الدوحة وأنقرة تستفيدان من استمرار التوترات..

تقرير: هل فشلت عمليات "أفريكوم" في منع الإرهاب في الصومال؟

عمليات أفريكوم لم تجبر حركة الشباب على الانكفاء

محمد أبوالفضل

لم تمنع أزمة كورونا، التي تطغى على توجهات الكثير من الدول، القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) من مواصلة غاراتها ضد قيادات حركة الشباب الصومالية، ومحاولة تقويض العمليات الإرهابية للحركة في بعض دول الجوار، وتعتبرها واشنطن تمثل تهديدا لمصالحها الاستراتيجية في المنطقة، قد تصل إلى إلحاق الأذى المباشر بالأمن القومي الأميركي.

على مدار ثلاثة أعوام من بدء المهمة التي راح ضحيتها العشرات من المتشددين لم تتوقف التقديرات حول مدى جدوى وفعالية الهجمات الجوية، ولم تنقطع تقارير بعض المنظمات الحقوقية بشأن وقوع ضحايا مدنيين، وربما تجد الحركة فرصة في هذا الجدل الذي تزايد مع تغير واضح في أولويات الحسابات العالمية لتعيد السيطرة على ما فقدته من مكاسب الفترة الماضية، مستفيدة من الانتقادات الموجّهة لأفريكوم، والتعثر الذي يواكبها بسبب الصراعات الخفية بين عدد من القوى الإقليمية التي تريد التحكم في مصير الصومال.

شنت القیادة العسكریة لأفریكوم في الـ27 من مارس الماضي غارة جوية على إرهابيين من حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة، بالقرب من “بولو فولاي” التابعة لإقليم “باي” في جنوب البلاد، أدت إلى مقتل 29 عنصرا، في محاولة لمواصلة الضغط على الحركة كي تبقى كوادرها غیر متوازنة وتتراجع عملياتها الإرهابية في الصومال وغيره.

لم يجد هذا النوع من التصوّرات قبولا كبيرا لدى منظمة العفو الدولية، فقد أدانت الأربعاء (الأول من أبريل)، الضربات الجوية الأميركية في الصومال، بذريعة أنها أدت إلى قتل وإصابة عدد من المدنيين عن طريق الخطأ، وذكرت أن 21 من الضحايا سقطوا خلال الفترة من أكتوبر 2017 حتى فبراير الماضي، وهو ما ترفض أفريكوم التسليم به، مؤكدة أنها ستطلق مبادرة لتبادل المعلومات حول ما وصفته بـ”المزاعم والتقييمات بشأن سقوط ضحايا مدنيين”.

يأتي هذا الجدل والعالم أكثر انخراطا في جائحة فايروس كورونا، فلم تلق انتقادات منظمة العفو الدولية تجاوبا كبيرا من المجتمع الدولي، وفشلت واشنطن في جذب الاهتمام لما تقوم به في الصومال وتبرير دوافعها الأمنية، الأمر الذي يصب في صالح حركة الشباب، والتي ترى مثل غيرها من التنظيمات الإسلامية المتطرفة، أن الفرصة مواتية لاستعادة زمام الأمور مع وجود تقديرات ذهبت إلى أن الطلعات الأميركية بالطائرات المسيّرة قد تشهد تراجعا.

صراعات وتناقضات

تصاعد التلويح للأبعاد الإنسانية في المهمة الأميركية، وقد يزداد اللغط حول هذه القضية الفترة المقبلة لأن العملية لم تحقق تقدما لافتا يجبر حركة الشباب على الانكفاء والكمون ووقف الهجمات، وأفضى انتقاء القيادات التي توجه إليها الغارات إلى احتماء هؤلاء وسط المدنيين لتحجيم عمليات أفريكوم، أو مواجهة واشنطن ملاحظات مستمرة من قبل المنظمات الحقوقية النشطة في الصومال، والممول معظمها من دولتي قطر وتركيا، ومعروف أن لهما علاقات قوية مع حركة الشباب، ويميل عدد كبير منها لتوصيف الجماعات الإرهابية بأنها معارضة.

تستفيد الدوحة وأنقرة من استمرار التوترات في الصومال، وتعملان على تغذية الصراعات وخلق تناقضات داخلية كسبيل لمواصلة دورهما في الصومال، والذي ينفتح على الحكومة المركزية وقوى المعارضة المسلحة لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية وأمنية تنطلق من الموقع الاستراتيجي المهم لهذا البلد في منطقة القرن الأفريقي في غياب شبه تام للولايات المتحدة، فعمليات أفريكوم الجوية لن تحسم صراعا تدور رحاه الأساسية على الأرض، وأيّ تقدم تحرزه من وراء القصف بات يثير ضجة إنسانية.

وعد الجنرال ستيفان تاونسند، الذي يقود أفريكوم من مقر قيادته المركزية في مدينة “شتوتغارت” في ألمانيا مؤخرا، بإظهار الشفافية والالتزام بحماية المدنيين من الأذى، ووعد أيضا بطرح تقرير مبدئي بحلول نهاية أبريل حول العمليات مع تقديم تحديث ربع سنوي لاحقا.

شنت أفريكوم نحو 21 ضربة جوية منذ بداية العام الجاري، و64 غارة في العام الماضي، و43 في العام 2018، ولم تتمكن من كسر شوكة حركة الشباب أو تؤثر في قوتها على الأرض، ما يقلل من الأهمية العسكرية التي تحملها الغارات الأميركية.

طرحت هذه المعطيات أسئلة محورية بشأن فوائد الهجمات العسكرية، وهل هي حرب بلا نهاية، فكل أسبوع يُعلن عن مقتل شخص أو اثنين من الإرهابيين، ما يعني أن واشنطن بحاجة إلى عقود للقضاء على عناصر الحركة التي يصل قوامها إلى نحو 10 آلاف مقاتل، حيث تمضي الحرب ببطء شديد، وهذا يوحي بأن الولايات المتحدة لا تريد تغيير هذه الوتيرة، وإذا تصاعدت الانتقادات في هذه الأجواء قد تلجأ واشنطن لفرملة عملياتها أو تقليصها للحد الأدنى.

يشير هذا الاستنتاج إلى عمق المأزق الذي تعاني منه الولايات المتحدة خارجيا وضيق الخيارات أمام الدور الذي تلعبه في فضاء الحرب التي تخوضها منذ سنوات تحت شعار مكافحة الإرهاب، والتذبذب الذي لحق بها في الأماكن التي تشتبك فيها القوات الأميركية مع قوى متشددة في أماكن مختلفة، ما يقود إلى عدم استبعاد توالي انحسار هذا الدور.

قال الجنرال روجر كلوتير، قائد قوات المشاة الأميركية في أفريقيا، إن حركة الشباب تمثل أكبر تهديد في القارة وتؤثر على مصالح الولايات المتحدة لذلك يتم التعامل مع هذا الخطر بجدية وتركيز كبيرين، بمعنى أن واشنطن عازمة على الاستمرار ولن توقفها كوابح عرضية، ففكرة الاستسلام للانزواء والانسحاب من بعض مناطق النزاعات لن تثني القوات الأميركية عن وقف العمليات العسكرية في الصومال عن بعد، هكذا يوحي تصريح روجر، لكن التحديات التي تمر بها الإدارة الأميركية قد تأخذ الأمور في اتجاه آخر.

تولي واشنطن تركيزا على أزمة كورونا، غير أنها من الصعوبة أن تستسلم لتداعياتها تماما، وتبدل مؤسساتها من خططها الاستراتيجية في مكافحة الإرهاب بما يحدث تحولا كبيرا فيها، لأن التنظيمات المتطرفة تعمل على تسخير قدراتها لتوظيف الأزمة وشن عمليات عنف ضد القوى المناهضة لها، وقد يؤدي الانكماش في العمليات الأمنية إلى تمدد العناصر الإرهابية وتتمكن من توسيع نطاق محاورها بما يتجاوز الصومال الذي يعاني من خلل في مؤسساته الحاكمة في مقديشو وصلت إلى درجة اتهام الرئيس محمد عبدالله فرماجو بالتواطؤ مع حركة الشباب.

فتور مهمة أفريكوم

يقدم متابعو الأوضاع في الصومال هذا التفسير كمبرر لعدم نجاح التعاون حتى الآن بين واشنطن ومقديشو في تحقيق اختراق كبير يُجهز على الحركة أو يفقدها القدرة على رد الفعل، فعقب كل استهداف أو غارة تتعرض لها تتعمد حركة الشباب توجيه رسالة للولايات المتحدة أو أحد حلفائها من خلال عملية نوعية هنا أو هناك تؤكد عزمها على مواصلة القتال.

أكد غلين فاين، المفتش العام في البنتاعون، أن أفريكوم تريد خلال العام المقبل (2021) إضعاف حركة الشباب وتنظيم داعش في الصومال والجماعات المتطرفة في شرق أفريقيا ليصبح هؤلاء عاجزين عن الإضرار بمصالح الولايات المتحدة.

يؤكد هذا التقدير أن واشنطن لا تطمح للقضاء على حركة الشباب في الصومال أو غيرها، كل ما يهمها خلخلتها عبر توجيه ضربات جوية متقطعة أصبح تكرارها يمثل قيمة معنوية أكثر منه مادية، لأن طرق القضاء على المتشددين تستلزم دورا أكثر حزما وأوسع انتشارا، الأمر الذي تستغله القوى الراغبة في القيام بدور مركزي في الصومال ومحيطه.

لخص مارك إسبر، وزير الدفاع الأميركي، المسألة باقتدار عندما قال “بين الحين والآخر يجب القيام بجز العشب للحفاظ على السيطرة وضمان ألاّ يزيد الخطر ويعاود الظهور”، وذلك في معرض حديثه مؤخرا عن المهمة التي تقوم بها أفريكوم في الصومال.

وفّر حصر مهمة أفريكوم في عدد الطلعات الجوية وما حققته من أذى للعناصر القيادية التي تستهدفها مساحة لبعض القوى التي وجدت في الصومال فضاء للحركة ومنه تنطلق إلى الدول المجاورة مستغلة الحدود المشتركة والجغرافيا الممتدة التي يصعب السيطرة عليها، وأدت المناوشات المتكررة بين كينيا والصومال، أو بين إثيوبيا وتركيا بسبب اتهامات بتهريب السلاح مؤخرا، إلى صرف الأنظار عن الدور الخطير الذي تقوم به حركة الشباب في المنطقة التي تتغذى على الصراعات الإقليمية، ما أفقد غارات أفريكوم مزاياها في الصومال.

يشجع التسليم بفشل أفريكوم في إنهاء «أسطورة» حركة الشباب وغيرها من التنظيمات المتطرفة على استمرار التحدي، والرهان على أن الحماس الذي صاحب بعض القوى الدولية فتر أو في سبيله إلى الفتور، ما يشير إلى انتظار ربيع جديد أو انتعاشة للجماعات الإرهابية في هذه المنطقة، وتغير في معادلة التوازنات التي اعتقدت أن خريفها اقترب.