العنف ضد المرأة” في محافظة قنا بجنوب مصر، يجب تسليط الضوء إعلاميا على ضحايا زواج السُنة، حتى يقتنع الأهالي بأنهم بذلك يلقون ببناتهم إلى الجحيم، لأنه في بعض المناطق يتم تصنيف الفتاة التي تصل إلى سن الـ13 ولم تتزوج على أنها عانس وربما لا يأتي إليها شباب للزواج، وينظر الجيران إلى بعضهم “لدرجة أنهم يعايرون الأسرة التي لديها ابنة صغيرة ولم تدخل عش الزوجية”.